الاحتفاظ بالعريض وإرجاء استجواب الغنوشي في قضية تسفير جهاديين

تونس - قررت شرطة مكافحة الإرهاب في تونس الاحتفاظ برئيس الوزراء السابق والقيادي بحركة النهضة الإسلامية علي العريض لمدة يوم بعد ساعات من التحقيق معه بشبهة تسفير جهاديين إلى سوريا، وفق ما أفاد به محامون.
وفي نفس القضية، أجلت الشرطة التحقيق مع رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي إلى منتصف نهار الثلاثاء، بعد الانتظار نحو 14 ساعة الاثنين داخل ثكنة بوشوشة.
وفي أعقاب القرار غادر رئيس حركة النهضة مقر الوحدة الوطنية لجرائم الإرهاب والجرائم المنظمة الماسة بسلامة التراب الوطني ببوشوشة بالعاصمة، التي كان قد مثل أمامها الاثنين.
ونقلت وكالة "رويترز" عن المحامي مختار الجماعي قوله إن العريض سيمثل أمام قاض بقطب مكافحة الإرهاب الأربعاء.
وأكد القيادي في حركة النهضة المحامي سمير ديلو، عضو هيئة الدفاع عن الغنوشي ونائبه العريض، أن النيابة العامة قررت الاحتفاظ بعلي العريض وإحالته الأربعاء على القطب القضائي لمكافحة الإرهاب بحالة احتفاظ على ذمة الأبحاث، على أن يتخذ حاكم التحقيق الذي سيتعهد بالقضية قرارا في شأنهما سيكون إما بالإيداع في السجن وإما بالسراح.
وقال ديلو في تصريح لوكالة "فرانس برس" إن "بعد أكثر من 12 ساعة من الانتظار، لم تستمع الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب إلى الغنوشي، وقرّرت تأجيل استنطاقه إلى ظهر الثلاثاء".
واعتبر ديلو أنه لا وجود لملف يقع من أجله الاستماع إلى رئيس حركة النهضة ونائبه، وأنها مجرد ترهات وأن قرار الاحتفاظ "مؤسف".
وخلال الشهر الماضي ألقت السلطات القبض على عدد من المسؤولين الأمنيين السابقين وعضوين من حركة النهضة بتهم تتعلق بتسفير تونسيين من أجل الجهاد، من بينهم الحبيب اللوز القيادي التاريخي ورئيس جمعية الدعوة والإصلاح. كما حُبس محمد فريخة القيادي السابق بالنهضة وصاحب شركة طيران خاصة في ما أصبح يعرف في تونس بقضية "تسفير الجهاديين إلى سوريا".
وترتبط القضية بشبكات التسفير إلى سوريا للقتال هناك، والتي نشطت خلال السنوات الأولى غداة الحرب الأهلية في سوريا. وتنفي الحركة، التي صعدت إلى الحكم بعد انتخابات 2011 التي أعقبت الثورة، أي صلات لها بتلك الشبكات.
وقدرت مصادر أمنية ورسمية في السنوات الماضية أن نحو 6000 تونسي توجهوا إلى سوريا والعراق في العقد الماضي، للانضمام إلى جماعات جهادية، ومنها تنظيم داعش.
ومثّل ملف تسفير الجهاديين التونسيين، خلال فترة حكم "الترويكا" الأولى (حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يتزعمه منصف المرزوقي وحزب التكتل من أجل العمل والحريات برئاسة مصطفى بن جعفر)، الصندوق الأسود وملفا مسكوتا عنه قضائيا، رغم تصريحات سابقة لأمنيين وسياسيين وناشطين في المجتمع المدني تدعو إلى كشف مَن كان وراء تسهيل وتمويل عمليات تسفير الشباب إلى بؤر التوتر.
واتهمت أحزاب تونسية حركة النهضة بالتساهل مع إسلاميين متشددين أثناء فترة حكمها بعد الثورة، وحثّ الشبان في المساجد والاجتماعات الخاصة على الجهاد في سوريا، وهو أمر تنفيه الحركة باستمرار.
وشهدت تونس عقب ثورة 2011، التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العبدين بن علي، وخلال حكم "الترويكا"، تركيز خيم دعوية يشرف عليها التيار السلفي وأتباع زعيم "أنصار الشريعة" المدعو أبوعياض، في كافة أنحاء البلاد تدعو الشباب إلى الجهاد في سوريا.
