الإمارات تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لمواجهة الجفاف

تسخير الأنظمة الذكية والبيانات الضخمة أحد الحلول لاستخلاص المزيد من الرطوبة من السماء الخالية من السحب.
الأربعاء 2025/02/26
شعلات تلقيح السحب جاهزة للاستخدام

تسعى الإمارات إلى الاستعانة بشكل مكثف بالتكنولوجيا الحديثة لمواجهة مناخها الصحراوي الجاف، حيث الحرارة الشديدة ومعدلات هطول أمطار منخفضة، وللتعامل مع هذه الظروف تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي كأداة رئيسية لتحقيق استدامة بيئية في مختلف المجالات.

أبوظبي - ناقش خبراء بارزون في القاعات الرخامية لأحد الفنادق الفاخرة في دولة الإمارات نهجا جديدا لمشكلة قديمة، تتعلق بكيفية جعل المطر يهطل في البلد الخليجي الذي يقع في واحدة من أكبر صحارى العالم.

واستُثمرت عقود من العمل والملايين من الدولارات في تخفيف الجفاف، الذي لا نهاية له في البلد، والذي يتزايد عدد سكانه المغتربين بشكل كبير من دون أن يثنيهم المناخ القاسي وحرارة الصيف الشديدة.

ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الإمارات، لا يزال هطول الأمطار نادرا بسبب تغير المناخ، إذ عمل المسؤولون في الأعوام الماضية على استخدام تقنية الاستمطار عبر حقن السحب لتحفيزها على إنزال الأمطار.

ولكن في منتدى تعزيز الأمطار الدولي الذي عقد الشهر الماضي في أبوظبي، وهو حدث فريد من نوعه في المجال، تمسّك المسؤولون بأمل جديد، وهو تسخير الذكاء الاصطناعي لاستخلاص المزيد من الرطوبة من السماء الخالية من السحب في الكثير من الأحيان.

ومن بين المبادرات نظام الذكاء الاصطناعي لتحسين تلقيح السحب، وهي ممارسة تنتهجها الإمارات ودول أخرى منذ عقود باستخدام الطائرات لإطلاق الملح أو المواد الكيميائية الأخرى في السحب لزيادة هطول الأمطار.

لوكا ديلي موناش: هذه التقنية تزيد هطول الأمطار بنسبة 10 إلى 15 في المئة
لوكا ديلي موناش: هذه التقنية تزيد هطول الأمطار بنسبة 10 إلى 15 في المئة

وقال لوكا ديلي موناش نائب مدير مركز الظواهر الجوية الغربية والمائية المتطرفة في معهد سكريبس لعلوم المحيطات في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو “لقد انتهى الأمر تقريبا. نحن نضع اللمسات الأخيرة.” وتعمل عملية تلقيح السحب عن طريق زيادة حجم القطرات التي تسقط بعد ذلك على شكل أمطار.

وقال موناش إنه من المقدر أن تزيد من هطول الأمطار بنسبة 10 إلى 15 في المئة، لكنها لا تعمل إلا مع أنواع معينة من السحب الركامية المنتفخة، ويمكنها حتى قمع هطول الأمطار إذا لم يتم ذلك بشكل صحيح. وأضاف موناش “يتعين علينا القيام بذلك في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، ولهذا السبب نستخدم الذكاء الاصطناعي.”

ويغذّي المشروع الذي يستمر لثلاث سنوات والممول بمبلغ 1.5 مليون دولار من برنامج تعزيز الأمطار في الإمارات، بيانات الأقمار الاصطناعية والرادار والطقس في خوارزمية تتنبأ بالمكان الذي ستتشكل فيه السحب القابلة للتلقيح في الساعات الست المقبلة.

وتَعد هذه الطريقة بتطوير الطريقة الحالية التي يتم فيها توجيه رحلات تلقيح السحب، والتي يتم تنفيذها بالمئات كل عام في الإمارات، من قبل خبراء يدرسون صور الأقمار الاصطناعية.

ومع هطول نحو 100 ميللتر فقط من الأمطار السنوية، يعتمد سكان الإمارات البالغ عددهم نحو 10 ملايين نسمة بشكل أساسي على المياه المحلاة، والتي يتم نقلها من محطات تنتج ما يقارب من 14 في المئة من إجمالي المياه في العالم، وفقا للأرقام الرسمية.

