الإنتاج السينمائي يدخل عهد الرعاية الحكومية في الجزائر

مسابقة السيناريو حول شخصية محمد المغيلي، أول التوجهات المترجمة للسياسة الحكومية في مجال السينما.
الخميس 2023/12/14
مشاريع سينمائية تدعمها الدولة

الجزائر - خصص مجلس الوزراء الجزائري جزءا من أشغاله لملف السينماتوغرافيا، بالإعلان عن إستراتيجية جديدة تريد زيادة الدعم الحكومي وتوسيع الرعاية لمختلف الفئات العاملة في القطاع، تماشيا مع توجهات برنامج الرجل الأول في الدولة. في المقابل لم يكشف عن المطلوب لاسيما فيما يتعلق بالحريات الإبداعية التي قد تتنافى أحيانا مع الخط السياسي للسلطة.

ويشكل إعلان وزارة الثقافة والفنون عن مسابقة سيناريو حول شخصية قطب الصوفية محمد المغيلي، المثيرة للجدل، أول التوجهات المترجمة للسياسة الحكومية الجديدة في مجال السينما، خاصة فيما يتعلق بحسم بعض التوجهات السياسية والأيديولوجية، ففلسفة الرجل الروحية والدينية، التي كانت محل ملتقى دولي العام الماضي، يراد لها أن تترجَم بالصوت والصورة، رغم أن هناك من يعتبره شخصية متطرفة طاردت اليهود في عمق الصحراء وفي أفريقيا.

وصادق مجلس الوزراء الجزائري في اجتماعه الأخير على مشروع القانون المتعلق بالصناعة السينماتوغرافية، حيث كلف الرئيس عبدالمجيد تبون وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي باستحداث هيئة وطنية توكل مهامها إلى أهل القطاع للإشراف على العمل السينمائي وتشجيع النهوض به في هذا المجال الحيوي، خاصة مع بروز بعض الأعمال الدرامية الراقية والمواهب الشبابية في التمثيل والإخراج خلال السنوات الأخيرة.

◙ خلال عام 2011 تم إنجاز فيلم وثائقي مطول حول الشيخ المغيلي في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية
◙ خلال عام 2011 تم إنجاز فيلم وثائقي مطول حول الشيخ المغيلي في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية

وذكر بيان مجلس الوزراء أن الرئيس تبون "أمر بتشجيع كل المواهب والطاقات السينمائية، داخل الجزائر، واستقطاب الكفاءات من أبناء الجالية الوطنية، بفسح المجال أمامهم لتقديم أعمالهم وإسهاماتهم، وذلك بجعل سنة 2024 عام انطلاق الإنتاج السينمائي". ولفت إلى أن "الدولة تلتزم بتمويل الأعمال السينمائية إلى غاية 70 في المئة من خلال قروض بنكية، مع مساعدة أهل القطاع على بناء أستوديوهات تصوير ومدن سينمائية تعيد للجزائر مجدها وبريقها السينمائي".

وبالموازاة مع ذلك كشفت وزيرة الثقافة والفنون أنه "سيتم قريبا إطلاق مسابقة وطنية لاختيار أحسن سيناريو لإنجاز مشروع فيلم سينمائي حول الفقيه والداعية الجزائري الشيخ محمد عبدالكريم المغيلي".

وأوضحت خلال جلسة علنية بمجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، خصصت لطرح أسئلة شفوية على عدد من أعضاء الحكومة، أن "قطاعها سيعمد ضمن برنامج الدعم السينمائي لسنة 2024 إلى إطلاق مسابقة وطنية لاختيار سيناريو الفيلم حول هذه الشخصية متعددة الأبعاد التي كانت تحظى بمكانة مرموقة في الجزائر وخارجها خصوصا في البلدان الأفريقية".

