الاتحاد الوطني يشارك قوى عراقية دفع الأوضاع الاجتماعية بإقليم كردستان إلى حافة الهاوية

توظيف قضية الرواتب في زعزعة استقرار حكومة الإقليم للتعجيل بإعادة تشكيلها وفق رؤية الاتحاد.
الجمعة 2024/12/13
رهان خطير على الشارع

تثير أوساط سياسية كردية عراقية المخاوف من لجوء قوى نافذة في الحكومة الاتحادية العراقية ومتحالفة مع الاتحاد الوطني الكردستاني إلى دفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في إقليم كردستان العراق نحو حافة الهاوية لزعزعة استقرار حكومة الإقليم المؤمِّنة للمرحلة الانتقالية في انتظار تشكيل حكومة جديدة في ضوء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والتعجيل بسقوطها لإعادة تشكيلها في ضوء رؤية الاتحاد وبما يستجيب لمطالبه عالية السقف.

السليمانية (كردستان العراق) - حوّلت قضية رواتب موظفي إقليم كردستان العراق محافظة السليمانية معقل نفوذ الاتّحاد الوطني الكردستاني الشريك في إدارة الإقليم إلى موطن رئيسي لاحتجاجات الموظفين على عدم الحصول على رواتبهم للشهر الثالث تواليا.

وتتهم قوى سياسية محلية الحزب الذي يرأسه بافل جلال طالباني بالمساهمة في تعقيد القضية عبر تأييده لموقف الحكومة الاتّحادية العراقية بشأن الخلافات المالية مع حكومة إقليم كردستان واتهامها للأخيرة بعدم الشفافية في الإفصاح عن الموارد الحقيقية للإقليم والتلاعب بقوائم متقاضي الرواتب، وأيضا عبر تمسّكه برفض استخدام آلية “حسابي” التي وضعتها حكومة الإقليم لتوزيع الرواتب على مستحقيها وتمسّكه بما يعرف بآلية التوطين التي أقرتها السلطات الاتّحادية وتقوم على صرف الرواتب عبر بنوك عراقية رغم أنّ غالبية تلك البنوك لا تمتلك فروعا لها في مدن إقليم كردستان.

وأصبحت ذات القوى تثير الشكوك بشأن تواطؤ الاتّحاد مع أحزاب وفصائل شيعية نافذة في الحكومة العراقية لمزيد تعقيد الخلافات المالية وتعميق الأزمة الاجتماعية تطبيقا لتكتيك “حافة الهاوية” القائم على زعزعة استقرار الحكومة الحالية للإقليم بقيادة غريم الاتحاد الوطني، الحزب الديمقراطي الكردستاني.

وتقوم الحكومة التي يرأسها القيادي في الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني حاليا بتأمين المرحلة الانتقالية بعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الإقليم، في انتظار تشكيل حكومة جديدة في ضوء ما أفرزته صناديق الاقتراع ويتوقّع أن تتأخر لعدّة أشهر بسبب الخلافات الشديدة المثارة حول مناصبها القيادية.

وأثار تلك الخلافات الاتحاد الوطني الذي يطالب بحصص في الحكومة لا تتناسب وحجمه البرلماني الذي حصل عليه في الانتخابات الأخيرة حيث حلّ ثانيا بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا في برلمان الإقليم خلف الحزب الديمقراطي الذي حصل على تسعة وثلاثين مقعدا.

قوى سياسية محلية تتهم حزب الاتّحاد الوطني بالمساهمة في تعقيد القضية عبر تأييده لموقف الحكومة الاتّحادية العراقية بشأن الخلافات المالية مع حكومة كردستان

ومع اتّخاذ وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية في السليمانية منحى تصاعديا برزت المطالبة بتدخّل الحكومة العراقية لانتزاع زمام إدارة الإقليم من يد حكومة بارزاني.

ورغم عدم واقعية هذه المطالبة إلاّ أن أوساطا اعتبرت صدورها في هذا التوقيت بالذات والترويج لها من قبل الإعلام التابع لأحزاب وفصائل شيعية حليفة للاتّحاد الوطني، مظهرا على المدى الذي يمكن أن تبلغه ضغوط تلك القوى على الإقليم وحكومته.

