الارتباط العاطفي والوجداني للجدات بالأحفاد يفوق ارتباطهن بأبنائهن البالغين

تدعم الدراسات العلمية الاعتقاد السائد لدى العامة بأن العواطف التي يحملها الأجداد للأحفاد تفوق تلك التي يحملونها لأبنائهم، كما تشير الدراسات إلى أن الجدة من الأم لديها سحر خاص تبثه في قلوب الأطفال الذين تقضي وقتا في رعايتهم. ويذهب العلماء إلى أبعد من ذلك معتبرين أن الجدات يورثن أحفادهن بعض خصالهن التي لا يورثنها لأبنائهن.
جورجيا (الولايات المتحدة) ـ أثبتت نتائج الدراسات العلمية أن الجدات يرتبطن عاطفيا ووجدانيا بأحفادهن أكثر من الارتباط بأولادهن البالغين أنفسهم، وهو ما يؤكد الاعتقاد السائد لدى عامة الناس بأن الأحفاد يحتلون مكانة هامة في حياة جداتهم قد تفوق أحيانا مكانة أبنائهن.
وإذا كانت الجدة قد شاركت في تربية حفيدها عندما كان صغيرا، فلا شك أن ذكريات طفولته تفيض بمشاعر البهجة والأمان. ومع أن البعض قد يظن أن لا فرق البتة بين تأثير الجدات من جهة الأم والجدات من جهة الأب على أحفادهن، إلا أن عددا من العلماء أوردوا أن هنالك سحرا خاصا تبثه الجدة من الأم في قلوب الأطفال الذين تقضي وقتا في رعايتهم، وهو أهم بكثير مما تغمرهم به من حب وحنان.
وأشارت دراسة نشرت في “بروسيدينغس أوف ذا رويال سوسياتي” في نوفمبر 2021 إلى أن الجدات يشعرن بارتباط وجداني أكبر بأحفادهن أكثر مما يشعرن به مع أطفالهن.
وقال البروفيسور جيمس ريلينج عالم الأنثروبولوجيا بجامعة إيموري في أتلانتا إن وجود الجدة يمكن أن يؤثر بشكل إيجابي على حياة الحفيد.
ولفهم الأسس البيولوجية لهذا الارتباط بشكل أفضل، راقب ريلينج وزملاؤه 50 امرأة مع حفيد بيولوجي واحد على الأقل لكل منهن تتراوح أعمارهم بين 3 و12 عاما، واستخدموا التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لفحص عقول هؤلاء الجدات وهن ينظرن إلى صور ذلك الطفل ووالدي الطفل وصور طفل وآخرين من غير الأقارب.
وركزت الدراسة على مناطق من الدماغ تشارك في التعاطف الوجداني، وكذلك مناطق الدماغ التي تشارك في الحركة والمحاكاة الحركية.
عدد من العلماء أوردوا أن هنالك سحرا خاصا تبثه الجدة من الأم في قلوب الأطفال الذين تقضي وقتا في رعايتهم
وقال ريلينج “عندما شاهدت الجدات صورا لأحفادهن فقد قمن بتنشيط مناطق الدماغ المرتبطة بالتعاطف الوجداني بشكل خاص، مما يشير إلى أن الجدات قد يكون لديهن استعداد لمشاركة الحالة العاطفية لأحفادهن”.
ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أن العلاقة التي تربط الأجداد بالأحفاد هي علاقة محبة تفوق التوقع، إذ يشكل الجدّان صورة أساسية لمرحلة الطفولة ودعامة للأسرة. فهما ينقلان للأحفاد الأمان العاطفي ويمنحانهم الشعور بالحماية وكأنهما سور يمكنهم الاتكاء عليه، رغم أن بعض العلاقات لا تخلو من التشنجات والصدامات بين الجد والحفيد خصوصا في ما يعرف بصراع الأجيال واختلاف الأفكار والطباع.
وتشير الاستشارية الأسرية كاترينا شاهين إلى أن ما يجذب الطفل للجدين هو تدليلهما له، كما أن عاطفة الأجداد تمنع الوالدين من معاقبة أبنائهم، وهذا أكثر ما يحبه الأطفال، مؤكدة أنه لا يوجد أجداد هدفهم إفساد المنظومة التربوية للأب والأم، وإنما تنشأ تصرفاتهم من دافع الحب، فهم يكسرون قواعد الأب والأم بإغداق المشاعر، فيفسدون الأحفاد بالدلال الزائد.
