الاستثمارات في مصر والعمل في السعودية: خطة لاستقطاب الكفاءات في التكنولوجيا

كلفة العمالة المصرية في قطاع التكنولوجيا عامل إغراء مهم لشركات الخليج، بالمقارنة مع الكلفة في بلدان أخرى.
الجمعة 2023/10/13
الاستفادة من الكفاءات المصرية

القاهرة – أمعنت شركات سعودية في الاستحواذ على أخرى متخصصة في التكنولوجيا المتنوعة بمصر مؤخّرًا، وصاحب ذلك توسع كبير لهذه المؤسسات في القاهرة عبر ضخ استثمارات جديدة تسمح لها بتحديد الخطة المستقبلية مع اشتراط التوسع في المملكة وأسواق خارجية عقب إتمام عمليات الاستحواذ.

ويكمن سر التسابق بين الشركات السعودية والخليجية بشكل عام للاستحواذ على كيانات التكنولوجيا المصرية، خاصة الناشئة منها، في السعي للاستحواذ على المؤسسات المحلية لتشغيلها بطاقة أقل في مصر بينما تعمل بطاقة أكثر كثافة في أسواق ودول أخرى.

وكشفت شركة مزيد للتكنولوجيا المالية عن دراسة تحالف سعودي – مصري للاستحواذ على حصة تتراوح بين 40 و49 في المئة، ومن المتوقع إتمام الصفقة مع حلول نهاية العام على أن توجه عائداتها إلى تمويل توسع الشركة في دول أخرى.

وضخت مجموعة “في إم إس” السعودية المزيد من الاستثمارات في ثلاث شركات مصرية، هي منصة التعلم الإلكتروني وملخصات الكتب (أخضر) وشركة البرمجيات “أوفر” وشركة “أو بي إم” الناشئة لتكنولوجيا التعليم، إلى جانب الاستحواذ على حصة بشركة “كاش كاوز” في القاهرة.

وليد جاد: الشركات الخليجية تعتبر مصر مركزا لإنتاج البرمجيات
وليد جاد: الشركات الخليجية تعتبر مصر مركزا لإنتاج البرمجيات

وتلقت شركة “إنتلا” المصرية للتكنولوجيا تمويلاً بقيمة 3.4 مليون دولار في جولة تمويل ما قبل الفئة (أ) بقيادة شركتي الاستثمار المغامر السعوديتين “هلا فينتشرز” و”واعد فينتشرز”، صندوق الاستثمار المغامر التابع لشركة أرامكو.

ومن المقرر استخدام هذا التمويل في دعم توسع “إنتلا” في السعودية وتعزيز مجموعة منتجاتها وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي متكاملة بعد أن قررت الشركة الناشئة نقل مقرها الرئيسي من القاهرة إلى الرياض.

وقال وليد جاد، رئيس غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السابق، إن الشركات الخليجية تتعامل بنموذج مختلف مع شركات التكنولوجيا المصرية التي يتم الاستحواذ عليها، حيث تستخدم الأخيرة كمراكز أو مصانع لإنتاج البرمجيات أو تقديم الدعم الفني من القاهرة إلى بلدان الشركات الخليجية بعقول مصرية.

وتمثل كلفة العمالة المصرية في قطاع التكنولوجيا أيضًا عامل إغراء مهمًّا لشركات الخليج، بالمقارنة مع الكلفة في الخليج أو في البلدان الأخرى، فضلاً عن بقية مصروفات البنية التحتية، مع انخفاض سعر الجنيه المصري، ما يجعل العوامل السابقة هي الأرخص بالنسبة إلى الشركات الأجنبية.

وأضاف جاد في تصريح لـ”العرب” أن الفترة المقبلة سوف تشهد صفقات جديدة بالقطاع مع حاجة الشركات إلى التمويل، لذلك لا يكلفها الاستحواذ شيئا بل يعزز نموها في الأسواق الخارجية، حيث تستغل الكيانات المستحوذة الكوادر من أجل تقديم الخدمات والاستشارات لمختلف زبائنها خارج مصر.

وتواجه شركات التكنولوجيا المالية العاملة في مصر أزمات إثر نضوب التمويل وتزايد المنافسة على قطعة من كعكة القطاع، لكن نقص التمويل لا يعني الافتقار إلى الابتكار، فلا تزال هناك الكثير من المجالات الجاهزة للنمو في هذا القطاع، وينبغي عليها الاعتماد على السوقين الخارجية والمحلية والفرص المتاحة، واتباع طريق النمو المستدام.

