الاختلالات التجارية تُراكم المؤشرات الحمراء في تركيا

أنقرة - تتراكم المؤشرات السلبية للاقتصاد التركي مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، وهو ما يجعل الأرقام في وضع بعيد عن الصورة التي تريد رسمها السلطات.
وظل رصيد الحساب الجاري التركي في المنطقة الحمراء في فبراير الماضي، وهي نقطة ضعف رئيسية للاقتصاد حيث تحاول حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان إبقاء الليرة والتضخم تحت السيطرة قبل الانتخابات الشهر المقبل.
وذكر البنك المركزي في تقرير الاثنين أن “العجز في أوسع مقياس لتجارة السلع والخدمات بلغ 8.78 مليار دولار”، وهو ما يزيد عن توقعات الاقتصاديين.
ويقارن ذلك بعجز قياسي في يناير الماضي تم تعديله إلى 10 مليارات دولار، وهو الأكبر منذ العام 1984، وفجوة قدرها 5.3 مليار دولار في فبراير 2022.
8.78
مليار دولار قيمة عجز المعاملات الجارية خلال فبراير الماضي، خلافا لتوقعات المحللين
ومع تعثر تركيا لفترة طويلة بسبب الاختلالات التجارية، يتصور أردوغان أن الاقتصاد يولد فائضا في الحساب الجاري عن طريق رفع الصادرات بفضل ضعف العملة.
لكن حرب روسيا ضد أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة بينما لم تتمكن الصادرات من مواكبة الواردات.
وكان الدافعان الرئيسيان للعجز هما شراء الطاقة والذهب، خاصة وأن الأسر تحولت بشكل متزايد إلى السبائك لحماية نفسها من التضخم الذي ارتفع بأكثر من 85 في المئة العام الماضي.
وأظهرت بيانات المركزي أنه على الرغم من تقييد تركيا لبعض واردات الذهب في أعقاب الزلازل المميتة في فبراير، بلغ صافي الواردات غير النقدية من المعدن الثمين ما يقرب من 4 مليارات دولار.
وبينما بدأت مكاسب الأسعار في التراجع، لا يزال الاقتصاديون يتوقعون أن يتجاوز التضخم في نهاية العام 40 في المئة، أو أعلى بثماني مرات من الهدف الرسمي للبنك المركزي.
وفي تغيير صارخ عن العام الماضي، يقول محللون إن رأس المال مجهول المنشأ أصبح هو الآخر عبئا على الحساب الجاري لتركيا.
ومع ذلك، بعد تسجيل التدفقات الخارجة في يناير، شهد صافي الأخطاء والسهو تدفقات إلى الداخل بنحو مليار دولار مما خفف الضغط على احتياطيات تركيا لتمويل العجز.
حرب روسيا ضد أوكرانيا أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة بينما لم تتمكن الصادرات من مواكبة الواردات
وكانت التدفقات الداخلة المتعلقة بصافي الأخطاء والسهو مصدرا رئيسيا لتغطية الفجوة في عام 2022. وانخفضت احتياطيات البنك المركزي بمقدار 4.7 مليار دولار في فبراير.
وسجلت صناعة الخدمات فائضا قدره 2.3 مليار دولار، مدفوعا في الغالب بعائدات السياحة، حيث بلغ صافي الاستثمار في المحفظة الداخلة 240 مليون دولار.
وشدد البنك المركزي الجمعة الماضي اللوائح التي تمنع البنوك من الاحتفاظ بالسيولة الأجنبية في ظل تعرّض الليرة لضغوط.
وعززت القرارات القواعد المعمول بها في السابق، والتي تنظم الاحتفاظ بمزيد من المدخرات بالليرة، وهي إحدى الأدوات التي يستخدمها صانعو السياسات النقدية لتحقيق الاستقرار في العملة المحلية.
وتنص التعديلات الأخيرة على أنَّه إذا لم تكن 60 في المئة من الودائع لدى البنك التجاري بالليرة فسيضطر المصرف إلى إيداع المزيد من السيولة الأجنبية لدى المركزي.
ويعني هذا أنَ نسبة الاحتياطي الإلزامي للودائع بالعملات الأجنبية، وصناديق المشاركة التي تصل إلى سنة واحدة، رُفعت من 25 إلى 30 في المئة.
زيادة حصة العملة المحلية من إجمالي الودائع بالبنوك تعد حجر الزاوية في إستراتيجية "التحول لليرة" التي يسعى إليها المركزي
وتنص لائحة أخرى على أن البنوك ستضطر لشراء سبع نقاط مئوية من السندات الحكومية الإضافية المقوّمة بالعملة المحلية إذا انخفضت ودائعها عن مستوى 60 في المئة.
وأوردت اللوائح المنشورة في الجريدة الرسمية للبلاد أنَّ البنك المركزي سيعفي المقرضين من الاحتفاظ ببعض السندات الحكومية المقومة بالليرة، إذا شكلت الودائع بالليرة 60 في المئة أو أكثر من إجمالي ودائعهم.
وتعد زيادة حصة العملة المحلية من إجمالي الودائع بالبنوك حجر الزاوية في إستراتيجية “التحول لليرة” التي يسعى إليها المركزي.
وكشفت بيانات الرقابة المصرفية مؤخرا أن حوالي 59.2 في المئة من إجمالي الودائع بالبنوك كانت بالليرة مع نهاية الربع الأول من هذا العام.
وتجددت الضغوط التي تتعرض لها الليرة خلال الأسابيع الماضية، وتتوقَع البنوك الكبرى مثل أتش.أس.بي.سي ومورغان ستانلي تراجع العملة التركية بحدة بعد الانتخابات.
ويرى التجار أن نتيجة التصويت ستكون حاسمة في تشكيل اتجاه السياسات النقدية والمالية، بعد سنوات من السياسات غير التقليدية والرقابة الحكومية المشدّدة في عهد أردوغان، والتي أدت إلى هروب المستثمرين الأجانب.