الاستثمار الأخضر يتصدر نقاشات أكبر مؤتمر للطاقة في الشرق الأوسط

اتجهت أنظار قطاع صناعة الطاقة إلى العاصمة الإماراتية التي تحتضن فعاليات معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2024)، حيث يعتبر منصة مهمة لمناقشة التحوّل في استثمارات القطاع مستقبلا كونها الحل المنسجم مع الدعوات المتزايدة للحفاظ على البيئة.
أبوظبي- تتصدر مسألة الاستثمارات الخضراء أجندة النسخة الأربعين من معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2024)، والتي باتت اتجاها ضروريا يقود الحكومات والشركات وقادة صناعة الطاقة إلى المساهمة في مكافحة تغير المناخ.
ويأتي تنظيم المؤتمر بينما تتزايد ضغوط نشاط البيئة من أجل التخلص من الوقود الأحفوري وضخ المزيد من رؤوس الأموال في مجالات صديقة للبيئة، وسط توترات جيوسياسية ومعارك تجارية بين القوى الكبرى.
وتركز الدورة الحالية التي انطلقت الاثنين في إمارة أبوظبي على التكامل بين الذكاء الاصطناعي والطاقة، بما يساهم في خفض الانبعاثات، باعتبار التغيرات الحاصلة على وجه الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إلى المزيد من الجهد والتشاركية لإعادة ضبط إيقاعه.
كما يناقش الحدث عبر جمع القادة والمبتكرين العالميين معا إمكانات التقنيات المتقدمة في التحويل النوعي للاقتصادات والصناعات المختلفة ودورها الفعّال في تسريع تحقيق انتقال منظَّم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة.
ولن يكون ذلك الاتجاه بمعزل عن التباحث في إمكانية تبني وجهات نظر جديدة لبناء المستقبل بمشاركة شخصيات من قطاعات التمويل والتكنولوجيا والشباب.
واعتبرت طيبة الهاشمي، رئيسة المعرض والرئيس التنفيذي لشركة أدنوك البحرية أن قيادات قطاعات الطاقة والتكنولوجيا والمناخ والاستثمار تبدو مهمة لاستكشاف سبل الاستفادة من فرص الترابط الوثيق بين قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة والمناخ.
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى الهاشمي قولها إن النسخة الافتتاحية من معرض “ذكاء اصطناعي لطاقة المستقبل” يسلط الضوء على التأثير الذي “يمكن أن تحدثه التكنولوجيا الحديثة على سلسلة القيمة لقطاع الطاقة”.
وأوضحت في تصريح على هامش نسخة هذا العام تحت شعار “تواصل العقول لتحقيق انتقال واقعي ومنظّم في قطاع الطاقة” أن ذلك “سيساعدنا على تطوير خارطة طريق إستراتيجية تضمن دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مشهد الطاقة العالمي”.
ويُعد أديبك، الذي تستضيفه مجموعة أدنوك، الحدث الأكبر من نوعه لقطاع الطاقة في العالم، حيث يستقطب أكثر من 200 ألف زائر من بينهم كبار المبتكرين والخبراء من كافة أنحاء العالم.
وقال وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان الجابر خلال افتتاح المؤتمر الذي يستمر لخمسة أيام إن “الاقتصاد العالمي في حاجة إلى استثمارات سنوية بقيمة 1.5 تريليون دولار في قطاع الكهرباء”.
وذكر العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لأدنوك أن عدد سكان الأرض سيزداد بمقدار 1.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، معظمهم في دول الجنوب العالمي.
ونتيجة لذلك، ستزداد ضرورة نمو وتحول أسواق الطاقة، وإحداث نقلة نوعية في نظم الطاقة، وفق الجابر، الذي أكد أن قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية ستنمو سبع مرات، وأن الغاز الطبيعي المسال سينمو بمقدار 65 في المئة.
2
تريليون دولار الاستثمار العالمي في الطاقة البديلة خلال 2024 وفق وكالة الطاقة الدولية
وثمة اعتقاد راسخ بين شركات الطاقة أن استخدام النفط سيستمر كمصدر للوقود وكمادة أساسية لصناعة العديد من المنتجات الضرورية والحيوية، والطلب على الكهرباء سيتضاعف بالتزامن مع تزايد المناطق الحضرية في العالم.
