الاتصال الرئاسي.. حلقة مفقودة في تونس

الإشاعات حول صحة الرئيس قيس سعيد تستدعي ضرورة إصلاح منظومة الاتصال الرسمي.
الأربعاء 2023/04/05
السلطة ليست فوق المساءلة

تونس - أعادت إشاعات وأقوال متضاربة حول غياب الرئيس قيس سعيد الفترة الماضية قبل ظهوره الاثنين الحديث عن ضرورة مراجعة السياسة الاتصالية لرئاسة الجمهورية في تونس. ويعد نشر النشاط الرئاسي على صفحة فيسبوك الآلية الوحيدة التي تصل بها أخبار قرطاج إلى التونسيين، وهي الطريقة التي اعتمدتها فيما بعد أيضا رئيسة الحكومة نجلاء بودن.

ولا يجيب الرئيس التونسي عن أسئلة الصحافيين ولا يعلق على اهتمامات المواطنين أو انتقادات المعارضين إلا بصفة غير مباشرة، خلال استقبالات مكتبية لمسؤولين حكوميين أو زيارات ميدانية.

وقال الصحافي زياد كريشان إن “في النصف الأول من العهدة الرئاسية لم تكن هذه السياسة الاتصالية تثير الكثير من الإشكال لتوزع السلطة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان، مما كان يسمح في الغالب بالحصول على المعلومة، لكن منذ الخامس والعشرين من يوليو 2021، تاريخ الإجراءات الاستثنائية، أصبح سعيد هو الحاكم الفعلي والوحيد للبلاد وبالتالي هو المصدر الأساسي للمعلومة، ما خلق وضعيات غريبة”.

زياد كريشان: البلاد اليوم أمام مضيق إخباري يوصف بالقمع
زياد كريشان: البلاد اليوم أمام مضيق إخباري يوصف بالقمع

وأضاف كريشان في مقال متدلول على فيسبوك “نحن أمام إستراتيجية اتصالية تجعل من رأس السلطة لمتحكم الأساسي في نسق الحياة السياسية دفعا وجذبا، وتمنحه ميزة تفاضلية وأسبقية كبرى عن كل خصومه، لكن لهذه السياسة حدودا كبرى، إذ تمنع عن سائر التونسيين معلومات أساسية”.

وأكد كريشان “تجد البلاد اليوم نفسها أمام مضيق إخباري يوصف بالقمع ذي التدفق البطيء والمتقطع، خاصة عند إدارة الأزمات نظرا إلى أن الرئيس هو المنتج الأساسي للمعلومة السياسية الرسمية”.

وأشار إلى أن “التعتيم هو نتيجة الهرمية التقليدية التقديسية للحكام والتي تحول المواطنين إلى رعايا وتجعل السلطة فوق المساءلة”، معتبرا أن “الشفافية ليست ترفا وهي جوهر المواطنة والممارسة الديمقراطية السليمة”.

وكان غياب الرئيس لأيام صوتا وصورة مزعجا ومربكا للسير الطبيعي لدواليب الدولة، باعتباره مرجع النظر الوحيد لكل مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة رئاسة الحكومة ورئيستها كما ينص على ذلك دستور 2022.

وقد فتح هذا الغياب أبواب التأويل على مصراعيها وذهب خصومه إلى الحديث عن شغور مؤقت أو نهائي. وأصدر المختصون في القانون الدستوري فتاوى متعددة لكيفية سدّ الشغور في منصب رئيس الجمهورية.

ودعا بعضهم إلى ضرورة أن يتولى الجيش زمام الأمور حتى لا يتورط البلد في فوضى مجتمعية. ومن المتهافتين على السلطة من شخّص الوضع الصحي للرئيس ووصفه بالخطير، بعدما قدم تشخيصا دقيقا وأقسم على عرضه وعلى شرفه بأنه يقول الحق، متحديا في فيديو نشره على فيسبوك أطباء المستشفى العسكري ودعاهم إلى تكذيبه إن كان لهم عكس ما لديه من تشخيص لأمراض الرئيس.