ويرفض الطفل نصيحة والديه أحيانا عندما تحمل توبيخا أو تهديدا، ويقبلها من أجداده لأن أسلوبهم يظهر بمودة وحب أكثر، لذلك على الأهل أن يمنحوا أطفالهم الأمان والحنان.
وتؤكد شاهين أن الأب والأم يعيشان الأبوة والأمومة مع أطفالهما بحلوها ومُرها، لكن الجدَّين يعيشان مع الأحفاد الأبوَّة والأمومة المتأخرة في حلوها فقط، أما الجانب المرّ فيتركانه للأب والأم، لذا يرى الأجداد في الأحفاد امتدادا طبيعيا لسلالتهم ومصدر سعادة وفخر في حياتهم.
وحسب الأبحاث العلمية، يساهم الأجداد في المتوسط بنسبة 25 في المئة تزيد أو تنقص حسب عملية التبادل من الحمض النووي الخاص بهم في تكوين أحفادهم. ووفقا للعلماء، فإن الجدات من جهة الأم هن من يملكن أعلى درجة من التأثير على النسل. وترتبط الجدات من جهة الأم بشكل أوثق بأحفادهن، حيث ينقلن ما تبقى من الحنان الذي منحنه لبناتهن سابقا إلى الصغار الجدد. ومن المعتاد أن تتحمل الجدة نسبة كبيرة من مسؤولية رعاية الأطفال وقضاء المزيد من الوقت معهم، في العديد من العائلات، لكن هذا التأثير النفسي ليس وحده ما يجعل دور الجدة مهمّا للغاية، فبعض النظريات تشير بجدية إلى أنه من الناحية الوراثية تسهم كل من الجدات الأموية والجدات الأبوية بشكل غير متكافئ في تكوين أحفادهن.

وتشير نظرية علمية إلى أن الاختلاف في الطريقة التي ترتبط بها الجدات من جهة الأب والجدات من جهة الأم مع أحفادهن، يمكن تفسيره من خلال تحليل تأثير كروموسوم (اكس) الوراثي، فالجدة الأموية تورث ما نسبته 25 في المئة من جيناتها (اكس) لأحفادها الإناث والذكور على حد السواء. بينما تنقل الجدة الأبوية أحد كروموسومات (اكس) الخاصة بها إلى حفيداتها الإناث ولكن ليس إلى أحفادها الذكور. وهذا يجعل الجدات من جهة الأب مرتبطات بنسبة 50 في المئة مع حفيداتهن مقابل 0 في المئة مع أحفادهن.
وتشير هذه النظرية التي طورها الكاتب الروائي والمسرحي التشيلي أليخاندرو جودوروفسكي إلى أنه من بين جميع الأجداد الأربعة (الجدان والجدتان من جهتي الأم والأب) فإننا ننشأ على اتصال وثيق بجداتنا من جهة الأم. ويضيف موضحا أن جيناتنا قد تتخطى أحد الأجيال وتنتقل إلينا من أجدادنا مباشرة، وهو ما يمكن إثباته من خلال حقيقة أن بعض الأشخاص يشبهون أجدادهم أكثر من أمهاتهم وآبائهم.
ويرى جودوروفسكي أنه بغض النظر عن المورثات البيولوجية، فإن الأمهات ينقلن عواطفهن الثرية إلى بناتهن اللائي يعملن بدورهن على غرسها لاحقا في أطفالهن.
ويكتسب الأجداد دورا عاطفيا جديدا من خلال تواجدهم مع جيل ثالث يختلف عن جيل الأبناء، ويحاولون تفادي الأخطاء التي وقعوا فيها أثناء تربيتهم لأبنائهم مستعينين بالخبرة التراكمية التي اكتسبوها.
ويعد دور الأجداد في حياة الأحفاد مهمّا حيث يرتكز على التوجيهات البناءة والمعارف التي استقوها في حياتهم، ما يسمح لهم بتقديم النصائح المفيدة لأحفادهم.
وتعتبر علاقة الأجداد بالأحفاد مختلفة عن علاقة الآباء بالأبناء، إذ أنَّ نوع السلطة التي تربط الأجداد بأحفادهم استشارية عاطفية وغير مباشرة، والسبب يعود للوقت الذي يمضيه الأحفاد مع الأجداد خلال فترات موسمية ومتقطعة.
ويكون صراع الأجيال بارزا بين الآباء والأبناء بشكل أكبر، ويخف بين الأجداد والأحفاد بحكم فارق السن حيث يدرك الأجداد أنه من الطبيعي أن يكون هناك تباعد في القرارات والأفكار والأذواق.