الاستثمار الأجنبي في تونس ينهض ببطء رغم المطبات

تزايدت المؤشرات على بروز نمو تدريجي في تدفق رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة إلى تونس بعد تراجعها بسبب منغصات الوباء، رغم أن مناخ الأعمال لا يزال يحتاج إلى عناية أكبر حتى مع إعلان الحكومة عن إستراتيجية طموحة للارتقاء به أكثر بحلول 2026.
تونس - تلقّى مناخ الأعمال التونسي المحاصر بالمشاكل دفعة نادرة مع تسجيل قفزة في تدفق رؤوس الأموال الخارجية المباشرة في 2022، مدفوعة بجهود حكومية للحد من العقبات أمام المستثمرين من بينها تقليص التراخيص والحد من الإجراءات البيروقراطية.
وكانت وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي قد أطلقت في فبراير الماضي حملة “استثمر في تونس” للترويج لموقع البلد كوجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، ودعما للسياسات العامة في دفع عجلة المشاريع التنموية ومكافحة البطالة.
وتؤكد أحدث المؤشرات أن قطاع الاستثمار المحلي يحاول النهوض تدريجيا، ولكنّ مسار التعافي يبدو بطيئا. ومع ذلك، يعتقد بعض المتابعين أنه أفضل من لا شيء، وذلك بالنظر إلى حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد بشكل عام.
وأظهرت بيانات الوكالة الحكومية في بيان نشرته على منصتها الإلكترونية أن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المحلية نما بمقدار 18.4 في المئة بنهاية العام الماضي على أساس سنوي ليبلغ 2.2 مليار دولار (أكثر من 694 مليون دولار).
وشهدت الاستثمارات نموا متفاوتا، فبينما زادت في قطاعات الصناعات التحويلية والخدمات والزراعة، لكنه يُلاحظ أنها انحسرت في مجال الطاقة.
واستأثرت الصناعات التحويلية والمعملية بأعلى قيمة من تلك الاستثمارات، حيث جذبت ما قدره 406.2 مليون دولار، مقابل نحو 297.7 مليون دولار قبل عام، أي بزيادة بواقع 36.5 في المئة.
أما قطاع الخدمات، حيث تعتبر تونس أحد محركات نمو الناتج المحلي الإجمالي، فقد جذب رؤوس أموال أجنبية بقيمة 129.2 مليون دولار، مقارنة مع نحو 107.8 مليون دولار في العام السابق.
وكان قطاع الزراعة، الذي يعاني من مشاكل متداخلة بسبب الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج جراء الحرب في أوكرانيا، أقل جاذبية بتسجيله تدفق استثمارات مباشرة بأكثر من ثلاثة ملايين دولار قياسا بحوالي 2.1 مليون دولار قبل عام.
في المقابل، تراجعت الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة في العام الماضي بنسبة 9.3 في المئة، حيث بلغ حجمها نحو 153.3 مليون دولار، مقابل حوالي 167 مليون دولار في عام 2021.
واللافت أن تقرير الوكالة لم يرصد أيّ مؤشرات حول تدفق الاستثمار الأجنبي إلى قطاع السياحة، الذي يعتبر أحد قاطرات الاقتصاد التونسي بمساهمة سنوية تقدر بنحو عشرة في المئة.
وتبدو الأرقام الرسمية، التي توضّح حجم الاستثمار الأجنبي ضئيلة قياسا بالسنوات الثلاث التي سبقت تفشي الوباء العالمي، كما أنها تعتبر قليلة إذا ما تم النظر إلى أسواق المنطقة مثل المغرب ومصر.
ويعاني البلد البالغ حجم ناتجه المحلي الإجمالي السنوي نحو 40 مليار دولار من أزمة مالية واقتصادية بسبب استمرار تداعيات الأزمة الصحية ثم عمّقتها آثار الحرب في شرق أوروبا، وسط محاولات من السلطات لتعديل الأوضاع مع اقتراب حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي.
