الاحتكار في وادي السيليكون.. صندوق أسود مفتاحه بيد قلة

كلما زادت غلبة الطابع الرقمي على حياتنا، زادت قدرة الخوارزميات التي أحدثها عمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون على غرار فيسبوك وغوغل وأمازون على التحكم فينا، ما تسبب في تراجع الصناعة الإبداعية. ويشير الخبراء إلى أن وادي السيليكون يحتاج إلى نظرة أعمق للوصول إلى الاحتكارات الحقيقية والتعرّف على المستقبل، فهذا العالم تسيطر عليه قلة من الشركات العملاقة التي تتسيد وادي السيليكون.
السبت 2017/04/29
خوارزميات مسيطرة

واشنطن - في النصف الثاني من شهر أكتوبر الماضي، أعلنت شركة الاتصالات الأميركية تي أند تي إقدامها على شراء المؤسسة الإعلامية العملاقة تايم وارنر المالكة لشبكة سي أن أن الإخبارية الأميركية، بمبلغ يتجاوز 85 مليار دولار، وأثارت الصفقة وقتها جدلا كبيرا بسبب ضخامتها أولا، وبسبب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها أن استكمالها سيعني تركيزا كبيرا للقوة في يد عدد محدود من الأشخاص، بل إنه ذهب خطوة أبعد من ذلك عندما تعهد بإحباط الصفقة إذا فاز بالانتخابات الرئاسية.

غير أن اندماج أيه تي أند تي وتايم وارنر لا ينبغي أن يحجب حقيقة يزخر بها سوق التقنية ووسائل الإعلام. وعلى رأسها تلك الاحتكارات الاقتصادية الكبري في قطاع الإعلام والتي تسيطر عليها الشركات العملاقة في وادي السيليكون.

وردت هذه الحقيقة على لسان مارك كوبان رجل الاعمال في قطاع الإنترنت في اجتماعات إحدى اللجان الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس الشيوخ، مشيرا إلى أن الشركات المسيطرة بشكل حقيقي في مجال وسائل الإعلام لا تخرج عن أربع شركات، هي: فيسبوك وألفابيت (غوغل سابقا) وأبل وأمازون.

وقد أشارت البيانات التي تم الكشف عنها إلى شركة ألفابيت وشركة فيسبوك من بين أكبر عشر شركات في العالم.

وتبلغ القيمة السوقية لشركة ألفابيت نحو 550 مليار دولار، بينما لن يتجاوز اندماج أيه تي أند تي وشركة وارنر 300 مليار دولار.

تمتلك غوغل نحو 88 بالمئة من حصة السوق في الإعلانات، وتمتلك فيسبوك (والشركات التابعة لها: إنستغرام وواتساب وماسنجر) ما يقارب 77 بالمئة من الزيارات الاجتماعية على الهواتف المحمولة، وتسيطر على نحو 63 بالمئة من سوق أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة هناك بينما تمتلك أمازون نحو 74 بالمئة من حصة سوق الكتب الإلكترونية، هذا ما كتبه المدير الفخري في مختبر الابتكار بجامعة جنوب كاليفورنيا أنبرغ جوناثان تابلين في افتتاحية نيويورك هذا الأسبوع، وأضاف “من الناحية الاقتصادية، فالشركات الثلاثة محتكرون”. أما شركة أيه تي أند تي فتسيطر على 32 بالمئة من سوق الهواتف المحمولة و26 بالمئة فقط من سوق خدمات التلفاز المدفوعة.

فيسبوك ابتلعت نحو 27 مليون دولار من عوائد الإعلانات الرقمية الخاصة بصحيفة الغارديان البريطانية في العام الماضي

وأوضح براين نواك المحلل في شركة مورغان أند ستانلي أن كل دولار تم إنفاقه على الإعلان عبر الإنترنت في الربع المالي الأول من عام 2016 ، ذهب نحو 85 سنتا منه إلى غوغل أو إلى فيسبوك.

ويقول خبراء إن هوامش الربح الصافية الضخمة التي تحققها شركتا غوغل وفيسبوك تعود إلى سيطرتهم على المحتوى المتاح عبر الإنترنت، بينما تعد مشاركتهم في صنع هذا المحتوى محدودة.

لفت الخبراء النظر أيضا إلى أن غوغل وفيسبوك تبنيان نموذجهما الإعلاني على نسق نظرية “free riders” أي أنهما يلعبان هنا نفس الدور الذي يقوم به الذين يركبون وسائل المواصلات مجانا مع الركاب الآخرين المتجهين إلى مكان ما.

