الإندبندنت ستتخلى عن خُمس موظفيها.. التمويلات الأجنبية لا تكفي للإنقاذ

تتجه صحيفة الإندبندنت البريطانية إلى تخفيض الوظائف لديها بسبب التراجع في سوق الإعلانات الرقمية وتدهور الظروف الاقتصادية، حيث لم ينجح المستثمرون الأجانب في تلافي هذا الخيار الصعب.
لندن - لم تنج صحيفة الإندبندنت البريطانية من مخاطر تراجع سوق الإعلانات الرقمية، رغم الاستثمار السعودي فيها والدعم المالي السنوي المباشر مقابل إعادة استخدام اسم الصحيفة وبعض موضوعاتها في النسخة العربية “إندبندنت عربية” وهي مضطرة الآن إلى خفض التكاليف والاستغناء عن خُمس الموظفين.
وذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن الإندبندنت عرّضت مصير 52 من الموظفين لديها للفصل، 30 منهم في مناصب تحريرية، من بين حوالي 240 موظفًا، حيث أن التراجع في سوق الإعلانات الرقمية وتدهور الظروف الاقتصادية في المملكة المتحدة يجبر الناشر على الإنترنت فقط على السعي لخفض التكاليف.
وكانت الإندبندنت أطلقت أربعة مواقع لها باللغات العربية والتركية والفارسية والأوردو عقب تعاقد الصحيفة البريطانية المرموقة مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق “SRMG”.
وتنشر المواقع الأربعة أخبارا وتحليلات عن الأحداث والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى مقالات وتقارير مترجمة من النسخة الإنكليزية الأم.
وقال المدير العام لمؤسسة الإندبندنت الإعلامية زاك ليونارد إن الصفقة الجديدة ستمكن الصحيفة البريطانية من الوصول بمعدل أسرع إلى جمهور الشرق الأوسط.
يذكر أن شركة “SRMG” تمتلك وتدير عددا من المشاريع الصحافية العربية البارزة، بالإضافة إلى مواقع ناطقة بالأوردو والماليالامية (إحدى لغات جنوب الهند) وهي تعد رافدا ماليا مهما لهذه المشاريع الإعلامية.
لكن زاك ليونارد الرئيس التنفيذي قال في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين الأربعاء “نحن في خضم مناخ اقتصادي شديد الصعوبة، حيث تؤثر الرياح المالية المعاكسة على الصناعة بأكملها. وبالنظر إلى هذه الظروف المعاكسة، كان على مجلس الإدارة مراجعة موارد أعمالنا، وعند القيام بذلك تم الاقتراح بموجب التشاور خفض تكاليف التشغيل، وسيتم إغلاق بعض الوظائف في العمل”.
وقال تقرير صحيفة الغارديان إن الحاجة إلى خفض التكلفة كانت مدفوعة بالتراجع في سوق الإعلانات الرقمية الذي أثر أيضًا على شركة ميتا مالكة فيسبوك وإنستغرام، كما سجل موقع يوتيوب المملوك من قبل فيسبوك أول انخفاض على الإطلاق في الإيرادات، بالإضافة إلى تغيير فيسبوك الخوارزمية على المحتوى الذي يظهر في موجز الأخبار للمستخدمين والتي تم تنفيذها في وقت سابق من هذا العام.
وقالت صحيفة الإندبندنت إنه على الرغم من الاستثمار والنمو في مجالات تشمل خدمة التلفزيون عبر الإنترنت ونشاط التجارة الإلكترونية والتوسع في الولايات المتحدة، فإنها تحتاج الآن إلى خفض التكاليف.
وتأتي التخفيضات على الرغم من أن أحد المساهمين في صحيفة الإندبندنت رجل الأعمال الروسي – البريطاني إيفجيني ليبيديف دخل أساسا مجال الاستثمار في الصحافة لمضاعفة أرباحه العام الماضي من 2.7 مليون جنيه إسترليني إلى 5.48 مليون جنيه إسترليني.
وذكر ليونارد وبروتون أن الموظفين المتضررين قد تم إطلاعهم على الخطط و”ستتم مناقشة جميع الأدوار الجديدة المتاحة معهم على سبيل الأولوية، قبل الإعلان عن أيّ شيء خارجيًا”.
ويبدو أن الاستثمار الأجنبي للصحيفة لم يكن كافيا لتعويض تراجع الإعلانات الرقمية، وقد استحوذ مستثمر سعودي على حصة كبيرة من موقع الإندبندنت الذي يملكه ليبيديف، وذلك كجزء من مخطط الدفع بالموقع إلى منطقة الشرق الأوسط.
