الاتجار بالإقامات على لائحة الملفات المشمولة بالحسم الجذري في الكويت

معالجة ملف العمال الوافدين في إطار التوازن بين الجوانب الأمنية والحقوقية وحاجة سوق العمل إلى اليد العاملة.
الخميس 2024/11/14
مُرحب بهم طالما لم يقفزوا من شباك الاستقدام غير القانوني

الكويت - أضافت السلطات الكويتية ملف التلاعب بإقامات الأجانب إلى قائمة الملفات المتلكئة منذ سنوات والتي شُرع في حسمها بشكل جذري، في نطاق عملية الإصلاح الشامل التي أطلقها أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح وفتح الطريق لاتخاذ القرارات بشأنها وإنجازها بسرعة وسلاسة بتعليقه المؤقت لمواد في الدستور وحلّه البرلمان الذي كان يشكل قيدا على عملية اتخاذ القرار وتنفيذه.

ووافق مجلس الوزراء الكويتي خلال جلسة عقدها برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف على مشروع مرسوم بقانون يتعلّق بإقامة الأجانب بهدف حظر الاتجار بالإقامة وتحديد قواعد إبعاد وإخراج الأجانب وتغليظ العقوبات على من يخالف أحكام القانون المتعلّقة بهذا الشأن.

وتحوّلت التجاوزات في هذا الملف خلال السنوات الماضية إلى مشغل من مشاغل السلطات الأمنية وأصبحت قضايا الاتجار بالإقامات متواترة الحضور في المنابر القضائية بعد أن اتّخذت أبعادا استثنائية نظرا لتوسّعها وانتشارها وتورّط عدد من كوادر الدولة فيها.

وتنطوي هذه التجارة غير المشروعة على مخاطر أمنية على البلد وتساهم في الإخلال بتركيبته السكانية عبر إغراقه بعمالة أجنبية هامشية فائضة عن الحاجة، كما تؤثّر على سمعته الدولية عندما تنحو منحى الاتجار بالبشر المجرّم في القوانين الدولية والمحرّم حقوقيا.

ونشرت وسائل إعلام محلية كويتية جانبا من تفاصيل مشروع المرسوم الجديد المتكون من سبعة فصول تتعلق بدخول الأجانب إلى الأراضي الكويتية وإخطار الجهات المختصة بذلك، كما تعالج إقامة الأجانب والاتجار بالإقامة والجرائم المترتبة عليها وقواعد إبعاد وإخراج الأجانب والعقوبات التي ستسلّط على المخالفين.

◙ هذه التجارة غير المشروعة تنطوي على مخاطر أمنية على البلد وتساهم في الإخلال بتركيبته السكانية عبر إغراقه بعمالة أجنبية هامشية فائضة عن الحاجة

ويحتوي المشروع على ستة وثلاثين مادة منها ما يتعلق بحظر الاتّجار بالإقامة عن طريق استغلال استقدام أو تسهيل استقدام أجنبي بموجب سمة دخول أو ترخيص إقامة أو تجديدها نظير مبالغ مالية أو منفعة.

ونصّت إحدى المواد على أنه يحظر على صاحب العمل أو مستقدم الأجنبي تشغيله في غير غرض استقدامه أو تمكينه أو تسهيل عمله لدى الغير دون ترخيص من وزارة الداخلية أو الامتناع دون وجه حق عن سداد مستحقاته، كما يحظر على الأجنبي العمل لدى الغير دون إذن من جهة عمله الحكومية أو من الجهات المختصة، وفي جميع الأحوال يحظر على الغير إيواء أو استخدام الأجنبي سواء كانت إقامته سارية أو منتهية كما يحظر عليه إسكانه إذا لم تكن له إقامة صالحة في البلاد.

ونصت مادة أخرى في مشروع المرسوم على أنه يجب على مستقدمي الأجنبي إخطار الجهة المختصة في وزارة الداخلية بانتهاء سمة دخول الأجنبي أو إقامته المؤقتة أو العادية في حال عدم مغادرته البلاد. وسبق للقضاء الكويتي أن أدان مسؤوليْن حكومييْن سابقيْن ونائبا سابقا في البرلمان الكويتي ومرشّحا سابقا للانتخابات البرلمانية، ونائبا في برلمان بنغلاديش في قضية تتعلّق بالاتجار بالإقامات، وحكمت عليهم بالسجن سبع سنوات وغرامة مالية.

وفي أغسطس الماضي أعلنت وزارة الداخلية الكويتية عن ضبط عصابة متخصصة في الاتجار بالإقامات تضم سوريين ومصريين، كانوا يجنون من وراء كل إقامة يستحصلونها لوافد دون سند قانوني مبالغ تتجاوز الثلاثة آلاف دولار. وتم في نطاق القضية ذاتها ضبط كل من تورط في الأمر أو قدم أي تسهيلات للوافدين سواء من كفلائهم الكويتيين أو غيرهم.

