الاتحاد السوفييتي حي يرزق على يد روسيا بوتين

موسكو – لم يترك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي هامش للمناورة أمام القوى الغربية للتأثير في مجريات الاحتجاجات في كازاخستان ومحاولة سحبها من دائرة النفوذ التقليدي لروسيا، مؤكدا أن بلاده لن تسمح بـ”ثورات ملونة” جديدة في تكرار للاحتجاجات التي فككت الاتحاد السوفييتي ودولا حليفة له.
وتعتقد روسيا أن الثورات والنزعات الانفصالية في فنائها الخلفي ليست سوى وصفة غربية لتطويق نفوذها في المنطقة، وخاصة الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفييتي، في الوقت الذي يرسل فيه بوتين إلى الدول الغربية رسائل واضحة يفيد فحواها بأن الاتحاد السوفييتي حي يرزق وأن لا سبيل لثورات جديدة.
وما كان لافتا هو سرعة تحرك القوات الروسية وانتشارها في كازاخستان، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو سياسة التصعيد مع الغرب في أوكرانيا مما يرسل إشارة واضحة إلى الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص تفيد بأن روسيا قادرة على مواجهة التصعيد على أكثر من جبهة.
وقال بوتين الاثنين إن الاضطرابات في كازاخستان تم استغلالها من قبل قوى داخلية وخارجية، وإن التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا لن يسمح لأي قوى أخرى بزعزعة استقرار الدول الأعضاء.
موسكو تؤكد أن التحالف العسكري لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا لن يسمح لأي قوى أخرى بزعزعة استقرار الدول الأعضاء
وأضاف أن نشر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي منع الجماعات المسلحة من تقويض أساس السلطة في كازاخستان وأنه سيتم سحب القوات بمجرد إتمام مهمتها.
وقال إن هذه الأحداث ليست الأولى من نوعها ولن تكون المحاولة الأخيرة للتدخل في شؤون المنطقة، وإن منظمة معاهدة الأمن الجماعي لن تسمح بحدوث “ثورات ملونة”، في إشارة إلى العديد من الثورات في دول الاتحاد السوفييتي السابق على مدى العقدين الماضيين.
واعتبر أن كازاخستان كانت ضحية “إرهاب دولي”، مؤكدًا أن هذه “العصابات المسلحة” تمتلك “خبرة قتالية واضحة” وتم تدريبها في “مراكز في الخارج”.
ويعتقد محللون أن الرئيس الروسي يعتمد القوة كوسيلة للدفاع بدل الرهان على المفاوضات التي تظهر الضعف وتسمح بتنفيذ الأجندات الخارجية، وأنه يستعيد تجربة التدخل المباشر في سوريا والقرم لمنع سقوط كازاخستان والنظام الحليف فيها من خلال إرسال قوات روسية للمساعدة على وقف الاحتجاجات.
وتشترك كازاخستان مع روسيا في حدود طولها 6846 كيلومترا، وهي ثاني أطول حدود في العالم، وبسبب هذا الامتداد يعمل المسؤولون الروس على الاستعانة بتقنيات السلاح المتطورة ومرونة نقل المعدات اعتمادا على شبكة سكة حديد فعالة، حيث يمكن في وقت قصير نقل القوات من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق.
وتم إرسال مظليين روس إلى كازاخستان بناء على طلب من رئيسها قاسم جومارت توكاييف للمساعدة على تحقيق “استقرار” البلاد.
وأُرسِلت هذه القوة تحت سلطة منظمة معاهدة الأمن الجماعي (سي أس تي أو) التي تضم كلا من روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وأرمينيا.

ويُعتقد أنه تم إرسال 2500 جندي إلى كازاخستان من دول أخرى في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، ولكن معظم القوات من روسيا.
وتقول منظمة معاهدة الأمن الجماعي إن تلك القوات هي قوة لحفظ السلام ستحمي المنشآت الحكومية والعسكرية مثل خطوط أنابيب الغاز والقواعد العسكرية الروسية ومحطة الفضاء الروسية في بايكونور. وعزت المنظمةُ المشاكلَ التي تشهدها مدينة ألماتي إلى “غزو تشكيلات رجال العصابات المدربين من الخارج”.
وبفضل هذه القوات بدأت الحياة تعود إلى سالف عهدها تدريجيّا في ألماتي -أكبر مدينة في كازاخستان- التي كانت مسرحا لأعنف الاضطرابات. وأعادت السلطات خدمة الإنترنت بشكل متقطع، لكن واجهات المباني العامة المحترقة وهياكل السيارات المتفحمة تدل على شدة العنف الذي اتسمت به الصدامات.
وأكد رئيس كازاخستان الاثنين أن أعمال الشغب التي هزت بلاده كانت “محاولة انقلاب”، قبل أن يتعهد بأن القوة العسكرية بقيادة روسيا التي انتشرت في البلاد ستنسحب “قريبا”.
وأشار إلى أن البلاد كانت ضحية قوات “إرهابية” منظمة تضم في صفوفها “إسلاميين” و”مجرمين” و”مخربين”، وظّفت الاحتجاجات على رفع أسعار المحروقات في محاولة قلب السلطة.
وأُعلن الاثنين يوم حداد وطني في كازاخستان في حين عادت خدمة الإنترنت والاتصالات المحمولة والمواصلات العامة تدريجيا في ألماتي. وتواصلت حملات الاعتقال، حيث أُوقف نحو ثمانية آلاف شخص في سائر أنحاء البلاد، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية.
وإلى جانب الاحتجاجات على ارتفاع كلفة المعيشة صب المتظاهرون جام غضبهم أيضا على الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف الذي حكم كازاخستان بقبضة حديدية من 1989 حتى 2019، قبل أن يسلم مقاليد الحكم إلى حليفه توكاييف.
ولم يظهر نزارباييف علنًا منذ بدء الاضطرابات وسط تكهنات تفيد بمغادرته البلاد، وأكد أيدوس أوكيباي المتحدث باسمه السبت أن الرئيس السابق دعا السكان إلى دعم الحكومة.