◙ تم إطلاق برنامج يعتمد بيانات الأقمار الاصطناعية والرادار والطقس في خوارزمية تتنبأ بمكان السحب لتلقيحها

ويتركز السكان، الذين يشكل الأجانب 90 في المئة منهم والذين زاد عددهم بنحو 30 مرة منذ تأسيس الإمارات في العام 1971، في المدن الكبرى دبي وأبو ظبي والشارقة، وهي ملاذات ساحلية من المناطق الداخلية الشاسعة في الصحراء العربية.

ومع ذلك، لا تزال البلاد في حاجة إلى المياه الجوفية التي تتجدد بفعل الأمطار وتدعمها سلسلة من السدود للزراعة والصناعة.

وفي ظل التحديات التي يفرضها الجفاف، باتت الزراعة الذكية أداة مهمة، حيث تستخدم الإمارات الذكاء الاصطناعي لتطوير أنظمة ري دقيقة تحسن استهلاك المياه وتقلل الفاقد.

وتعتمد هذه الطريقة على أجهزة الاستشعار والبيانات لقياس مستويات الرطوبة في التربة وضبط كميات المياه وفقًا لاحتياجات النباتات.

ورغم أن المسؤولين في الإمارات يقولون إن الأمطار زادت بشكل ملحوظ، فإن هطول الأمطار الغزيرة لا يزال غير عادي لدرجة أن تلامذة المدارس يبدأون بالتصفيق والاندفاع إلى نوافذ الصفوف الدراسية للحصول على رؤية أفضل للمطر.

ويعدّ المطر، حتى النوع الاصطناعي منه، غريبا بما فيه الكفاية ليكون عامل جذب ترفيهي، ففي شارع المطر في دبي، يدفع الزوار 300 درهم (81 دولارا) للمشي تحت رذاذ مزيف.

كما أن طلب صلاة الاستسقاء ممارسة قديمة في الخليج. وكان الاستثناء الذي لا يُنسى في أبريل الماضي، عندما تسببت أشد الأمطار غزارة على الإطلاق في إغلاق مطار دبي الدولي الرئيسي وغمر الطرقات بالمياه، ما أدى إلى شلل المدينة لأيام.

مروان التميمي: هناك حدود واضحة للذكاء الاصطناعي، ولذا يتعين العمل أكثر
مروان التميمي: هناك حدود واضحة للذكاء الاصطناعي، ولذا يتعين العمل أكثر

وبحثا عن حلول، عقدت الإمارات أول منتدى لتعزيز الأمطار في 2017. وقد وزع برنامج تعزيز الأمطار حوالي 22.5 مليون دولار في شكل منح خلال عقد من الزمن.

وقال موناش في المنتدى الذي أقيم على مرمى حجر من القصر الرئاسي وإلى جوار مقر شركة أدنوك النفطية الحكومية، “عندما يتعلق الأمر بتلقيح السحب، فإن هذا البرنامج هنا هو الأفضل في العالم.” وأضاف إنها “منطقة متخصصة للغاية في علم الغلاف الجوي. هناك عدد قليل من الخبراء في العالم وهم جميعا هنا الآن.”

ولم تكن خوارزمية فريقه هي الاستخدام الوحيد للذكاء الاصطناعي في المناقشات التي كانت طاغية في منتدى تعزيز الأمطار. واستعرض مروان التميمي، الأستاذ المشارك في معهد ستيفنز للتكنولوجيا في نيوجيرسي، نظاما تم تطويره في الولايات المتحدة يستخدم التعلم الآلي لتتبع مسار وتأثير العواصف في الوقت الفعلي.

ورغم ذلك، حذر موناش من أن الذكاء الاصطناعي ليس “الحل السحري” لجفاف دولة الإمارات. وقال التميمي أيضا إن “هناك حدودا واضحة.”

وأوضح التميمي أن الافتقار إلى البيانات التفصيلية حيال تكوين السحب، وهي مشكلة شائعة إذ أن معدات المراقبة باهظة الثمن، يعيق التنبؤات الدقيقة، حتى مع الذكاء الاصطناعي.

وقال لفرانس برس “أود أن أقول إننا لا يزال لدينا بعض العمل الذي يتعين علينا القيام به لمجرد أن لدينا بيانات، ولكن ليست لدينا بيانات كافية لتدريب النماذج بشكل صحيح.”

وخفف رئيس مؤسسة أبحاث مجلس المياه العالمي لويك فوشون من حماسه للذكاء الاصطناعي، الذي يراه كثيرون مثله بأنه لا يبدو على مستوى التطلعات.

وقال في المؤتمر “كن حذرا وحاول إيجاد التوازن الصحيح بين الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.” وأضاف “لا تتسرع في التوجه نحو الذكاء الاصطناعي. ربما يكون الإنسان هو الخيار الأفضل.”

11