كان الصحافي غلين غرينوالد الفائز بجائزة البوليتزر عن تقاريره عن تجسس وكالة الأمن القوى على الأميركيين والتي كشفت عنها تسريبات إدوارد سنودن، قد غرّد السبت 22 أبريل الجاري على تويتر “إن المناقشات بشأن هيمنة شركات التكنولوجيا جاءت متأخرة كثيرا”، مضيفا “القوة المطلقة الموجودة في احتكارات وادي السيليكون مذهلة”.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن شركات غوغل وفيسبوك وأمازون تعرقل الإبداع على نطاق واسع، وتضيف “تعتبر غوغل وفيسبوك نقطتي الوصول لجميع وسائل الإعلام بالنسبة إلى غالبية الأميركيين، وفي حين ارتفعت أرباح غوغل وفيسبوك وأمازون، كانت عائدات شركات الإعلام مثل الصحف والأعمال الموسيقية قد انخفضت منذ 2001 بنسبة 70 بالمئة”.

يرى الخبراء أن ضخامة هذه الكيانات الرقمية العملاقة يتصل مباشرة بسقوط وتراجع الصناعات الإبداعية في الولايات المتحدة، فكل مقطع موسيقي أوأغنية يتم نشرها عبر يوتيوب أو فيسبوك تسلب المبدعين أموالهم.

وأكد آلان روزبريغر رئيس التحرير السابق لصحيفة الغارديان البريطانية أن فيسبوك ابتلعت نحو 27 مليون دولار من عوائد الإعلانات الرقمية الخاصة بالجريدة في العام الماضي باحتفاظها بجمهور الجريدة عبر فيسبوك أكثر من ربطه بموقع الجريدة نفسه. وأضاف “إنهم يستأثرون بكل المال، فلديهم خوارزميات لا نستطيع فهمها، تعمل هذه الخوارزميات كمصفاة بين ما نقوم به، وبين طريقة استقبال الجمهور له”.

تراجع الصناعة الإبداعية

وفي نفس السياق يؤكد الخبراء أن الجميع قد فقدوا حريتهم في الاختيار عندما أعطوا البعض من الشبكات والمواقع الكبرى كغوغل وفيسبوك السيطرة على القائمة المتمثلة هنا في ترتيب غوغل للمواقع Google’s search rankings، وترتيب الأخبار في قائمة آخر الأخبار في فيسبوك Facebook’s Newsfeed. فليس معروفا على وجه الدقة لأي شخص خارج هذه الشركات كيف يتم تحديد هذه التراتيبية، بل إن هذه الآليات اشبه بالصناديق السوداء. وكلما زات غلبة الطابع الرقمي على حياتنا. زادت قدرة هذه الخوارزميات الجديدة على التحكم أكثر فينا.

ويشير الخبراء إلى أن وادي السيليكون يحتاج إلى نظرة أعمق للوصول إلى الاحتكارات الحقيقية والتعرف على المستقبل، فهذا العالم تسيطر عليه قلة من الشركات العملاقة التي تتسيّد وادي السيليكون.

وتقترح نيويورك تايمز البدء بقواعد واضحة، وعلى الأقل يجب أن نبدأ بمنع ساطير التكنولوجيا الثلاث من شراء الشركات الكبرى مثل سبوتيفاي وسنابشات، فالاحتكار يحدث من خلال الاستحواذ، فغوغل اشترت أدموب ودوبل كليك وفيسبوك اشترت انستغرام وواتساب، وأمازون اشترت-على سبيل المثال لا الحصر- أوديبل وألكسا.

وترى الصحيفة أن هناك علاجا آخر من الممكن القيام به مع غوغل يتمثل في تنظيمها كمنفعة عامة ومطالبتها بترخيص براءات اختراع – مقابل رسوم رمزية – لخوارزميات البحث الخاصة بها ونظام تبادل الإعلانات وغيرها من الابتكارات المهمة الأخرى.

وتعترف الصحيفة أنه في ظل إدارة دونالد ترامب، والذي تحدث بقوة ضد التنظيم الحكومي واتجه نحو تحرير الصناعات على عدة مستويات، فمن غير المرجح أن يكون تنظيم شركات الإنترنت من أولوياته، وفي نهاية المطاف قد نضطر إلى الانتظار أربع سنوات عندما يصبح الاحتكار مهيمنًا بشدة ويصبح الحل الوحيد هو كسر الاحتكار، وإجبار غوغل على بيع “دوبل كليك”، وإجبار فيسبوك على بيع “واتساب وإنستغرام”.

18