الاختلال المالي يدفع تركيا نحو مغامرة تقليص الإعفاءات الضريبية

تستعد تركيا للدخول في مغامرة جديدة لمعالجة الاختلالات المالية من بوابة تقليص الإعفاءات الضريبية والتي تأتي في سياق خطتها الإصلاحية المثيرة للجدل، رغم أنها ستكون محل شك كونها قد تزيد من تعقيد نشاط قطاع الأعمال المحاصر أصلا بالتكاليف الباهظة.
إسطنبول - كشفت الحكومة التركية الاثنين أنها تنوي إدخال تعديلات على النظام الضريبي بما يتيح لها ردم الفجوة في عجز الميزانية والذي اتسع ليصل إلى مستوى تاريخي بينما يكافح المسؤولون لتحريك عجلات الاقتصاد بالسيطرة على التضخم.
ويقوم وزير المالية محمد شيمشك بحملة للدفاع عن مشروع قانون جديد من شأنه أن يؤدي إلى فرض ضرائب إضافية على الشركات، والتي يرى أنها ضرورية للحفاظ على المالية العامة للبلاد في حالة جيدة بعد المشاكل التي تعرضت لها الميزانية.
وتأتي الخطوة بعد أيام قليلة على اجتياز البلد اختبار مكافحة غسيل الأموال الذي استثمر لثلاث سنوات بعدما قررت مجموعة العمل المالية (فاتف) شطبها من قائمتها الرمادية، وهي خطوة يتوقع أن تعزز جهوده لجذب الاستثمار الأجنبي، وسط تباين في الآراء حولها.
وقال شيمشك إن “هناك مسعى من الحكومة لتطوير النظام الضريبي سيستهدف تعزيز الإيرادات عبر مواجهة التجنب وإلغاء الحوافز التي فقدت جدواها بدلا من زيادة الأعباء الإجمالية”.
ومع ذلك، أكد أن مسودة المقترحات المبدئية الجارية مناقشتها في الحكومة تتطلع إلى فرض ضريبة بحد أدنى 15 في المئة على الشركات متعددة الجنسيات، مؤكدا ما ورد في تقرير لوكالة الأناضول المملوكة للدولة الشهر الماضي.
ولم يذكر وزير المالية، الذي قاد على مدى عام برنامجا للتشديد النقدي في مواجهة التضخم المرتفع، لإذاعة بلومبيرغ أتش.تي المحلية المزيد من التفاصيل حول المقترح، لكنه شدد على خطة السياسة الضريبية قيد المناقشة قبل عرضها على البرلمان للمصادقة عليها.
وسبق أن أكد المسؤولون الأتراك أن البرنامج الاقتصادي يتضمن إعادة تأسيس الانضباط المالي، أي تخفيض عجز الميزانية إلى مستوى يتوافق مع معايير ماستريخت الأوروبية، باستثناء تأثير كارثة الزلزال.
وتمضي الحكومة نحو تشديد السياسة المالية عبر تدابير اتخذتها في الآونة الأخيرة تشمل تخفيضات في الإنفاق، بالإضافة إلى مجموعة واسعة من الخطط الجديدة.
وسيعكف المشرعون على مناقشة المقترحات التي تهدف إلى تحقيق إيرادات إضافية بنحو 7 مليارات دولار التي من المرجح التصديق عليها نظرا لسيطرة حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان وحلفاؤه على الأغلبية البرلمانية.
ويتضمن إصلاح النظام الضريبي أيضا زيادة ضريبة الشركات على الشراكات بين القطاعين العام والخاص إلى 30 في المئة من 25 في المئة حاليا.
وتبدو الحكومة في مسار مفتوح لإدخال تحديثات يعتقد متابعون للشأن الاقتصادي التركي أنها صعبة، كما أنها قد تواجه تحديات خاصة وأنها ترددت مؤخرا بفعل الضغوط في جعلها أمرا واقعا على المستثمرين في البورصة.
وأرجأت الحكومة الشهر الماضي خطط فرض ضرائب وصفتها بضريبة المعاملات “المحدودة للغاية” على عمليات تداول الأسهم، بعد انتقادات من المستثمرين.
