الاتحاد العام التونسي للشغل وحركة النهضة يلتقيان على رفض المحاسبة

قيادة المنظمة الشغيلة تقطع خط العودة مع الرئيس سعيد.
الاثنين 2023/03/06
لا للمحاسبة

تشهد الساحة التونسية هذه الأيام حالة فرز مع توجه الاتحاد العام التونسي للشغل إلى احتضان جميع قوى المعارضة بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية، وسط اعتقاد بأن تفعيل الرئيس قيس سعيد لمبدأ المحاسبة قد سرع المضي في هذا المسار الذي يحذر البعض من أنه ستكون له كلفته الباهظة لاسيما على المنظمة الشغيلة، التي حادت عن دورها الاجتماعي  بقرار قيادتها اعتلاء منصة السياسة.

تونس - اعتُبِر حضور قيادات من حركة النهضة الإسلامية في المسيرة التي دعا إليها الاتحاد العام التونسي للشغل بمثابة إعلان تحالف بين المنظمة الشغيلة والحركة الإسلامية، في مواجهة السلطة السياسية الممثلة في الرئيس قيس سعيد.

وتقول أوساط سياسية تونسية إن مشاركة عدد من قيادات النهضة، وبينهم القيادي محمد القوماني، في المسيرة التي شهدتها العاصمة تونس السبت تعكس تحولا في مقاربة اتحاد الشغل حيال سبل المواجهة مع السلطة، لاسيما في ظل مخاوف متزايدة لدى القيادة النقابية من أن تطالها رياح المحاسبة هي الأخرى.

وتشهد تونس منذ الشهر الماضي حملة إيقافات متواترة شملت قيادات من حركة النهضة ومسؤولين تقلدوا مهام وزارية ومسؤوليات خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وأيضا قاضيين ورجل أعمال نافذا في الدولة.

نورالدين الطبوبي: أحيي الحقوقيين والسياسيين في سجن المرناقية
نورالدين الطبوبي: أحيي الحقوقيين والسياسيين في سجن المرناقية

ويتعلق بعض الاتهامات بالتآمر على أمن الدولة، وبعضها الآخر يتعلق بالفساد والإثراء غير المشروع، وسط تصاعد المطالبات الشعبية بضرورة فتح ملفات قيادات نقابية، بعضها في المكتب التنفيذي الحالي.

وترى الأوساط أن قيادة الاتحاد لم تعد تخشى فقط من فقدان المنظمة العمالية لنفوذها السياسي الذي اكتسبته عقب الثورة، وإنما أيضا تشعر بالقلق حيال إمكانية أن تطالها المحاسبة، التي يعتبرها الرئيس سعيد أولوية قصوى، ذلك أنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح دون تفعيل هذا المبدأ.

وقال نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل خلال المسيرة “سنواصل الدفاع عن الحريات وكل الحقوق ومهما كلفنا ذلك.. لا نخشى السجون والاعتقالات”. وأضاف “أحيي الحقوقيين والسياسيين في سجن المرناقية”، في إشارة إلى الموقوفين في الآونة الأخيرة.

وبدا أن الغاية من هذه المسيرة الاحتجاجية هي عملية استعراض عضلات من قبل المنظمة النقابية، وأنها مستعدة لأن تكون المظلة الجامعة لجميع القوى المعارضة لقيس سعيد، بما في ذلك جبهة الخلاص التي تتزعمها حركة النهضة.

وكان اتحاد الشغل قد أظهر في البداية تماهيا مع مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021، حينما جمد الرئيس التونسي عمل البرلمان، وحل حكومة هشام المشيشي، وأعلن لاحقا عن خارطة طريق لتركيز مؤسسات بديلة تنهي حالة “التعفن السياسي” الذي طبع المشهد التونسي خلال السنوات الماضية، وأثر بشكل واضح على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.

وكانت قيادة الاتحاد تعتقد أنه سيكون لها دور أساسي في صياغة خارطة الطريق، كما جرت العادة خلال السنوات الماضية، حيث مثّل الاتحاد طرفا رئيسيا في صياغة التوافقات السياسية وإدارة عملية الحكم في البلاد، لكن الرئيس التونسي كان له موقف آخر، إذ عمد إلى تحييد المنظمة النقابية.

هذا الأمر لم تستسغه قيادة اتحاد الشغل التي بدأت تعمل على ترك مسافة بينها وبين الرئيس سعيد، ومع مرور الوقت ومضي الرئيس قدما في خارطة الطريق التي استحدثها سعت المنظمة إلى اعتماد سياسة العصى والجزرة، فمن جهة تلوح بإضرابات ومن جهة ثانية تدعو سعيد إلى التجاوب معها.

وخلال تلك الفترة كانت المنظمة الشغيلة تحرص على عدم التقارب مع المعارضة السياسية لاسيما مع جبهة الخلاص التي تقودها حركة النهضة، على أمل الحفاظ على خط العودة إلى قصر قرطاج، لكن التطورات الأخيرة وإصرار الرئيس على تحقيق التغيير بغير الأدوات والأساليب السابقة وتفعيله لمبدأ المحاسبة، جعل قيادة الاتحاد تعيد النظر في  موقفها، وتطرح نفسها كبديل جامع للقوى المعارضة.

الاتحاد يسلك طريق المواجهة
الاتحاد يسلك طريق المواجهة

وتقول الأوساط السياسية إن اختيار الاتحاد هذا النهج هو بمثابة لعب بالنار، حيث أنه من جهة سيسقط القناع عن طموحاته السياسية التي تتخفى خلف مطالب الطبقة الشغيلة، ومن جهة ثانية ستكون المنظمة الشغيلة وقودا لمعركة حركة النهضة مع السلطة السياسية.

وتلفت الأوساط إلى أن النهضة من صالحها أن يتصدر اتحاد الشغل جبهة المعارضة السياسية، بعد انحسار شعبيتها بشكل كبير.

وشكل فشل حركة النهضة في المسيرة الاحتجاجية التي دعت إليها الأحد خير دليل على اضمحلال  شعبية الحركة، حيث لم تستطع رفقة باقي القوى الممثلة داخل جبهة الخلاص حشد الشارع، ولم يتجاوز عدد الحضور بضع مئات.

وقد قوبل هذا الحضور الضعيف بمرونة من قبل السلطات التونسية التي سمحت للمحتجين بالتظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، على الرغم من صدور قرار سابق بعدم منح ترخيص لهذه التظاهرة.

وتمكن المحتجون من اجتياز حاجز للشرطة في وسط تونس العاصمة، وقبل أن يخترق هؤلاء الحاجز حذرتهم الشرطة عبر مكبرات الصوت من أن مظاهرتهم غير قانونية لكنها أضافت أنها لن تمنعهم بالقوة.

وقال أحمد نجيب الشابي زعيم جبهة الخلاص “نحن هنا من جديد رغم حملة الاعتقالات العشوائية التي تستهدف رموز المعارضة. سنواصل المقاومة لإطلاق سراح المعتقلين ولكن أيضا للتصدي للانقلاب”.

وتعتمد حركة النهضة على الشابي في تصدر جبهة المعارضة بحكم أنه شخصية محسوبة على القوى التقدمية، مع أنه لا يملك في واقع الأمر أي حضور وازن في الشارع التونسي، وهو ما  ترجم في محطات انتخابية سابقة.

 

• اقرأ أيضا:

          المعادلة التونسية تتعقد وقيس سعيد نجم الكاميرات الجليّة والخفية

4