الاتحاد الوطني يشجّع بغداد على التشدّد بموضوع الحقوق المالية لإقليم كردستان

تصديق رواية الحكومة الاتحادية بشأن الرواتب نكاية بالحزب الديمقراطي ومجاملة للأحزاب الشيعية.
الخميس 2025/01/30
فئة من المواطنين تسدد فاتورة الخلافات

تماهي الاتحاد الوطني الكردستاني مع حلفائه من أحزاب وفصائل شيعية عراقية في الموقف من الخلافات المالية الحادّة بين الحكومة الاتّحادية وسلطات إقليم كردستان ينسف دعايته بشأن تبنيه لقضايا مواطني الإقليم والدفاع عن حقوقهم، ويكشف تغليبه للاعتبارات السياسية والحسابات الحزبية الضيّقة على المصلحة العامّة للإقليم وسكّانه.

أربيل (كردستان العراق) - ينطوي موقف الاتّحاد الوطني الكردستاني ثاني أكبر أحزاب إقليم كردستان العراق والشريك الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في إدارة سلطات الحكم الذاتي في الإقليم، من الخلافات المالية الحادّة بين حكومة الأخير والحكومة الاتحادية العراقية على حالة من الالتباس والتناقض الملقيان بظلالهما على جهود تمكين الإقليم من حقوقه المالية المنصوص عليها في الدستور العراقي.

ويعرض الاتّحاد الذي يقوده بافل طالباني نفسه كمدافع عن مصالح مواطني إقليم كردستان وحقوقهم، لكنّ انحيازه للسلطات الاتحادية العراقية وتأييده لروايتها بشأن قضية رواتب موظفي الإقليم وحصته من الموازنة والتي تربطها بغداد بالموارد المالية الذاتية له، يكشفان عدم فصل قيادة الاتّحاد للاعتبارات السياسية والحزبية عن الاعتبارات المالية والاقتصادية.

ويظهر الاتحاد الوطني من خلال تعاطيه مع الكثير من القضايا مهتمّا بمكايدة غريمه ومنافسه الأكبر الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني أكثر من اهتمامه بتماسك سلطات إقليم كردستان ومصالح مواطنيه، وذلك في مقابل حرصه على استرضاء ومجاملة القوى المتحكّمة بزمام الحكومة الاتحادية وتحديدا حلفائه من الأحزاب والفصائل الشيعية التي تدفع حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني إلى التشدّد بشأن المسألة المالية مع سلطات الإقليم.

وفي وقت كثّفت فيه حكومة الإقليم برئاسة مسرور بارزاني القيادي في الحزب الديمقراطي من جهودها واتصالاتها لحلحلة الخلافات المستفحلة مع حكومة السوداني بشأن المسألة المالية والتي عطلت مصالح حيوية للإقليم من بينها حصوله على المخصصات المالية الكاملة لرواتب موظّفيه واستئناف تصدير النفط من حقوله والمتوقّف منذ ربيع العام الماضي، واصلت جهات محسوبة على الاتّحاد الوطني دعمها لحجج الحكومة الاتّحادية بشأن عدم تحويلها الأموال الكافية لدفع رواتب هؤلاء الموظفين وتلكئها في تعديل قانون الموازنة الذي تتوقّف عليه إعادة تصدير الخام المنتج في تلك الحقول.

مساهمة الاتحاد الوطني في تعقيد قضية الرواتب تنعكس عليه وتجعل من معاقل نفوذه بؤرة للاحتجاج على سوء الأوضاع

وأثار نائب في البرلمان العراقي من كتلة الاتّحاد الوطني حفيظة حكومة إقليم كردستان بدعمه رواية قوى متنفذة في حكومة السوداني بشأن تزوير وتضخيم قوائم موظّفي الإقليم المستحقين لتقاضي الرواتب بهدف زيادة المبالغ المخصصة من وزارة المالية الاتّحادية لتغطية تلك الرواتب.

وسبق لجهات في الاتحاد الوطني بما في ذلك شخصيات قيادية في الحزب أنّ شكّكت أيضا في شفافية حكومة إقليم كردستان بشأن العوائد الحقيقية التي تجمعها من الموارد الذاتية للإقليم والتي تطالب بغداد بالحصول على نسب منها كشرط لتمكين الإقليم من حقوقه المالية.

كما تعبّر قيادة الاتحاد بشكل صريح عن دعمها لإجراءات السلطات الاتحادية بشأن رواتب موظفي الإقليم، وقد دعمت قرارا سبق للقضاء العراقي أن أصدره بـ”توطين” تلك الرواتب بمعنى صرفها مباشرة عبر فروع البنوك الاتّحادية، وعارض بشدّة نظاما وضعته حكومة الإقليم تحت مسمّى  “حسابي” لإيصال الرواتب إلى مستحقيها، معتبرا أن ذلك النظام تابع لقيادة الحزب الديمقراطي وليس للحكومة.

وأصدرت وزارة المالية في إقليم كردستان بيانا ردت فيه على تصريحات تلفزيونية للنائب عن الاتحاد الوطني غريب أحمد قال فيها إن قوائم موظفي الإقليم تحتوي على الآلاف من أسماء المتوفين والأسماء المكرّرة، واصفة ما ورد على لسانه بالمغالطات.

وجاء في البيان أن “النائب أكد مرارا وتكرارا أن هناك نحو 750 ألف اسم مكرر أو لمتوفين في قائمة الرواتب وهو السبب في إطالة مشكلتها، في حين أن المناصب المدنية والعسكرية الفعلية وقائمة الرواتب هي بنحو 702 ألف. ومن المناسب أن نسأل أين توضع الأسماء المكررة والميتة.”