ودعا محمد شريف عضو ما يعرف بلجنة الاحتجاجات الشعبية في كردستان العراق إلى “تدخل فوري من قبل الحكومة الاتحادية لإغلاق المعابر ومطار أربيل وفرض السلطة الاتحادية في الإقليم.”

ونقلت وسائل إعلام تابعة لميليشيات شيعية، الخميس، عن شريف قوله “إنّ الحكومة الاتحادية أرسلت من قبل 761 مليار دينار رواتب لموظفي الإقليم، وأرسلت مجدّدا 430 مليارا، ولكن أربيل (مركز الإقليم ومقر حكومته) تدعي عدم اكتمال الأموال لصرف الرواتب.” متهما مجلس وزراء الإقليم باتخاذه قرارا “بألا تصرف الرواتب حتى ترسل بغداد رواتب لثلاثة أشهر متتالية ومن ثم تقوم أربيل بصرفها دفعة واحدة.”

وأضاف أن “قرار مجلس الوزراء هو اتباع لسياسة التجويع وأن مسرور بارزاني يملك المليارات من الأموال التي ترسلها بغداد كرواتب لموظفي الإقليم.” وأن “الإقليم يحتفظ بالمليارات من الإيرادات غير النفطية، ومنذ واحد وسبعين يوما لم يستلم الموظف الكردي راتبه ويعاني من الجوع والحرمان.”

كما اعتبر عضو اللجنة أن “الحكومة العراقية سواء قامت بتحويل الرواتب أو لم تقم بذلك فالحال واحد وهو عدم صرف الرواتب للموظف الكردي“.

وغير بعيد عن سياق الدعوة لإنهاء عمل حكومة بارزاني طالب جميل هورامي رئيس المجلس الأعلى لجمعية قدماء البيشمركة بـ”إقالة الحكومة إذا لم تحل المشاكل المعيشية للمواطنين في المستقبل القريب“.

وسائل إعلام تابعة لميليشيات شيعية نقلت عن شريف قوله إنّ "الحكومة الاتحادية أرسلت من قبل 761 مليار دينار رواتب لموظفي الإقليم، وأرسلت مجدّدا 430 مليارا"

واتهم هورامي حكومة الإقليم بأنها “لا تمارس الحكم السليم وما تفعله هو القمع واللامبالاة بحاجة الناس وجوعهم،” مضيفا في مؤتمر صحفي أنّ “الحكومة يمكنها توزيع الرواتب من الإيرادات الداخلية المحلية والأموال التي ترسلها بغداد“.

كما حذر هورامي من أنّه إذا “لم تحل المشاكل المعيشية للمواطنين في المستقبل القريب، فسوف نتوجه إلى مكاتب الحكومة في جميع أنحاء كردستان ونداهم مقراتها وننتزع السلطة“.

وتشهد محافظة السليمانية منذ أيام حراكا احتجاجيا متزايدا على سوء الأوضاع المترتبة عن عدم حصول الموظفين على رواتبهم. وحذرت الهيئة العامة للمعلمين والموظفين، الخميس، من تصعيد شامل للاحتجاجات إذا استمرت أزمة الرواتب مطالبة بتمكين الموظفين من جميع رواتبهم المتأخرة.

وقالت في بيان إنّه “يتوجب على السلطات توزيع رواتب شهري أكتوبر ونوفمبر فورا، والكف عن المماطلة واستخدام أساليب التلاعب والوعود الكاذبة“.

وأكدت الهيئة أنها ستقوم بتكثيف فعالياتها الاحتجاجية وتصعيد نشاطاتها خلال الفترة المقبلة، داعية الموظفين إلى الوقوف بصلابة لمنع تكرار سيناريو حجز ثلاثة رواتب من العام الماضي.

ولم تستثن الهيئة اللجوء إلى أساليب احتجاجية أشدّ وصولا إلى مقاطعة العمل والعصيان المدني، معلنة في بيانها عن توجهها نحو بدء “ضغط جديد وشامل على السلطات في بغداد وأربيل“.

كما حذّرت في ذات البيان من تداعيات التأخير المستمر في صرف الرواتب ومن أن “التصعيد هذه المرة سيكون واسع النطاق ومؤثرا على جميع المستويات إذا لم تتم تلبية المطالب المشروعة للموظفين“.

