الاستثمارات المصرية تفتح آفاق تعاون أوسع مع العراق

يراقب الخبراء مسار نمو الاستثمارات المصرية في العراق خلال هذا العام على نحو متصاعد، ولاسيما في قطاعات الإعمار والطاقة والدواء، وسط مستهدفات لطفرة غير مسبوقة، مما يفتح آفاقا أوسع للتعاون المشترك في هذا القطاع، الأمر الذي سيحقق منافع ومكاسب متبادلة في المستقبل.
القاهرة - تتقدم مصر خطوات للأمام في الحصول على حصة كبيرة من مخصصات مالية بالعراق حددت بنحو 100 مليار دولار على مدى 3 أعوام لمشاريع استثمارية متنوعة تشمل البنية التحتية والصناعة والتجارة.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد تطرق إلى هذا الأمر أثناء حضوره المنتدى الاقتصادي العراقي في نوفمبر الماضي، بهدف إعادة إعمار البلاد بعد تدمير واسع جراء سنوات من الحرب ضد تنظيم داعش.
وقال عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع علي الإدريسي، إن “العلاقات بين مصر والعراق تاريخية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ورأينا ملايين من المصريين شاركوا في تنمية العراق والكثير من مدنها (لاسيما في فترة الثمانينات).”
وأوضح الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي لوكالة الأناضول أن العراق بدأ بخطة طموحة للإعمار، وهناك العديد من الشركات المصرية تبدي رغبتها في الإسهام في البنية التحتية والطرق والمواصلات وغيرها. وأكد أن الطاقة والكهرباء واحد من الملفات المهمة جدا الذي جعل أكثر من 20 شركة مصرية تبدي استعدادها في هذا الأمر.
وأشار إلى أن قطاعات الأدوية أيضا محل اهتمام الشركات المصرية، حيث يستورد العراق أكثر من 90 في المئة من احتياجاته، ولديه رغبة حقيقية في التعاون مع القاهرة بهذا الملف وكذلك بالخدمات الصحية.
وفي يناير الماضي، أفاد تقرير صادر عن وزارة التخطيط المصرية بأن الاستثمارات العراقية في مصر، بلغت نحو 542 مليون دولار حتى أبريل 2023، في 3653 شركة استثمارية عاملة برأس مال مُصدّر بلغ نحو 750 مليون دولار.
أما الاستثمارات المصرية في العراق فتبلغ نحو 211 مليون دولار، طبقا لإحصاءات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حتى نهاية أبريل 2023. وقال سفير العراق لدى القاهرة قحطان طه خلف إن “هناك تطابق وتفاهم على مستوى القيادات والحكومات في كثير من المجالات.”
وتابع “من هذا المنطلق نرى مستثمرين وشركات مصرية كبيرة وعملاقة ورائدة في الإعمار وبناء المدن والبنى التحتية، اندمجوا في مشاريع عراقية كبيرة في بغداد وسائر المدن.”
وأكد أن هناك حرصا عراقيا على أن تذهب المشاريع المصرية إلى أبعد من القطاع العقاري والبنية التحتية فقط، كما أن ثمة مناقشات لدفع التعاون والتكامل في كافة القطاعات، مبديا تفاؤله أن “المستقبل سيكون أقوى بكثير مما هو عليه الآن في مجالات عديدة.”
وعن حجم الاستثمارات المصرية بالعراق لعام 2025، أوضح خلف، أنها بحدود 450 مليون دولار و”في المستقبل القريب هناك طفرات كبيرة بحجم الاستثمارات وأتوقع تجاوزها عدة مليارات من الدولارات.”
ولفت إلى وجود مشاريع “مليارية” مصرية بالعراق، قائلا “هناك مدن بمستوى مدينة الورد، لإنشاء 130 ألف وحدة سكنية، ومدن أخرى في المراحل النهائية للتفاوض، إضافة لكثير من المشاريع بالقطاع الصحي والمستشفيات وقطاع الطاقة.”
