الإيطاليون يصوتون في انتخابات تشريعية وسط توقعات بفوز اليمين المتطرف

وصول زعيمة "إخوة إيطاليا" إلى السلطة سيشكل زلزالا حقيقيا في إيطاليا وفي الاتحاد الأوروبي باعتباره سابقة تعبّد الطريق أمام الأحزاب الاحتجاجية المتطرفة للصعود إلى سدة الحكم.
الأحد 2022/09/25
انتخابات مبكرة قد تجر البلاد نحو منعطف سياسي تاريخي

روما - فتحت الأحد مراكز التصويت في إيطاليا أبوابها أمام الناخبين لاختيار برلمان جديد، من المتوقع أن يسيطر التحالف اليميني بقيادة جورجيا ميلوني على الغالبية العظمى من مقاعده، ما قد يجر البلاد نحو منعطف سياسي تاريخي.

وكان الناخبون يقفون في صفوف انتظار أمام مراكز الاقتراع قبل أن تفتح أبوابها في الساعة الخامسة صباحا بتوقيت غرينتش. وتستمر عمليات التصويت حتى الساعة التاسعة ليلا بتوقيت غرينتش، على أن تصدر بعد ذلك أولى استطلاعات الرأي.

ودعي لهذه الانتخابات التشريعية المبكرة في يوليو عقب انهيار حكومة الوحدة الوطنية بقيادة رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي، بعدما سحبت ثلاثة أحزاب في ائتلافه، وهي حزب "فورتسا إيطاليا" (يمين وسط) بزعامة سيلفيو برلوسكوني، و"الرابطة" (يمين متشدد) بزعامة ماتيو سالفيني، و"حركة خمس نجوم" الشعبوية المعادية للهجرة، دعمها له.

وفي ظل توقعات تمنح حزب "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) من الفاشيين الجدد حوالي ربع نوايا الأصوات، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، من المرجح أن تتولى زعيمته جورجيا ميلوني (45 عاما) رئاسة حكومة ائتلافية تكون الهيمنة فيها لليمين المتطرف على حساب اليمين التقليدي.

وسيشكل ذلك زلزالا حقيقيا في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، إنما كذلك في الاتحاد الأوروبي الذي سيضطر إلى التعامل مع السياسيّة المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

ويرى محللون أن وصف الانتخابات الإيطالية التشريعية بأنها تاريخية لا يستند فقط إلى أن سيدة تقدم نفسها بخطاب قومي متشدد كمنقذة للبلد من مشاكل غياب الاستقرار السياسي، بل لأن حزبها المرشح للفوز والتربع على قائمة أكبر الأحزاب البرلمانية لا يثير فقط زوابع عن شبح الفاشية لدى قادته وكتلة وازنة من ناخبيه، بل لأنه يمثل أيضا سابقة تعبّد الطريق أمام الأحزاب الاحتجاجية المتطرفة على مستوى الاتحاد الأوروبي للوصول إلى السلطة، أو تعقّد مشهد معسكر الوسط في الحياة السياسية - الحزبية في دول الاتحاد.

وحذّرت زعيمة الحزب خلال حملتها الانتخابية من أن "الكل قلق في أوروبا لرؤية ميلوني في الحكومة... انتهت الحفلة، وستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها الوطنية".

ونجحت ميلوني، المعجبة سابقا بموسوليني والتي ترفع شعار "الله، الوطن، العائلة"، في جعل حزبها مقبولا كقوة سياسية وطرح المسائل التي تحاكي استياء مواطنيها وإحباطهم ببقائها في صفوف المعارضة، في حين أيدت الأحزاب الأخرى حكومة الوحدة الوطنية بزعامة ماريو دراغي.

قلق أوروبي من وصول جورجيا ميلوني إلى السلطة
قلق أوروبي من وصول جورجيا ميلوني إلى السلطة

لكن الأمور لم تُحسم بعد، ولفتت إميليانا دو بلازيو، أستاذة علم الاجتماع في جامعة لويس في روما، إلى أن "لا يمكن التكهن بنتيجة الانتخابات التي تحددها المشاعر واللحظة الأخيرة"، مشيرة إلى دور الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، ويقدر عددهم بحوالي 20 في المئة، وإلى أهمية نسبة المشاركة.

وقد تنطوي الانتخابات على مفاجآت، ولاسيما في جنوب البلاد، في ما يتعلق بنتائج "حركة خمس نجوم" المعارضة لمؤسسات الحكم، والتي يُنسب إليها إقرار حدّ أدنى للرواتب للأكثر فقرا، والحزب الديمقراطي (يساري) الذي يملك قاعدة قوية محليا.

وأيا تكن الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات لتتولى مهامها اعتبارا من نهاية أكتوبر، فهي تواجه منذ الآن عقبات على طريقها.

فستتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحاد في الأسعار، في وقت تواجه إيطاليا دينا يمثل 150 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، أعلى نسبة في منطقة اليورو بعد اليونان.

وإيطاليا بحاجة ماسة من أجل الاستمرار إلى المساعدات التي يوزعها الاتحاد الأوروبي في إطار خطته للإنعاش الاقتصادي بعد وباء كوفيد - 19، والتي يمثل هذا البلد أول المستفيدين منها وبفارق كبير عن الدول الأخرى.

وأوضح المؤرخ مارك لازار أن "إيطاليا لا يمكن أن تسمح لنفسها بالاستغناء عن هذه المبالغ المالية"، معتبرا "هامش التحرك أمام ميلوني محدودا جدا" على الصعيد الاقتصادي. في المقابل، بإمكانها الوقوف في صف وارسو وبودابست في معركتهما مع بروكسل "حول مسائل الدفاع عن المصلحة الوطنية بوجه المصالح الأوروبية".

ومثلما فعلت قبلها زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، تخلت جورجيا ميلوني في نهاية المطاف عن مشروعها القاضي بالخروج من اليورو، لكنها تطالب بـ"مراجعة قواعد ميثاق الاستقرار" المعلقة بسبب الأزمة الصحية، والتي تحدد سقف العجز في ميزانية الدول وديونها بـ3 في المئة و60 في المئة على التوالي من إجمالي ناتجها المحلي.

وفي المسائل الاجتماعية، تعتمد ميلوني المتحدرة من روما مواقف محافظة متشددة، وهي أعلنت في يونيو "نعم للعائلة الطبيعية، لا للوبي مجتمع الميم! نعم للهويّة الجنسية، لا لأيديولوجيا النوع الاجتماعي!".

كما أن وصولها إلى السلطة سيؤدي إلى إغلاق حدود بلد يصل إلى سواحله سنويا عشرات الآلاف من المهاجرين، وهو ما يثير مخاوف المنظمات غير الحكومية التي تغيث مهاجرين غير قانونيين، يعبرون البحر في مراكب متداعية هربا من البؤس في أفريقيا.

ويتفق الخبراء منذ الآن على أن مثل هذا الائتلاف الحكومي الذي ستواجه فيه ميلوني تحديا حقيقيا في التعامل مع حلفاء مربكين سواء سيلفيو برلوسكوني أو ماتيو سالفيني، لن يستمر طويلا في بلد معروف بافتقاره إلى الاستقرار الحكومي.