وأكدت أن "إنجاز هذا المشروع السينمائي يتطلب توفير الشروط الضرورية والعوامل التقنية والفنية، على غرار توفر سيناريو جامع حول هذه الشخصية متعددة الأبعاد، ويليق بدورها الريادي من خلال مشروعه الحضاري والثقافي والديني في الجزائر وأفريقيا". ولفتت إلى أنه تم في 2011 إنجاز فيلم وثائقي مطول حول الشيخ المغيلي في إطار تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، وهو العمل الذي تناول سيرته وسلط الضوء على نشأته وأهم المحطات التي طبعت حياته، وأن دائرتها الوزارية تقوم بتنفيذ توصيات الملتقى الدولي حول شخصية الرجل.

كما تستعد الوزارة لإصدار دفتر شروط بشأن إنجاز الفيلم السينمائي الآخر الذي يتعلق بشخصية الأمير عبدالقادر بن محيي الدين، المعطل منذ العشرية الماضية بسبب خلافات حول طبيعة المنجز وسوء تسيير في الموازنة المخصصة له، وهو ما يوحي بالتوجه الذي تريد الحكومة خوضه في المجال السينماتوغرافي، بالتركيز على الشخصيات الكبرى في المجتمع، بعد عقود من العمل على ما عرف بالسينما الثورية.

وغير معروف قصد الممول العمومي من الصياغة النهائية لمثل هذه الأعمال، خاصة فيما يتعلق ببعض الجوانب الخلافية في شخصيات أمثال محمد المغيلي والأمير عبدالقادر، خاصة وأنها كانت محل أعمال أدبية، أدانت على سبيل الذكر ما وصف بـ”التطرف الديني”، الذي كان وراء عملية التطهير التي قادها محمد المغيلي ضد المكون اليهودي في منطقة أدرار الجزائرية، كرواية الأديب أمين الزاوي "اليهودي الأخير لتمنطيط"، التي ضمنها ما وصفه بـ"العنف المقدس لمحمد المغيلي".

♦ يبدو أن إعطاء الضوء الأخضر لفيلم محمد المغيلي سيتماهى مع المواقف السياسية والرسمية المناهضة للصراع الإسرائيلي - العربي

وتعد الصناعة السينماتوغرافية أحد محاور البرنامج الانتخابي للرئيس تبون، منذ العام 2019، وخصص لها منصب كاتب دولة في حكومته الأولى أسند إلى الفنان والأكاديمي يوسف سحيري، غير أن المسعى لم يتواصل لأسباب غير معلنة، لكن تصريح الرجل في أحد لقاءاته الإعلامية أوحى بـ”غياب تجاوب إيجابي مع المشروع”، قبل أن يعود وتتم المصادقة عليه في مجلس الوزراء.

ويبدو أن إعطاء الضوء الأخضر لفيلم محمد المغيلي سيتماهى مع المواقف السياسية والرسمية المناهضة للصراع الإسرائيلي - العربي، ولذلك يُهتَم اهتماما بالغا بهذه الشخصية التي استندت، حسب روايات تاريخية، في تطهير المنطقة من اليهود إلى ممارسات هؤلاء في المجال التجاري والزراعي والتعامل مع السكان الأصليين.

وذكرت وزيرة الثقافة أن "وزارتها بصدد التحضير لأسبوع ثقافي ستحتضنه ولاية أدرار بعنوان 'أدرار عاصمة للثقافة الأفريقية'، ضمن مسعى شامل للانسجام مع توصيات رئيس الجمهورية، الرامية إلى تكريس دور الجزائر كمنبع للإشعاع الحضاري والثقافي في أفريقيا، ووطن للفكر الإصلاحي والتحرري بوسطيتها الدينية". وأكدت المتحدثة أنه "تم وضع برنامج هام لفائدة الحظائر الثقافية، حيث استفادت مختلف الدواوين الوطنية للحظائر الثقافية من عدة عمليات استثمارية عبر البرامج التنموية المسجلة لفائدة قطاع الثقافة والفنون".

13