الاستثمار الخليجي وسيلة لإنقاذ اقتصاد مصر من التعثر

فشل الأموال الساخنة في تمويل الموازنة يعزز بيع الأصول للمستثمرين العرب.
الخميس 2022/06/30
ألووو.. متى تصل التمويلات؟

تسعى الحكومة المصرية لجذب المزيد من رؤوس الأموال الخليجية الباحثة عن مقاصد استثمارية خارج الحدود، اعتمادا على تحرير القطاع الخاص من قيود الاستثمار، وذلك من خلال اللقاءات الثنائية مع المستثمرين لتعريفهم بأجندة الدولة، خاصة بعد التفاهم الكبير مع جميع الدول الخليجية، وآخرها قطر.

القاهرة- وضعت مصر رهانا كبيرا على جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية، وشهدت الأيام الماضية لقاءات مكثفة من جانب مسؤولين في القاهرة مع مستثمرين في دول عديدة يمثلون قطاعات اقتصادية مختلفة بهدف منح الاستثمار دفعة جديدة.

وجاء ذلك في ظل مساعي الحكومة المعلنة لتقليل الاعتماد على الأموال الساخنة، ما يتطلب من السلطات تقليل التركيز على جذب أموال المحافظ والاهتمام بشكل أكبر بجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز الصادرات.

ووفق تصريحات أدلى بها وزير المالية محمد معيط قبل أيام، فغالبية تدفقات المحافظ الأجنبية غادرت السوق المحلية.

وبلغ حجم الأموال الهاربة حوالي 15 مليار دولار أثناء أزمة الأسواق الناشئة في 2018 وما يقرب من 20 مليار دولار عقب تفشي جائحة كورونا منذ عامين، ثم بسبب الأزمة الأوكرانية العام الجاري وخلفت تداعيات اقتصادية كبيرة.

أسامة حفيلة: التشريعات والبنية التحتية القوية تدعمان جذب الاستثمار

وكشفت وزيرة التخطيط هالة السعيد أن الحكومة تركز في الوقت الراهن على زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة وليس الأموال الساخنة التي ضغطت على سعر الصرف الفترة الماضية.

ولا يعد شح الدولار هو السبب الوحيد نحو اتجاه لجذب الاستثمار المباشر، لكن لوجود فجوات تمويلية تتعدى 20 مليار دولار بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، لأن مصر أكبر مستورد للقمح في العالم، فهي تؤمن أكثر من 60 في المئة من حاجاتها من الخارج، كما تستورد النفط.

وتأتي السعودية والإمارات وقطر في مقدمة الدول الخليجية المتوقع أن تشهد استثماراتها رواجًا في مصر الفترة المقبلة.

وذكر بيان صدر في نهاية زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة الأسبوع الماضي أن الرياض تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار في مصر.

ووفق خطط كشف عنها مجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج خلال زيارة قام بها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى أبوظبي في مايو الماضي، أنه يعتزم زيادة الاستثمار من 20 مليار دولار إلى 35 مليار دولار من خلال حزمة من المشاريع ستطلق خلال السنوات الخمس المقبلة.

وأكد مدبولي أن الاستثمارات الإماراتية شكلت داعما كبيرا لنمو وتوسعات القطاعات الاقتصادية ببلاده في ظل العلاقات المتينة التي تربط البلدين وحجم الفرص المتاحة في العديد من القطاعات الحيوية.

كما وطدت القاهرة والدوحة علاقاتهما الاقتصادية، ودعت وزيرة التجارة والصناعة نيفين جامع الشركات القطرية لزيارة مصر لبحث الفرص الاستثمارية في البلاد عقب إعادة تشكيل مجلس الأعمال المشترك بعد ثماني سنوات من تعليقه.

واتفق البلدان على التشاور في ما يتعلق بالاستثمارات الجديدة بعد إعلان قطر استثمار 5 مليارات دولار بمصر عبر لجنة مشتركة جديدة، تشمل استحواذ صندوق الثروة السيادي القطري على أصول مصرية.