450
مليون دولار حجم رؤوس الأموال المصرية في السوق العراقية خلال 2025، وفق التقديرات
وتلعب مصر بالفعل دورا كبيرا في إعمار البلد العضو في أوبك، وهناك شركات كثيرة مصرية موجودة بمشاريع الطرق والجسور والبنى التحتية وبنى المدن وقطاع الكهرباء وسكك الحديد. وقال خلف “ثمة جهود ناجحة وتنفيذ متميز من ناحية الجودة والوقت.”
ومطلع مايو، أطلق وزير الإعمار والإسكان العراقي بنكين ريكاني، الأعمال التنفيذية لمشروع مدينة الورد بالعاصمة بغداد، لافتا إلى أن “العراق لم يشهد منذ أكثر من 45 عامًا، تنفيذ مشاريع كبيرة،” بحسب وكالة الأنباء العراقية الرسمية.
ويقدر إجمالي استثمارات المشروع الذي تنفذه شركة مصرية كبيرة بنحو 7 مليارات دولار، ويضم بناء 200 ألف وحدة سكنية على مدار 8 أعوام. وأواخر أبريل الماضي، أعلنت إحدى أكبر الشركات المصرية للإنشاءات والتطوير العقاري، أنها في مفاوضات “متقدمة” مع الحكومة العراقية، لإنشاء مجتمع عمراني جديد بمبيعات متوقعة تبلغ 17 مليار دولار.
وأوضحت أنها ستحصل على الأرض فور الانتهاء من المفاوضات بحلول نهاية عام 2025. وحينها، أكد نائب رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار العراق سالار محمد أمين، في تصريحات صحفية، أن بلاده تخوض مفاوضات متقدمة مع شركة مصرية لإنشاء مدينة إدارية في جنوب بغداد على مساحة 35 مليون متر مربع، بكلفة تتجاوز 10 مليارات دولار.
وكشف أمين، أن هناك شركة مصرية أخرى للإنشاءات تعتزم ضخ استثمارات بقيمة مليار دولار لإنشاء محطتين كهربائيتين واحدة للطاقة شمسية والأخرى للرياح. وقال إن “حجم الاستثمارات المصرية في العراق بهذا القطاع تصل نحو 3 مليارات دولار حاليًا،” متوقعا ارتفاعها إلى 10 مليارات دولار خلال خمس سنوات.
وكان السوداني قد أكد في يناير الماضي خلال مؤتمر صحفي في بغداد مع نظيره المصري مصطفى مدبولي، مساهمة عدد كبير من الشركات المصرية في تنفيذ الكثير من مشاريع البنى التحتية والنقل البري وتكنولوجيا الاتصالات وتخزين الحبوب وإدارة الصوامع. ولفت يومها إلى أن قيمة التعاقدات المالية مع الشركات المصرية العاملة في تنفيذ المشاريع بالعراق وصلت إلى أكثر من 458 مليون دولار.
وجاءت زيارة مدبولي، التي شهدت توقيع 12 مذكرة تفاهم في مجالات مختلفة بعد زيارة وزير الصناعة والنقل المصري كامل الوزير إلى بغداد في سبتمبر 2024، برفقة وفد ضم رؤساء 13 شركة متخصصة في البنية التحتية والطرق وسكك الحديد والموانئ والإسكان.
وبحثت زيارة الوزير، وهو نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية “المشاركة في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والطرق والجسور والمدن السكنية ومحطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء وغيرها،” حسب بيان لوزارة النقل المصرية.
وكشفت تقارير صحيفة عراقية حديثة، أن وزارة الصحة تجري مباحثات مع شركات مقاولات مصرية، للمشاركة في تنفيذ وإعادة تأهيل 12 مستشفى بالبلاد، بكلفة 480 مليون دولار، إضافة إلى مساع مصرية لاقتناص مشاريع سكك حديد. وزاد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 36.9 في المئة خلال أول 10 أشهر من عام 2024، لتسجل نحو 944 مليون دولار.
وتحمل تلك الأرقام الأولية والمشاريع المستهدفة توقعات بأن السوق العراقية ستحجز حصة كبيرة للشركات المصرية في مجالات تعاون عديدة لاسيما الإعمار، ما يجعل التقديرات تذهب لمشاريع ضخمة تواصل تتويج علاقات البلدين بالفترة المقبلة.