النظام الحالي متخلف عن 37 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث إيرادات الضريبة كنسبة من الناتج السنوي
وشدد متداولون محليون في ذلك الوقت على أن مثل هذه التحركات ستزيد العمولات والرسوم وتضغط على أحجام التداول. وفي حين قلصت سوق الأسهم التركية خسائرها، إلا أن حالة عدم اليقين بشأن ضريبة المعاملات ظلت قائمة.
وتعليقا على هذا الجدل، قال شيمشك على حسابه في منصة إكس إن العمل على مثل هذه الضريبة ستتم “إعادة تقييمه” في وقت لاحق.
وأصبح تداول الأسهم نوعا شائعا من الاستثمار كوسيلة للتحوط ضد ارتفاع التضخم، الذي وصل إلى 75 في المئة على أساس سنوي مايو الماضي.
ونتيجة لهذا المستوى المرتفع في أسعار الاستهلاك في السوق المحلية، أبقى البنك المركزي الخميس الماضي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير للشهر الثالث تواليا عند 50 في المئة، وهو من بين الأعلى بين الأسواق الناشئة.
وقبل الانتخابات الرئاسية، التي جرت العام الماضي، كشفت وثيقة حكومية أن السلطات قدمت مشروع قانون للبرلمان يتضمن زيادة الضرائب على الشركات والبنوك بمقدار 5 في المئة عن المستويات المعمول بها حينها.
واستهدف القانون زيادة نسبة الضرائب المفروضة على الشركات من 20 إلى 25 في المئة، كما سترفعها على البنوك وشركات التأمين والوساطة والمعاشات والمدفوعات الإلكترونية من 25 إلى 30 في المئة.
أنقرة سجلت أكبر فائض شهري في الميزانية على الإطلاق في مايو الماضي مع تحول الحكومة إلى إصلاح المالية العامة
وبسبب السياسات المعتمدة منذ سنوات، تتخلف تركيا كثيرا عن 37 دولة أخرى عضوا في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من حيث حجم الضرائب التي تجمعها كنسبة من ناتجها الاقتصادي البالغ 1.1 تريليون دولار.
والآن، تسعى الحكومة إلى تسخير الذكاء الاصطناعي للقضاء على التهرب الضريبي، لتنضم إلى أمثال إيطاليا والولايات المتحدة في تجنيد التكنولوجيا المتقدمة للحد من حالات التهرب الضريبي والاحتيال.
وقال شيمشك “سنطبق بشكل متزايد المزيد من الخوارزميات والذكاء الاصطناعي” في شركات التدقيق. وأضاف أن “التكنولوجيا المتطورة يمكن أن تساعد على تحديد المخالفات، حيث أعلن أكثر من نصف الشركات التركية عن خسائر صريحة أو أرباح رمزية”.
وسجلت أنقرة أكبر فائض شهري في الميزانية على الإطلاق في مايو الماضي مع تحول الحكومة إلى إصلاح المالية العامة لاستكمال السياسات النقدية الموجهة نحو كبح التضخم الجامح.
وبحسب البيانات الرسمية، سجلت الميزانية فائضا قدره 219 مليار ليرة (6.7 مليار دولار)، وهو الأكبر منذ عام 2006. وكان هذا ارتدادا حادا من عجز لخمسة أشهر متتالية.
وعوضت الزيادة الحادة في عوائد الضرائب، التي مثلت الجزء الأكبر من دخل الحكومة في شهر مايو، إنفاق الموظفين والتحويلات الجارية، والتي تشمل المساعدات الاجتماعية للأسر.
وفي حين أن أرقام مايو تظهر تحسنا حادا، فإن الميزانية لا تزال تشهد عجزا كبيرا منذ بداية العام الجاري، وهي بصدد الوصول إلى عجز من المرجح أن يكون من بين الأوسع خلال عقدين من حكم أردوغان.
ووصلت الفجوة بين الإيرادات والمصروفات في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام إلى 21.9 مليار دولار، حيث تشير توقعات الحكومة إلى إجمالي عجز سنوي عند 130 مليار دولار.
وهذا الرقم يعادل 6.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أكبر عجز تتعرض له منذ تولي أردوغان السلطة على مدار عشرين عاما.