ويبدو جليا أن الاستثمار الأجنبي المباشر أولوية جديدة، وهو الاتجاه الذي دعمه الاتفاق على مليارات من الدولارات من الاستثمارات من الدول الخليجية الثلاث. وتبلغ تعهدات السعودية والإمارات وقطر نحو 22 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة والودائع في البنك المركزي.

هاني توفيق: ينبغي بيع الشركات بزيادة رؤوس الأموال حفظا للأصول

وتستهدف الحكومة جذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار في الأعوام الأربعة المقبلة ما يعكس الزخم المتاح أمام الشركات، وفي قطاعات رئيسية في المجالين الزراعي والصناعي وأنشطة ومشاريع الطاقة المستدامة.

كما تعتزم زيادة الصادرات إلى مئة مليار دولار خلال خمس سنوات، وهو ما يصعب تحقيقه إلا بجذب أجانب لتدشين مشروعات وزيادة التجارة الخارجية من خلالها، بالرهان على الموقع الجغرافي لمصر كنافذة تصديرية كبيرة نحو أفريقيا وأوروبا.

ويأتي ذلك بعد بيانات مخيبة للآمال للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العام الماضي، وأظهر تراجعا في التدفقات الواردة بنحو 12 في المئة، على الرغم من تعافي معظم دول العالم من أزمة كورونا.

ويرى نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين أسامة حفيلة أن الأزمة الاقتصادية في مصر تشمل جزءين، أحدهما بسبب الظروف العالمية والآخر نتيجة الاعتماد على الأموال الساخنة، لذلك ينبغي عدم الاعتماد عليها والتركيز على الاستثمار الأجنبي المباشر.

وقال لـ”العرب” إن “مناخ الأعمال مناسبة لجذب المزيد من الاستثمارات بعد صدور تشريعات بشأن تعديل قوانين الاستثمار والتراخيص الصناعية”.

وأوضح أن الحكومة تعتزم منح الأراضي بنظام حق الانتفاع، وهي خطوة إيجابية لتشجيع الاستثمار والصناعة، لأنها توفر على المستثمر ضخ سيولة كاملة في سعر الأرض.

ومن أهم الأسباب التي تعزز جذب الاستثمارات الخليجية المباشرة تهيئة شبكة من الطرقات التي دشنت مؤخرا ووجود مناطق صناعية متخصصة، إذ تم ضح 400 مليار دولار بالبنية التحتية في السنوات السبع الماضية، وهي كافية لاستيعاب الكثير من المشروعات الجديدة.

وأطلقت القاهرة في بداية يونيو الجاري ما يسمى بـ”دليل تطوير التشريع الثانوي” باعتباره فرصة لترسيخ قواعد تطوير أدوات تشريعية مبتكرة ومرنة وفعالة وإرساء منهجية سليمة.

وسيساند الدليل الحكومة لاتخاذ الإجراءات التنظيمية اللازمة لجلب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية، بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الراهنة، وجاء في إطار تطوير الشراكة الاستثمارية والصناعية بين مصر والإمارات.

وجود فجوات تمويلية تتعدى 20 مليار دولار بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء

وطالب رئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر السابق هاني توفيق بعدم تخارج الدولة من الأصول بصورة كاملة ولكن يجب أن يتم بصورة تدريجية، وفي شكل زيادات رؤوس أموال وليس بيع أسهم شركات قائمة لا تضيف حصيلتها شيئًا إلى الناتج القومي.

وقال لـ”العرب” إن “بيع الشركات بزيادة رؤوس أموالها يعني الحفاظ على الأصول التاريخية، رغم أن نسبة المساهمة ستنخفض بمقدار زيادة رأس المال”.

لكن توفيق أشار إلى أنها تعني توسعات مما سيضيف إلى الناتج المحلي الإجمالي والتشغيل والتصدير وخفض الاستيراد أحيانا وإعادة هيكلة مالية لسداد القروض.

وتعد الاستثمارات الخليجية من أهم النوافذ لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية في مصر من خلال شراء نسب من الأصول التي تعتزم البلاد بيعها ضمن خطة تمكين القطاع الخاص المحلي والأجنبي بوثيقة “سياسة ملكية الدولة” التي تقضي ببيع كيانات حكومية وأخرى تابعة للجيش.

11