وفي 2013، كان الغنوشي (81 عاما) من بين أكثر من مئة "عالم" إسلامي وقّعوا على بيان صادر عن "الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين" من القاهرة برئاسة يوسف القرضاوي، يدعو فيه إلى دعم الجهاد في سوريا بالمال والسلاح والرجال.
وأججت هذه الدعوة آنذاك غضب وآلام الآلاف من التونسيين الذين فقدوا أبناءهم وأقاربهم في الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا.
ولم يكن رد الفعل التونسي، غير الرسمي، الذي ترجمته صفحات التواصل الاجتماعي والصحف وآراء الناشطين السياسيين بهذه الأهمية، لولا ارتباط دعوة القرضاوي مباشرة بالغنوشي الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الاتحاد، وكذلك ترؤس عبدالمجيد النجار، منظّر حركة النهضة ونائبها في المجلس التأسيسي، فرع تونس للاتحاد.
وندّدت حركة النهضة في بيان نُشر ليل الاثنين - الثلاثاء بـ"ظروف التحقيق، وتعتبره انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.
وتجمّع العشرات من المتظاهرين أمام وحدة التحقيق في بوشوشة احتجاجا على استجواب الغنوشي والعريض. وهتف بعضهم "حريات حريات.. دولة البوليس وفات.. حريات لا قضاء التعليمات.. نحن مع الغنوشي". وردد آخرون "يسقط الانقلاب يسقط قيس سعيّد".
وبدأت التحقيقات في هذه القضية في نهاية عام 2021، عندما رفعت فاطمة المسدي البرلمانية السابقة وعضو اللجنة البرلمانية للتحقيق في الشبكات المتورطة بتجنيد وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر، دعوى قضائية ضد 126 شخصية (من أئمة وسياسيين وأمنيين ورجال أعمال) بشبهة التسفير والعمليات الإرهابية.
وقالت المسدي في تصريحات إعلامية إن ملف التسفير يتكون من 4 أجزاء، حيث يتعلق الجزء الأول بالجانب الدعوي ويضم بعض الأئمة والجمعيات والشخصيات السياسية، والتي كان دورها تحضير أرضية فكرية جهادية ساهمت في تغيير عقول الشباب حتى يكونوا جاهزين للالتحاق ببؤر التوتر، وشملت رضا الجوادي والحبيب اللوز وبشير بن حسن وغيرهم.
وأوضحت أن الجزء الثاني يتعلق بالجانب الأمني في كيفية تأمين عملية التسفير وتوفير جوازات السفر المدلسة، وشمل أمنيين سابقين، والجزء الثالث متعلق بالجمعيات وتمويل عمليات التسفير التي تقف وراءها عدة أسماء لسياسيين، إضافة إلى إمكانية تورط بعض الشركات التي تؤمن عمليات السفر نحو تركيا.
وأشارت إلى أن الجانب الرابع مرتبط بالتسفير والعمليات الإرهابية التي حصلت في تونس، منها عملية باردو التي نفذها عنصر متشدد عائد من سوريا لتنفيذ عمليات إرهابية.
وأصدر القضاء التونسي الأسبوع الفائت قرارات بتوقيف قيادات أمنية وسياسيين، كانوا منتمين إلى حزب النهضة في القضية ذاتها.
ونبهت حركة النهضة في بيان الأحد "إلى خطورة التمشي الذي انتهجته سلطة الانقلاب ومحاولاتها استهداف المعارضين لها بالتشويه والقضايا الكيدية ومحاولات الضغط على القضاء وتوظيفه".
وكانت السلطات التونسية أعلنت أنّ قضاء مكافحة الإرهاب أمر بتجميد الأرصدة المالية والحسابات المصرفية لعشر شخصيات، من بينها الغنوشي ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي.
واستُدعي الغنوشي في التاسع عشر من يوليو الفائت للتحقيق معه في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، ونفى حزب النهضة التّهم الموجّهة لزعيمه.
وكان القضاء التونسي أصدر في السابع والعشرين من يونيو قرارا بمنع سفر الغنوشي في إطار تحقيق باغتيالات سياسية حدثت في 2013.