وتسعى تونس، التي تكافح من أجل معالجة أوضاع المالية العامة المتضررة بشدة، للحصول على قرض من الصندوق بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات غير شعبية تشمل خفض الإنفاق وخفض دعم الطاقة والغذاء.
ولا تزال تحديات جذب الاستثمار الأجنبي المباشر على النحو الأمثل رهانا صعبا للسلطات رغم إقرارها في عام 2016 قانونا جديدا للاستثمار، والذي يجمع اقتصاديون على أنه لم يضف نتائج واضحة حتى الآن وأن بيئة الأعمال ظلّت طاردة لرؤوس الأموال.
وتشكل القوانين الخاصة بالاستثمارات وتجذر البيروقراطية أحد أهم العراقيل، التي تجعل المستثمرين ينفرون من السوق، وهو ما يقلص فرص نجاح عملية التسويق لبيئة الأعمال بالبلاد كونها ستكون أكثر من مجرد دعاية نظرا لوجود تجارب سابقة لم تنجح.
والأمر الأكثر أهمية هو عدم وجود الضمانات الكافية التي يمكن أن توفرها الدولة حتى تقنع المستثمرين بالقدوم ولاسيما حمايتهم من تغول الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية بالبلاد، والذي يلقى الكثيرون عليه باللوم في هروب رؤوس الأموال.
وفي وقت سابق هذا الشهر، أعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط عن إستراتيجية جديدة تمتد لثلاث سنوات تنتهي في عام 2025 لتحسين مناخ الأعمال.
وتقول الحكومة إن الإستراتيجية تهدف إلى الترويج للوجهة التونسية في الأسواق الدولية وإرساء تصور مشترك بين القطاعين العام والخاص لمناخ أعمال مُحفّز يرتكز على قاعدة شاملة قادرة على توفير فرص العمل والقيمة المضافة والاستدامة.
وتتضمن الإستراتيجية 229 إجراء قصير المدى، و34 محورا و94 هدفا تمت صياغتها في ورقات توجيهية تمثل قاعدة بيانات تضم مختلف الأفكار المجمعة من مختلف الأطراف.
◙ 18.4 في المئة نسبة نمو رؤوس الأموال الخارجية في 2022 بمقارنة سنوية لتبلغ 694 مليون دولار
وأشارت وزارة الاقتصاد إلى أنها تشمل كذلك خارطة طريق لتعزيز جاذبية الوجهة التونسية وتطوير تصنيفها في مختلف تقارير التنافسية الاقتصادية العالمية بالإضافة إلى وضع إطار لقيادة الخطة ومتابعتها.
وتتعلق الإصلاحات بمجالات قانون الصرف والصفقات العمومية والإجراءات المالية والأداءات والحوافز الجبائية وإنشاء المؤسسات والتشغيل والتجارة الخارجية.
وتضمنت الإستراتيجية أيضا تشخيصا للتحديات التي تواجه الشركات في القطاعين العام والخاص مع تقديم مقترحات للقيام بإصلاحات هيكلية تساعد على تجاوز العقبات وذلك بالاستناد إلى مختلف الإستراتيجيات المحلية والقطاعية، بالإضافة إلى التجارب المقارنة.
وأكد وزير الاقتصاد سمير سعيّد خلال اجتماع مع مدير المنطقة المغاربية ومالطا بالبنك الدولي الأربعاء الماضي أن "المرحلة القادمة ستكون مرحلة تنفيذ هذه الإصلاحات تدريجيا".
وقال في بيان نشرته الوزارة على حسابها في فيسبوك إن “البرنامج الحكومي لإصلاح مناخ الأعمال تم تصميمه في إطار تشاركي بين القطاعين العام والخاص".
وتقهقرت تونس في مؤشر سهولة الأعمال في آخر تقرير للبنك الدولي الصادر في عام 2020 حينما حلت في المركز 78 بعدما كانت تحتل المركز 46 عالميا عندما تمت الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.