وبدأت أدنوك وهي شركة نفطية تسعى إلى المنافسة عالميا إلى جانب أرامكو السعودية في تطبيق تكنولوجيا وكلاء الذكاء الاصطناعي عالي الاستقلالية في صناعة الطاقة لأول مرة.
وهذه التقنية التي ستتم بالشراكة مع جي 42 الإماراتية ومايكروسوفت وأي.آي.كيو قفزة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ يعمل النظام بشكل مستقل ويؤدي المهام نيابة عن المستخدمين.
وتأمل دولة الإمارات، وهي منتجة للنفط وشريك أمني قديم للولايات المتحدة، في نيل فرصة أكبر للوصول إلى التكنولوجيا الأميركية لبناء صناعتها التكنولوجية المتقدمة.
ويقول خبراء في القطاع إن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة التي تشكل حاليا نحو خمس الإنتاج العالمي للطاقة تنمو بشكل أسرع من أيّ مصادر أخرى.
وفي يونيو الماضي، ذكرت أكبر هيئة لأبحاث الطاقة في العالم أن الأموال التي تتدفق على الطاقة الشمسية أكبر من جميع مصادر الكهرباء الأخرى مجتمعة، ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات إلى نصف تريليون دولار هذا العام.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها آنذاك أن يصل الاستثمار العالمي في الطاقة الخضراء خلال هذا العام إلى نحو تريليوني دولار، أي ضعف المبلغ المخصص للوقود الأحفوري.
ومع ذلك ترى شركات نفطية عالمية أن ما يحدث من سياسات على مستوى الإنتاج الناجمة عن تتالي الأزمات منذ وباء كورونا مرورا بالحرب بين روسيا وأوكرانيا وصولا إلى التوتر في منطقة الشرق الأوسط سيؤثر على الأعمال.
وقال كلاوديو ديسكالزي الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية للطاقة إن “تخفيضات إمدادات النفط من أوبك+ وخطط المجموعة في الآونة الأخيرة لتقليصها تزيد التقلبات في أسواق الطاقة وتعيق الاستثمارات في عمليات إنتاج جديدة”.
وفي كلمة خلال المعرض توقع ديسكالزي استمرار التقلبات الكبيرة التي شهدتها أسواق الطاقة في السنوات القليلة الماضية في العام 2025.
واتفق ثمانية أعضاء في أوبك+ التي تضم منظمة أوبك وروسيا وحلفاء آخرين الأحد على تأجيل زيادة لإنتاج النفط كانت مقررة في ديسمبر القادم لمدة شهر واحد بسبب ضعف الطلب في الصين وزيادة المعروض.
وقال ديسكالزي “بمجرد أن تقول (أوبك) إننا سنطلق العنان بعض الشيء للإنتاج، ينخفض السعر على الفور. والآن يقولون سنؤجل حتى نهاية العام، وقد أحدث ذلك تأثيرا كبيرا على السوق… الوضع المتقلب ليس جيدا”.
وأضاف “الجميع يقولون إننا في حاجة إلى الطاقة، ولكن الوضع متقلب، وهذا التقلب لا يساعد حقا الاستثمار” في عمليات إنتاج جديدة للنفط والغاز.
وأثار تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران منذ أكتوبر الماضي مخاوف إزاء اضطراب الإمدادات في منطقة الخليج، التي تنتج وتصدر نحو 20 في المئة من النفط والغاز في العالم، مما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع.
وأكد موراي أوتشينكلوس الرئيس التنفيذي لشركة بي.بي البريطانية ووائل صوان الرئيس التنفيذي لشركة شل خلال المؤتمر إن الصراع في الشرق الأوسط هو الخطر الأكبر الذي يواجه أسواق الطاقة.
وفي ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأميركية، قال أوتشينكلوس إن “التحدي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة هو إصلاح تنظيمي يسمح بإصدار تصاريح للاستثمارات الجديدة في الطاقة، خاصة الطاقة المتجددة والمشاريع منخفضة الكربون”.
وشدد على أن العالم سيحتاج إلى الكثير من الاستثمارات الجديدة في قطاع النفط والغاز للحفاظ على الإمدادات، بغض النظر عن احتمالية استقرار الطلب في السنوات القادمة.