وقالت الوزارة آنذاك إن العصابة مكونة من ستة أشخاص تورطوا في الاتجار بالإقامات عبر إنشاء شركات وهمية غير قائمة على أرض الواقع عن طريق التزوير والتلاعب بالمستندات. وأوضحت أن أفراد العصابة قاموا بتسجيل وجلب عدد من العمال إلى البلاد مقابل مبالغ مالية قاصدين الربح غير المشروع. وتوعدت بالتصدي “لأي شكل من أشكال الاتجار بالإقامات أو مخالفة القانون،” ومواصلة “توجيه الضربات إلى تجار الإقامات.”

ويعتبر الاتجار بالإقامات من القضايا البسيطة ظاهريا لكنّ حلها لم يتح في سنوات سابقة بالشكل المطلوب نظرا لوجود مشاكل في اتخاذ القرار الحكومي وتنفيذه. وتدور حول ملف العمال الوافدين إلى الكويت سلسلة من المشاكل تتراوح بين إغراق سوق العمل بعمالة هامشية غير مختصة وبين حدوث خلل في التركيبة السكانية، وارتفاع فاتورة التحويلات المالية من قبل الأجانب الموجودين في البلاد نحو بلدانهم الأصلية.

◙ الاتجار بالإقامات يعد من القضايا البسيطة ظاهريا لكن حلها لم يتح في سنوات سابقة بالشكل المطلوب نظرا لوجود مشاكل في اتخاذ القرار الحكومي وتنفيذه

وتريد السلطات معالجة الملف من مختلف جوانبه غير مغفلة جانبه الإنساني والحقوقي المهم لصورة البلد وسمعته. وتم في هذا الإطار التلويح باتخاذ إجراءات صارمة لضمان حصول العمال على جميع مستحقاتهم المالية من مشغليهم بشكل كامل ومستدام. وهدّد الشيخ فهد اليوسف في وقت سابق بملاحقة الشركات التي لا تلتزم بدفع رواتب عمّالها بشكل منتظم، مشدّدا على أنّ “سمعة الكويت فوق كلّ اعتبار.”

وقال خلال لقاء جمعه مع ممثلي عدد من الشركات إنه سيتم التعامل بكل حزم واتخاذ الإجراءات القانونية الفورية بحق الشركات التي تخالف قرار مجلس الوزراء بشأن دفع أجور عمال الشركات بانتظام، مؤكّدا أنه “لا أحد فوق القانون” الذي “سيطبق على الجميع بمسطرة واحدة.”

وربط الالتزام بإيفاء العمال حقوقهم المادية بالحفاظ على سمعة البلاد التي قال إنّه لن يُسمح لأحد بالإضرار بها، خصوصا في مجال حقوق الإنسان لأن "سمعة الكويت فوق كل اعتبار".

كما تعهّد بأن يتابع أولا بأول التزام الشركات بدفع أجور عمالها، حيث أن تأخير وتخاذل بعض الشركات في دفع أجور العمال يدفعهم إلى الاعتصام أو الإضراب، وهو ما يترتب عليه تعطيل العمل. وحذّر مخالفي القرارات الحكومية ذات الصّلة من أنه ستكون هناك جولات تفتيشية مكثفة على جميع الشركات للتأكد من تطبيقها قرار مجلس الوزراء وتسليمها الرواتب لأصحابها، مشددا على أنه سيتم اتخاذ إجراءات قانونية فورية بحق الشركات المخالفة.

وتراعي السلطات الكويتية عامل التوازن بين منع فتح البلد أمام عمليات استقدام عشوائي لليد العاملة من الخارج، وتلبية حاجة سوق العمل إلى العمال الوافدين. وفي هذا الإطار برز مؤخرا التوجّه نحو مراجعة قيود كانت وضعتها سلطات البلاد في وقت سابق على عمل الوافدين الأجانب إلى البلاد والبالغين ستين سنة من العمر وذلك في إطار سلسلة من القرارات والإجراءات التي تمّ إقرارها آنذاك ضمن مخطّط يستهدف رفع نسبة توطين الوظائف كجزء من عملية ما يعرف بتعديل التركيبة السكانية والحدّ من عدد الوافدين.

وتحدّثت مصادر مطلعة عن وجود توجّه لدى حكومة الشيخ أحمد العبدالله لإجراء تعديلات جذرية على قرار الهيئة العامة للقوى العاملة رقم أربعة وثلاثين لسنة 2022 والمتعلق بالعمال الوافدين ممن بلغوا الستين عاما فما فوق من حملة شهادة الثانوية العامة وما دونها أو ما يعادلها. وقالت المصادر التي نقلت عنها وسائل إعلام محلية، إنّ هذا التوجّه أملته العوائق الذي ظهرت مع تطبيق هذا القرار منذ دخوله حيّز النفاذ وما خلّفه من آثار سلبية على سوق الشغل في الكويت.

3