الاتحاد العام التونسي للشغل ينأى بنفسه عن الوساطة في حل أزمة الرئاستين

سامي الطاهري: خياران أمام المشيشي إما التخلي عن الوزراء المعنيين بالاحتراز أو استقالة الحكومة.
الثلاثاء 2021/02/09
الاحتقان على أشده في غياب الوساطات

تونس - تتضاءل فرص إنهاء أزمة أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد في تونس، بعد رفض الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية ذات النفوذ الواسع في البلاد) التوسط في حل الأزمة بين رئاستي الجمهورية والحكومة بشأن التحوير الوزاري، مؤكدا أن الحل يكمن في الاستجابة لمطالب الرئيس التونسي قيس سعيد أو استقالة حكومة هشام المشيشي.

وقال سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل والناطق الرسمي باسمه لصحيفة المغرب التونسية إن أمام المشيشي خياران فقط لا ثالث لهما، إما أن يقرر الوزراء المعنيون بالاحتراز التخلي أو الاستقالة أو الاعتذار أو أن يتم إقالتهم من طرف رئيس الحكومة أو أن تستقيل الحكومة، معتبرا أن الحلّ الذي يخرج البلاد من المأزق الدستوري هو الأمثل والاتحاد لا يركز على حلّ دون سواه، فالمهم الخروج من الأزمة، والطرف الذي ورط البلاد فيها هو من المفروض أن يبحث عن حلّ لإخراجها منها.

وأضاف الطاهري أن "الاتحاد حاول التوسط في مسألة التحوير الوزاري قبل عرضه على البرلمان وطلب الانتظار وعدم التسرع، ولكن للأسف لم يتم الاستماع إليه، وبذلك سقطت الوساطة بعد قرار التحوير الوزاري، والاتحاد ليس مستعدا للقيام بأي وساطة جديدة ولا بدّ في هذا الاتجاه من احترام الدستور".

وتعيش تونس منذ حوالي أسبوعين على وقع أزمة أداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، أمام تواصل احتراز الرئيس التونسي على التحوير بصفة عامة، وعلى بعض الوزراء الذين تعلقت بهم شبهات فساد وتضارب المصالح بصفة خاصة.

وأشار الطاهري إلى وجود مأزق دستوري وتعطل سياسي، موضحا أنه تمّ إعلام الاتحاد بشكل أو بآخر أن هناك مساعي داخل الحكومة وليست هناك أي وساطة من الاتحاد كما يتم الترويج له، حيث أن هناك من يسعى داخل الحكومة إلى إقناع الوزراء الجدد من أجل التخلي أو الاعتذار أو الاستقالة.

وبيّن أن الرئيس سعيد كان قد عبر خلال لقائه مع الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي عن تمسكه بالإجراءات الدستورية ولم يقم بأي وساطة والاتحاد يتفهم كل من يحترم ذاته ويحترم الدستور، موضحا أن المأزق الدستوري يمكن أن يضر بأداء الحكومة ويعرقلها، ومن هذا المنطلق لا بدّ من إيجاد الحلول المناسبة في أقرب الآجال.

وكان المشيشي قام في 6 فبراير الحالي بتوقيع اتفاق الزيادة في الرواتب، في محاولة لكسب المركزية النقابية في صفه، معولا في ذلك على الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في إقناع الرئيس سعيد بتغيير موقفه، لكن مناورته باءت بالفشل، حيث أبدى سعيد رفضه المبدئي والمعلّل قانونيا للتحوير الوزاري برمّته.

وفي تصعيد للأزمة قررّ رئيس الحكومة التونسية التوجه إلى القضاء الإداري الاستشاري، وقام بتوجيه مراسلة رسميّة بخصوص الإشكال القانوني المتعلق بأداء وزراء المشيشي الذين شملهم التحوير اليمين أمام رئيس الجمهوريّة، لكن المحكمة الإدارية الاستشارية أكدت أنها ستقدم رأيها القانوني بخصوص الإجراءات التي رافقت التعديل برمته بما في ذلك أزمة "اليمين الدستورية"، لكن رأيها لن يكون ملزما.

