الإنترنت الفضائي يتحول إلى سوق اتصالات واعدة رغم التحديات

لندن - تحول الإنترنت الفضائي الذي بدأ كتجربة محدودة قبل سنوات إلى سوق واعدة رغم كثرة التحديات، حيث بات هذا القطاع محط تركيز من قبل كبرى الشركات لضم 2.6 مليار شخص لا يزالون خارج نطاق الاتصال الرقمي.
وتعيد تقنيات الاتصال عبر الأقمار الاصطناعية رسم ملامح الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والفرص الاقتصادية وخاصة في القرى النائية سواء في أفريقيا أو آسيا، وصولا إلى المجتمعات، وخاصة الصحراوية، في المنطقة العربية.
ويوفر الإنترنت الفضائي الاتصال بالشبكة العالمية عبر مجموعة واسعة من الأقمار، بدلا من الاعتماد على البنية التحتية الأرضية التقليدية مثل الكابلات والألياف البصرية، ويعد أحد أكثر الحلول الواعدة لسد هذه الفجوة الرقمية.
وبعد ظهوره على نطاق محدود منتصف التسعينات لتوفير اتصال في المناطق التي يصعب ربطها بشبكات أرضية بدأت طفرة هذا المجال تظهر مع إطلاق مشروع ستارلينك التابع لشركة سبيس إكس الأميركية المملوكة للملياردير إيلون ماسك في عام 2019.
11.35
مليار دولار حجم السوق بحلول 2029 من 6.51 مليار هذا العام، بحسب ذا بيزنس ريسيرش
واعتمد المشروع على أقمار اصطناعية صغيرة تدور في المدار الأرضي المنخفض لتقديم إنترنت عالي السرعة ومنخفض الكمون، ما جعل الإنترنت الفضائي أقرب إلى منافسة الألياف البصرية من حيث الأداء.
وجاء هذا التحول نتيجة التوسع الكبير في إطلاق الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض من قبل شركات مثل ستارلينك، ووان ويب وكويبر، وهو ما ساهم في توفير خدمات إنترنت عالية السرعة وزمن استجابة منخفض حتى في المناطق النائية.
كما ساعدت هذه التكنولوجيا في تلبية الطلب المتزايد على الاتصال في المناطق الريفية، وفي دعم تطبيقات إنترنت الأشياء، إلى جانب المبادرات الحكومية لتعزيز الشمول الرقمي.
ووفق تقديرات شركة ذا بيزنس ريسيرش كومباني، التي أوردتها بلومبيرغ الشرق، ارتفع حجم السوق العالمية للاتصالات الفضائية من 5.86 مليار دولار في عام 2024 إلى 6.51 مليار دولار في 2025.
وتتوقع الشركة بأن يصل حجم السوق إلى 11.35 مليار دولار بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 14.9 في المئة، مدفوعا بالحاجة إلى الربط في المناطق الريفية، وتوسع إنترنت الأشياء، وجهود التوسيع المدعومة من الحكومات.
ومع أن شبكات الألياف تقدّم سرعات أعلى، إلا أن نشرها ما زال بطيئا ومكلفا. أما الأنظمة الفضائية فيمكن نشرها بسرعة أكبر، لاسيما مع توافر أجهزة طرفية متطورة تدعم تتبع الحزم والحوسبة الطرفية.
الإنترنت الفضائي يوفر الاتصال بالشبكة العالمية عبر مجموعة واسعة من الأقمار، بدلا من الاعتماد على البنية التحتية الأرضية التقليدية
ورغم ما يحمله الإنترنت الفضائي من وعود مبشرة، إلا أنه يواجه عددا من التحديات. أولها، التشتت التنظيمي، إذ يتعين على مقدمي الخدمة الحصول على حقوق استخدام الطيف الترددي بشكل منفصل في كل دولة، ما يبطئ عمليات الإطلاق.
وعلى سبيل المثال، واجهت ستارلينك تأخيرات في إيطاليا مطلع 2025 بسبب انتظار تنسيق أوروبي مشترك للطيف، مع أنها أتاحت الخدمة في عدة دول مثل اليمن والأراضي الفلسطينية المحتلة وماليزيا والأردن ودول في أفريقيا.
أما التحدي الثاني فهو النفايات الفضائية. فقد أُطلق 2800 قمر اصطناعي إلى المدار الأرضي المنخفض في عام 2023 وحده، ما يزيد من خطر الاصطدامات.
وبحسب المعلومات يتوفر حاليا أكثر من 36 ألف جسم في المدار يزيد قطره عن 10 سنتيمترات، ما يبرز الحاجة إلى أنظمة مستدامة للتخلّص من الأقمار منتهية الصلاحية والتقليل من الحطام الفضائي.
ويتعلق التحدي الثالث بالكلفة، إذ تتراوح رسوم الاشتراك الشهرية بين 30 و150 دولارا، مع رسوم تجهيز قد تصل إلى 500 دولار.
ورغم أن الأسعار في انخفاض وهناك خيارات تأجير متزايدة، لكن الإنترنت الفضائي ما زال بحاجة إلى أن يصبح أكثر توفيرا ليصل إلى مستوى التبنّي العالمي.
ويأتي التحدي الرابع من أن هذه التقنيات لا يمكن نشرها دون مخاطر سياسية، فاعتماد المجتمعات على مزود واحد مثل ستارلينك يجعلها عرضة للابتزاز السياسي أو قطع الخدمة التعسفي من الشركات نفسها المحتكرة للخدمة نظرا لقلة عددها.
وكذلك استخدام الإنترنت الفضائي في السياقين العسكري والمدن كما حدث مع منصة ستارشيلد التابعة لشركة سبيس إكس في أوكرانيا والسودان، يضع العاملين الإنسانيين في دائرة الاشتباه والاستهداف.
وفي ظل غياب إطار قانوني دولي منظم، تُطالب منظمات حقوقية بإعادة تعريف حوكمة الإنترنت الفضائي على أسس تحترم حرية التعبير، وتكفل حماية المجتمعات الضعيفة من رقابة الحكومات أو تقلبات السوق، بحسب تقرير منظمة أكسس ناو لعام 2025.
وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اهتماما متزايدا بالإنترنت الفضائي لتغطية المناطق الصحراوية والجبال والمجتمعات الريفية.
ووفقا لشركة كوجنيتيف ماركت ريسيرش، بلغت قيمة سوق الإنترنت الفضائي في المنطقة 82.4 مليون دولار بنهاية العام الماضي، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركب قدره 34 في المئة حتى عام 2031.
ويعود هذا النمو، لاسيما في منطقة الخليج، إلى إستراتيجيات وطنية تهدف إلى تنويع الاقتصادات وتوسيع البنية التحتية الرقمية لتشمل جميع السكان.
وبلغت قيمة سوق الإنترنت الفضائي في مصر وحدها 8.65 مليون دولار في عام 2024، مع توسع سريع جار على الأرض.
وتتفاوض طيران الإمارات مع سبيس إكس لتحديث خدمات الإنترنت لديها، حيث تتطلع أكبر شركة طيران دولية في منطقة الخليج إلى تعزيز خدمات الإنترنت اللاسلكية على متن طائراتها.
وفي إطار زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض الشهر الماضي، صرح ماسك بأن السعودية ستسمح باستخدام ستارلينك لأغراض الملاحة الجوية والبحرية، كما أن قطر والبحرين تسمح باستخدام خدمات شركته.