وحصل محمد أبوالجدايل على حصة هامة تقدر بنسبة 30 في المئة في شركة “ديجيتال نيوز أند ميديا”، وهي الشركة الأم للموقع الإلكتروني، بما في ذلك الأسهم التي بيعت له من قبل المساهمين الأصغر حجما في عامي 2017 و2018.
وقد قلّص إيفجيني، ابن الوكيل السابق في لجنة أمن الدولة والملياردير ألكسندر ليبيديف، من أسهمه من 60 في المئة إلى 41 في المئة. فضلا عن ذلك، قلّص مستثمر ثالث وهو جوستين بيام شو رئيس مجلس إدارة الإندبندنت من حصته التي تفوق 30 في المئة لتصبح 26 في المئة.
وقد تحدثت صحيفة الفايننشال البريطانية عن هذه الصفقة في يناير 2018، وذكرت أن المستثمر السعودي يريد أن يصدر نسخا رقمية منها باللغتين العربية والأوردية.
ويملك أبوالجدايل نصف أسهم شركتي الإندبندنت وإيفنينج ستاندرد، ويعود النصف الثاني إلى شركة “وندرز إنفستمنتس” التي يديرها بنك سعودي تابع للدولة.
ويرى محللون أن الهدف من الاستثمار في الصحافة لا ينبغي أن يكون مقتصرا على تحقيق الأرباح فهناك دائما نظرة أبعد بكثير من ذلك، تتعلق بالتأثير على الرأي العام وتحريك بوصلة الأحداث، وهو ما دفع الاستثمار السعودي إلى التوجه نحو صحيفة بريطانية تملك حضورا قويا.
وصرّح تشارلي بيكيت أستاذ الإعلام في كلية لندن للاقتصاد قائلا “لا أحد يستثمر في الصحافة لتحقيق أرباح سهلة، لذلك يجب أن يكون الدافع وراء ذلك هو الرغبة في تغيير الوضع والتأثير”.
وأفادت صحيفة الإندبندنت، التي أنهت إصداراتها المطبوعة في عام 2016 بينما بدأت في نفس الوقت في تعزيز وجودها رقميا في الولايات المتحدة، أنها حققت زيادة بنسبة 36 في المئة في الإيرادات على أساس سنوي من 30 مليون جنيه إسترليني إلى 41 مليون جنيه إسترليني في عام 2021.
على الرغم من الاستثمار والنمو في مجالات تشمل خدمة التلفزيون عبر الإنترنت ونشاط التجارة الإلكترونية والتوسع في الولايات المتحدة، فإن الإندبندنت تحتاج الآن إلى خفض التكاليف
ومنذ إغلاق الصحيفة، ارتفع عدد روّاد الموقع على الإنترنت إلى أكثر من الضعف. كما شهد الموقع ارتفاعا مفاجئا في عدد القراء بالولايات المتحدة.
وارتفعت عائدات الصحيفة الإلكترونية في المملكة المتحدة بنسبة 57 في المئة من 15 مليون جنيه إسترليني إلى 23.5 مليون جنيه إسترليني، وارتفعت إيرادات الولايات المتحدة وكندا بنسبة 29 في المئة من 7.6 مليون جنيه إسترليني إلى 9.9 مليون جنيه إسترليني ، بينما نما الدخل من مناطق أخرى بنسبة 90 في المئة من 5.2 مليون جنيه إسترليني إلى 9.9 مليون جنيه إسترليني.
وعند تقديم التقرير المالي السنوي في فبراير الماضي، اتخذ ليونارد نبرة متفائلة قائلاً إن السنة المالية الأخيرة للمجموعة قد بدأت بشكل جيد وإن المجموعة “واصلت تقديم أداء قوي من الجمهور والإيرادات بما يتماشى مع خطة أعمالها”.
ومع ذلك، فإن تدهور الوضع الاقتصادي دفع الناشر إلى التطلع إلى خفض قاعدة التكلفة السنوية البالغة 24 مليون جنيه إسترليني في عام 2021، ارتفاعًا من 19 مليون جنيه إسترليني في عام 2020.
وقال ليونارد وبروتون “من خلال اتخاذ قرارات صعبة لمواجهة التحديات وتبني التغيير، يمكننا الحفاظ على قوة أعمالنا، والاستمرار في إتاحة الفرص، وتمويل المزيد من الصحافة المبتكرة والمستقلة والحائزة على جوائز لسنوات عديدة قادمة”.
وفي يوليو الماضي، أفادت صحيفة إيفنينج ستاندرد، حيث يمتلك ليبيديف أيضًا مساهمة، أنها تكبدت خسارة قدرها 14 مليون جنيه إسترليني في العام الماضي حيث استمرت جائحة كوفيد – 19 في تقليص دخل الإعلانات وبقي الركاب في منازلهم، مما رفع خسائر صحيفة لندن المجانية إلى ما يقرب من 70 مليون جنيه إسترليني في الماضي.