الإنترنت الفضائي يربط ما انقطع بين السودانيين والعالم

أجهزة ستارلينك للاتصال بالإنترنت عبر الفضاء تشكّل وسيلة بديلة تساعد المواطنين في التواصل داخليا وخارجيا وتحويل الأموال.
الخميس 2024/04/04
طوابير ستارلينك!

تمبول (السودان) - وفر الإنترنت الفضائي طوق نجاة للآلاف من السودانيين للتواصل مع العالم في ظل انقطاع الاتصالات ونقص المال بسبب الحرب المستمرة منذ أبريل العام الماضي.

وفي بلدة تمبول الواقعة في الجزء الشرقي من ولاية (محافظة) الجزيرة في وسط البلاد، تجمّع خمسون شخصا من مختلف الأعمار في باحة منزل يحملون هواتفهم الذكية حول طبق هوائي لاستقبال إشارة الإنترنت.

وبعد قرابة العام على الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع التي تسيطر على هذه البلدة منذ ثلاثة أشهر، تشكّل أجهزة ستارلينك للاتصال بالإنترنت عبر الفضاء وسيلة بديلة تساعد المواطنين في التواصل داخليا وخارجيا وتحويل الأموال.

وعمق استنزاف الاقتصاد المشلول أصلا بسبب استمرار الحرب من متاعب مختلف الأنشطة التجارية والمالية وجعل الناس في محنة أكثر قسوة مع تعطل كل مظاهر الحياة العامة لاسيما مع انحسار المبادلات الخارجية وانهيار العملة المحلية.

وانخفضت قيمة العملة السودانية إزاء العملة الأميركية منذ اندلاع الحرب ليسجّل سعر صرف الدولار حاليا 1200 جنيه مقابل 600 جنيه قبل عام.

معظم الناس يعتمدون على تطبيق بنكك لتحويل الأموال وتنزيل الرواتب
معظم الناس يعتمدون على تطبيق بنكك لتحويل الأموال وتنزيل الرواتب

وقال عصام أحمد البالغ 63 عاما لوكالة فرانس برس وقد رسمت على وجهه ابتسامة، “تحدثت مع ابني بالسعودية”، وأكد أن ابنه أرسل له أموالا عبر تطبيق “بنكك” لتحويل الأموال، وحوّلها إلى شخص في السوق، وسيستلمها منه نقدا لشراء احتياجات المنزل.

وخارج باحة المنزل، وقف ثلاثون شخصا ينتظرون دورهم للحصول على اتصال بالإنترنت.

ونظام ستارلينك الذي يتصل بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية تابع لشركة سبايس إكس المملوكة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، وتنتشر خدماته في البلدان التي تعاني حروبا وتتأثر فيها خدمات الاتصالات والإنترنت.

وانهار النظام المصرفي منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الحليفين السابقين، في منتصف أبريل 2023 والتي أسفرت عن الآلاف من القتلى والملايين من النازحين داخل البلاد وخارجها.

ولا تصل الرواتب إلى الغالبية العظمى من الموظفين، وبات السودانيون يعتمدون بشكل كبير على المعاملات عبر الإنترنت من خلال تطبيق بنك الخرطوم “بنكك”.

وأصبحت أجهزة ستارلينك تمثّل شريان الحياة بالنسبة للذين لم يغادروا البلاد أثناء الحرب، حتى يتواصلوا مع الأقارب والمعارف في الخارج ويحصلوا على المال.

وتنتشر أجهزة ستارلينك في المناطق التي شهدت وتشهد أعمالا عسكرية مركزة، على الرغم من حظر شراء أو تداول هذا النوع من الأجهزة في البلاد بقرار من جهاز الاتصالات الحكومي.

أجهزة ستارلينك تمثّل شريان الحياة بالنسبة للذين لم يغادروا البلاد أثناء الحرب، حتى يتواصلوا مع الأقارب والمعارف في الخارج ويحصلوا على المال

وتقطع أريج أحمد البالغة من العمر 43 عاما ومعها ابنها صلاح (12 عاما) أسبوعيا مسافة خمسة كيلومترات سيرا على الأقدام من قريتها وحتى المركز الذي يوفّر خدمة الاتصالات والإنترنت “لكي نحصل على تحويل من زوجي المقيم في قطر”.

وقال شخص يعمل في بيع أجهزة ستارلينك لفرانس برس، وقد طلب عدم إيراد اسمه، “تأتي الأجهزة عن طريق التهريب من ليبيا وجنوب السودان وإريتريا”، مشيرا إلى أن سعر الجهاز الواحد يصل إلى 1.8 مليون جنيه (1500 دولار تقريبا).

وفي قرية تبعد 60 كيلومترا شمال مدينة الحصاحيصا في ولاية الجزيرة، يؤكد محمد بالله الذي يدير مركزا لخدمة ستارلينك أنه “يمكن الحصول على خدمة الإنترنت لمدة ساعة مقابل ما يعادل ثلاثة دولارات أميركية”.

وتابع “خلال ثلاثة أيام عمل فقط، يمكن تعويض سعر الجهاز، بعد ذلك كل ما تحقّقه هو ربح لك”، لافتا إلى أن الغرض الرئيسي من استخدام الخدمة هو “تحويل واستقبال الأموال”.

وفي مخيم عطاش للنازحين قرب مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور في غرب البلاد، قال محمد بشارة عبر رسالة نصية لفرانس برس “لولا وجود هذا الجهاز لم نكن لنعرف كيفية تدبير النقد”. ويراسل بشارة ابنه المقيم في ليبيا مرة كل أسبوعين.

وتتباين المواقف حول تدخل طرفي النزاع في توفر هذه الخدمة التي توفر الكثير من العوائد لأولئك الذين يقدمون الخدمة للمواطنين الراغبين فيها.

وفي إحدى القرى على الضفة الشرقية من النيل الأزرق، تفرض رسوم على مقدمي خدمة الاتصالات هذه. وقال صاحب مركز تقديم خدمة ستارلينك لفرانس برس إن قوات دقلو “تفرض رسوما علينا بشكل يومي تصل إلى 150 ألف جنيه (نحو 140 دولارا)”.

وتقول الرواية المضادة إن الجيش في مناطق سيطرته أكثر تساهلا، لكن لا توجد معطيات تؤكد صحة ذلك على نطاق واسع.

ومع ذلك، أعلنت بلدية أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم، في نهاية فبراير الماضي أن البرهان قدّم بضع أجهزة ستارلينك كهبات، من أجل “أن يحصل السكان على الإنترنت مجانا”.

11