وأضافت الوزارة في بيانها أن “الفرق الفنية التابعة لوزارة مالية إقليم كردستان قامت بتلبية كافة طلبات وملاحظات وزارة المالية العراقية على قائمة الرواتب،” وأنّه “طيلة العام الماضي لم يذكر تقرير ديوان الرقابة المالية العراقي وكتاب وزارة المالية الاتحادية وجود مثل هذا العدد وهذه المشاكل كما يقول البرلماني.”

وأكدت “نرى من الضروري أن نعلن أن قائمة الرواتب نظيفة وخالية من المشاكل،” وأنه “كان من الأفضل لو سأل النائب رئيس كتلته قبل المقابلة والذي التقى مرتين مع وفد حكومة إقليم كردستان في أربيل وبغداد خلال نحو عشرة أيام وتأكد من أنّه تم الإيفاء بجميع الالتزامات لحل مشكلة رواتب الموظفين.”

وخلص بيان الوزارة إلى أنّ “قضية الرواتب مشكلة قديمة وشاملة وليست وزارة المالية والاقتصاد وحدها المسؤولة عنها، بل كل القضايا المتعلقة بالرواتب يتم البت فيها في مجلس الوزراء ووزارة المالية ليس لديها قوات عسكرية أو بيشمركة أو ميليشيا. وحتى المسؤولون في الوزارة يتم تعيينهم من قبل القوى الداخلية.” وختم بالتساؤل “من يمثل النائب غريب في بغداد.”

ولا تخلو الخلافات حول المسائل المالية والاقتصادية بين حكومتي بغداد وأربيل من تبعات ومخاطر على استقرار إقليم كردستان، خصوصا بفعل ما تخلقه أزمة الرواتب من أوضاع اجتماعية صعبة مثيرة لغضب السكان واحتجاجاتهم.

وتنطوي مشاركة طرف رئيسي في الإقليم هو الاتحاد الوطني في تعقيد المسألة وتأزيم الخلافات بشأنها على مفارقة تتمثّل في أن سكان منطقة نفوذه وخصوصا مركزه الأساسي محافظة السليمانية، مشمولون بتعبات أزمة الرواتب وتأثيرها السيء على أوضاعهم ومعيشهم اليومي الأمر الذي يدفعهم بشكل متزايد للتظاهر والاحتجاج على استمرار تلك الأوضاع.

وتشهد السليمانية منذ أيام تظاهرات يشارك فيها العاملون في قطاع التعليم وعدد من عمال القطاعات الأخرى احتجاجا على تأخر صرف رواتبهم الشهرية.

الخلافات حول المسائل المالية والاقتصادية بين حكومتي بغداد وأربيل لا تخلو من تبعات ومخاطر على استقرار إقليم كردستان، خصوصا بفعل ما تخلقه أزمة الرواتب من أوضاع اجتماعية صعبة

ورغم ما تنطوي عليه قضية الرواتب من مصاعب وتعقيدات لفئة من مواطني العراق، ومن تهديد لاستقرار جزء مهمّ من دولته، تظهر الحكومة الاتحادية العراقية إصرارا وتمسّكا بموقفها من القضية مدفوعة بالجهات المتشدّدة داخلها، والراغبة باستمرار في توظيف المسألة المالية في الضغط على الإقليم وسلطاته وخصوصا الحزب الديمقراطي الذي يقود تلك السلطات وتعتبره الأحزاب والفصائل الشيعية العراقية الموالية لإيران صديقا لمنافسي الأخيرة على النفوذ في البلد والمنطقة.

وجدّدت وزارة المالية الاتحادية التأكيد على عدم مسؤوليتها عن تأخر رواتب موظفي إقليم كردستان، مشيرة إلى أن الأخير “لم يزودها بأيّ بيانات” تخص توطين الرواتب لدى المصارف الاتحادية.

وقالت الوزارة في بيان نشرته الأربعاء إنها “تتعامل بمهنية كاملة في ملف رواتب موظفي الإقليم،” موضحة أن “سبب التأخير هو عدم فصل الإقليم لأسماء الموظفين الذين تمت إحالتهم إلى التقاعد.”

وذكرت أيضا من بين أسباب المشكلة عدم “عزل أفراد قوات البيشمركة الذين هم نسبة من القوات البرية الاتحادية والذين ظهر أن الإقليم يدفع رواتبهم من حصته ما سبب عجزا بالرواتب، والمفروض أن هؤلاء يستلمون رواتب من وزارة الدفاع الاتحادية.”

كما طالبت الوزارة سلطات إقليم كردستان بتزويدها بأسماء الذين “يتقاضون أكثر من راتب والمشمولين بقوانين الإقليم حتى يتم استبعادهم من القوائم شهريا.” وشددت على أن “التوطين شيء أساسي لتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية وليس الاعتماد على قوائم ورقية لضمان وصول الرواتب فورا إلى مستحقيها.”

وتلازم سلطات الإقليم وخصوصا قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني حالة من خيبة الأمل إزاء حكومة السوداني بسبب خضوعها لإملاءات أطراف متشدّدة مؤثّرة في قرارها وتعمل باستمرار على إفساد علاقتها بالإقليم الذي تحذّر دوائر مهتمة بالشأن العراقي من تبعات السياسات الحكومية على أوضاع سكانه وعلى مزاجهم بما من شأنه أن يضعف شعورهم بالانتماء إلى الدولة العراقية التي يرون أنها تمارس سياسات تمييزية ضدّهم تتجسّد بوضوح في قضية الرواتب التي تُدفع بانتظام في باقي مناطق البلاد بينما لا تفتأ تشهد اضطرابا وتأخرا ونقصا في مناطقهم.

3