وأكد خبراء أن ثمة استياء بين شركات التكنولوجيا بشأن القيود الأخيرة المفروضة على استخدام العملات الأجنبية، إذ طالبت غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بضرورة عقد اجتماع عاجل مع محافظ البنك المركزي المصري لبحث الآثار السلبية المترتبة على قرار وقف التعامل من خارج البلاد بالعملة الأجنبية لبطاقات الخصم المباشر على شركات تكنولوجيا المعلومات.

يأتي هذا عقب إعلان عدد من البنوك الحكومية والخاصة إيقاف استخدام بطاقات الخصم المباشر بالجنيه في الخارج، بناء على تعليمات من البنك المركزي، في محاولة للحد من هروب العملة الأجنبية إلى الخارج أو إلى السوق الموازية.

الاستفادة من الكفاءات المصرية في هذا المجال

وقال خبراء إن القرار يقوض نمو القطاع في السوق المحلية، مع أنه من المجالات الواعدة والجاذبة للتدفقات الدولارية من الخارج، واستمرار القيود يهدد الصفقات المرتقب حدوثها على شركات مصرية في الفترة المقبلة، ويدفع بعض الشركات إلى الخروج من السوق المصرية نحو أسواق مجاورة.

وأوضح محمد سعيد، رئيس شعبة البرمجيات في جمعية اتصال لتكنولوجيا المعلومات بالقاهرة، أن المنافسة الخليجية على شركات التكنولوجيا احتدمت في مصر، وعلى الرغم من إيجابية ذلك – باعتبار أنه يوفّر العملة الصعبة- فإنه يضر بالشركات المحلية.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الضرر يتمثل في عدم قدرة المؤسسات المحلية على منافسة نظيرتها الخليجية في جذب العمالة، فالأخيرة تمنح رواتب بالعملة الصعبة يصعب للكيانات المحلية الدخول في منافسة لمعادلة قيمتها بالجنيه المصري مع هبوط سعره.

ومن المعروف أن الأسواق العربية ودولا أفريقية تقدم تسهيلات وحزما من الحوافز المتكاملة لجذب الاستثمارات في هذا المجال بهدف تقوية صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دولها ونقل مركز الثقل إلى هذه الصناعة خارج مصر.

محمد سعيد: المؤسسات المصرية لا تقدر على جذب العمالة
محمد سعيد: المؤسسات المصرية لا تقدر على جذب العمالة

ويترتب على تخارج الشركات من السوق المصرية، حال حدث ذلك بسبب أزمة العملة الأجنبية، انتقال مراكز الشركات من مصر إلى دول أخرى بطريقة مباشرة تدهور ترتيب مصر في المؤشرات الدولية المتعلقة بالأعمال أو تكنولوجيا المعلومات.

ويمثل العنصر البشري المحترف العامل الأهم في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكن الأزمات المتلاحقة في مصر واستحواذ مستثمرين خليجيين على شركات محلية يتسببان في نضوب الكفاءات من مصر.

وطالب خبراء بوجود قوانين حاكمة لعمل شركات التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية في مصر من ناحية الكفاءات، وهو أمر صعب لأنها تعمل في سوق حرة، كما يصعب التحكم فيها ماليًا ومعرفة تدفقاتها لاحتساب الضرائب فتعاملاتها تتم عبر “الأون لاين” في الخارج.

وعلى السلطات محاولة فرض رسوم على شركات التكنولوجيا التي تتخذ من مصر مقرًا لها، لكنها تعمل من خارجها، دون نظيرتها المتواجدة في مصر وتمارس أنشطتها داخل السوق المحلية، على غرار رسوم الإغراق التي تفرضها الدولة على شركات الحديد التي تستورد الحديد من الخارج، وذلك لحماية الصناعة المحلية.

ويوجد حل وحيد أمام الشركات المصرية، هو أن تستقطب الخريجين وطلاب الجامعات المتفوقين لتدريبهم وتأهيلهم لسوق العمل وتوفير وظائف مغرية في الأماكن التي تعلموا فيها، لكن قد ينتقل هؤلاء إلى شركات أجنبية عاملة في مصر أو يهاجرون إلى الخارج.

وأصبح دور شركات التكنولوجيا المصرية حلقة وصل بين الكوادر المدربة والكيانات الأجنبية، ويكمن الحل في أن تعزز الشركات المحلية تواجدها خارج مصر، ما يتطلب تسويقًا أكبر يمكن أن يتحقق بالتعاقد مع شركات عالمية لتنسيق ذلك.

1