تلويح بالعصيان المدني وتهديد باقتحام المقرات الحكومية ودعوة لفرض السلطة الاتحادية في إقليم كردستان العراق

وانضمت جامعة السليمانية، الخميس، إلى حركة الاحتجاجات وأعلن موظفون في الجامعة عن قرار الأساتذة والطلبة بمقاطعة الدوام الرسمي حتى قيام السلطات بصرف الرواتب.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن أحد الموظفين قوله “الأساتذة وموظفو الجامعة لن يستأنفوا عملهم إلى نهاية العام الجاري، حتى يتم صرف مستحقاتهم المالية لثلاثة أشهر“.

وكانت عدّة مؤسسات حكومية في إقليم كردستان العراق تابعة لقطاعات مثل الصحة والتربية والقضاء قد شهدت إضرابات بسبب مسألة الرواتب المتأخرة.

وعلى الرغم من الوضع الاجتماعي المحتقن مازال الاتحاد الوطني يعمل على تأجيج الخلاف مع الحزب الديمقراطي بشأن آلية صرف الرواتب عبر تمسّكه بحرفية تطبيق قرار القضاء العراقي بشأن التوطين.

ونفى كاروان يارويس مقرر كتلة الاتحاد أن يكون التوطين قد تحقّق بنسبة عالية، وقال لوسائل إعلام تابعة للحزب “إن ما تناقلته القنوات الإعلامية في إقليم كردستان من تصريحات لديوان الرقابة المالية الاتحادي الذي يدعي أنّ  ثمانين في المئة من التوطين قد أنجز، هو سوء فهم، حيث كان القصد بالتوطين في تصريح الديوان هو مشروع ‘حسابي‘ وليس التوطين الحقيقي، فلا العراق افتتح فروع المصارف الحكومية في مدن الإقليم ولا الإقليم تخلى عن مشروع ‘حسابي‘، ولهذا لا ينبغي إفهام الرأي العام والمواطنين بالخطأ“.

كما جدّد موقف حزبه برفض مشروع ‘حسابي‘ مؤكّدا أن كتلة الاتحاد الوطني مصرة على توطين رواتب موظفي إقليم كردستان وتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية بهذا الشأن، مضيفا قوله “بذلنا جهودنا باستمرار في متابعة المسألة وجمعنا تواقيع مئة وخمسين من أعضاء مجلس النواب سلمناها إلى السوداني وتم إرسال الطلب إلى وزارة المالية الاتحادية والبنك المركزي“.

وأوضح أن “محافظ البنك وعددا من مدراء المصارف الاتحادية يعتمدون على توضيح المحكمة الاتحادية حول التوطين وليس نص القرار، حيث أن قرار المحكمة الاتحادية أقوى دستوريا وقانونيا من تفسيره“.

وجدّد يارويس تحميل حكومة الإقليم مسؤولية تعقيد الخلافات المالية وما يرتبط بها من اضطراب في صرف رواتب الموظفين قائلا “عدم تسليم الإيرادات غير النفطية من الإقليم إلى بغداد وعدم التوطين سيعمقان مشكلة الرواتب إلى مستوى إيقافها خلال المراحل القادمة، فالأولى للإقليم تغطية رواتب الموظفين من الواردات النفطية والنفط المباع وعدم إيقاع المسؤولية على الآخرين، حيث أن المسؤول الأول عن تأخير رواتب موظفي الإقليم هو حكومة إقليم كردستان وليس غيرها“.

ويلتقي طرح الاتحاد الوطني مع طرح حكومة بغداد التي حمّل رئيسها محمد شياع السوداني مؤخرا سلطات إقليم كردستان مسؤولية الخلافات المالية وما يرتبط بها من اضطراب وعدم انتظام في تحويل رواتب الموظفين، متهما إياها بعدم الإيفاء بأيّ من التزاماتها المتعلقة بالمسألة المالية تجاه حكومته، بينما ردّت حكومة الإقليم بإثارة وجود شبهة تسييس للقضية المالية ذات البعد الاقتصادي والتقني المحض.

3