واعتبر الصحافي لطفي العربي السنوسي في افتتاحية جريدة الصحافة “كثيرون سقطوا أخلاقيا خلال هذه الأيام بما أشاعوه من معطيات مضللة للرأي العام الوطني والدولي، ضمن حملة إعلامية قادتها صفحات مأجورة معروفة بانتمائها إلى حركة النهضة وإلى قيادات من جبهة الخلاص.. كما أبانوا عن تهافت مرضي على السلطة وجنون وصل إلى حدّ الحديث عن وفاة الرئيس.. بل ثمة من تحدث عن تلف دماغي أصابه زائد جلطات قلبية متتالية، وهذا جلل يستدعي المساءلة القضائية لما فيه من باطل يستهدف أمن البلد وسلامته المجتمعية”.

لطفي العربي السنوسي: كان بالإمكان إنهاء الموضوع منذ لحظته بإصدار بيان رئاسي
لطفي العربي السنوسي: كان بالإمكان إنهاء الموضوع منذ لحظته بإصدار بيان رئاسي

وأفادت وكالة الأنباء التونسية بأن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس أذنت الاثنين بـ”إجراء تتبعات جزائية ضد كل الصفحات والأشخاص الذين يقفون وراء نشر الأخبار الزائفة التي من شأنها الإضرار بسلامة الأمن العام للبلاد، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم”.

وقال السنوسي "كما ندين هذه الممارسات المنحطة.. فإننا نعبر أيضا عن استيائنا من عدم مهنية الإعلام الرئاسي، إن وجد، كما ندين صمت القصرين (قرطاج والقصبة) تجاه ما تمت إشاعته حول الرئيس قيس سعيد، وكان بالإمكان إنهاء الموضوع منذ لحظته الأولى وقبل أن يتحول إلى موضوع على أرصفة القيل والقال، وذلك بإصدار بيان رئاسي في جملتين يتم من خلاله إعلام الرأي العام بأن الرئيس ـ مثلا ـ في عطلة بيومين أو حتى بشهر، فذاك من حقه ويحصل في كل دول العالم، أما الصمت وعدم الرد على مكالمات الإعلاميين واستفساراتهم فذاك من شأنه أن يفتح المجال أمام المتهافتين على الحكم لقول ما يريدون وكيفما يريدون وهو ما حدث”.

وتابع السنوسي “هذا درس يمكن، أيضا، أن ننظر إليه من الجهة الأخرى المضيئة والتي تستعجل قيام المحكمة الدستورية وطبيعة تشاركية في إدارة شؤون الدولة والمجتمع”.

وسبق أن أكد الباحث في الإعلام صلاح الدين الدريدي أن “تجارب الرئاسات والحكومات المتعاقبة على حكم تونس ما بعد ثورة 14 يناير 2011 أبرزت أن هذه المؤسسات لم تفهم قيمة ودور الإعلام في اللعبة الديمقراطية، ولم تسع إلى تكوين كفاءات وخبرات تتبنى رؤى وممارسات تتماشى مع متطلبات المجتمع الديمقراطي. وهو ما يعكس غياب تفكير جدّي في وظيفة الإعلام والاتصال السياسي، والتي لم تتوصل إلى الآن إلى آليات العمل الاتصالي الحقيقي".

وأضاف أن "الاتصال الرئاسي وتحديدا رئيس الجمهورية يمثل معضلة كبرى، إذ لم نفهم إلى الآن من هو الرئيس وما هي أفكاره وما هي الأطراف التي يتحدث عنها في كل خطاب، والتي تقف وراء المؤامرات والخيانات، مع غياب تام لدور مصالح الاتصال التي يفترض أن تقدّم التوضيحات المطلوبة”.

5