واستند المشيشي في "شكواه" على عدم ردّ مؤسسة رئاسة الجمهوريّة على مراسلاته بخصوص أداء اليمين، حيث بعث بمراسلة لرئيس الدولة لتحديد موعد لأداء اليمين الدستورية للوزراء الجدد، وحين لم يتلق إجابة قام الاثنين بتوجيه رسالة تذكير، لكنّ مصالحه أخطأت في صياغة عنوان مراسلة التذكير، فعوض أن تكتب على الظرف ''إلى عناية رئيس الجمهورية'' كتبت ''إلى عناية رئيس الحكومة'' وفق ما أكّدته مصادر متطابقة، ما حدا بمصالح رئاسة الجمهوريّة إلى إعادة المراسلة إلى القصبة.

ويرى مراقبون أن المشيشي وحزامه السياسي (المتكون من حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة)، قد فاتهم أنّ المعركة التي يخوضونها هي معركة دستورية بالأساس، ما يعني أنّ المبادرة عادت رسميّا إلى الرئيس سعيد، الذي لم يغادر قط منطقته الخاصّة في الملعب، كما فاتهم أنّ غياب محكمة دستوريّة يجعل من رئيس الجمهوريّة هو المحتكر الوحيد تقريبا لتأويل الدستور.

وبات واضحا أنّ الرئيس سعيد استعاد المبادرة القانونيّة من يد المشيشي والأغلبيّة البرلمانيّة، بل إنّ أيّ وساطة في اتجاه تخفيف الاحتقان بين رأسي السلطة التنفيذية لم يعد لها أساسا من معنى، أضف إلى ذلك أن اللجوء إلى القضاء الإداريّ يُعد أمرا غير ذي جدوى، لأنّ الإشكال دستوري لا إداريّ، بل إنّ نظرية الإجراءات المستحيلة تسقط في اختبار القوّة الشرعيّة التي يمارسها سعيّد من موقف العارف لا من موقع "التّابع".

ويرى متابعون للشأن العام في تونس أنه كان يفترض برئيس الحكومة إنهاء الجدل الدائر بأن يعفي وزراءه الذين رفضهم قيس سعيّد، والانتقال من حالة الصراع القانوني، المؤسس على أجندات سياسية متناقضة، إلى حالة من التنازل السياسي، يتواضع فيها الفرقاء لتسبيق الأهمّ على المهمّ، وهو الشروع في إنقاذ البلاد من مصير مالي واقتصاديّ مخيف، لكن المشيشي اختار الاختباء وراء حزامه السياسي.

وتجلى ذلك في حدّة البيانات الصادرة عن حركة النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة حدّ تحميل الرئيس سعيد مسؤوليّة الشلل الذي تعرفه مؤسسات الدولة، وذلك في مغالطة كبرى يمكن أن تستشف من حالة التغيير الطارئة على النسيج الحكومي نفسه، الذي تحول من حكومة كفاءات مستقلة إلى حكومة حزبية وسياسية تتمتّع بأغلبيّة برلمانيّة، وهو ما يتناقض جوهريّا مع الدوافع التي تشكّلت بموجبها هذه الحكومة على أنقاض حكومة إلياس الفخفاخ.  

ويبدو أن التعويل على وساطة مفترضة يلعب فيها اتحاد الشغل دور الموفّق، وهو دور رفضته المنظمة، يعد خيارا عبثيا، ذلك أن هنالك معركة أخرى لا تقلّ ضراوة، ستندلع في القريب العاجل بخصوص حزمة الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي (كتلة الرواتب، والدعم، والتفويت في المؤسسات العمومية) في أزمة كانت مخارجها متاحة لحكومة المشيشي وحزامه لولا العناد والتعنّت.