الإمارات تغذي سباق الاستثمار العالمي في الصفقات الأفريقية

نفوذ البلد يتفوق على منافسين مثل الصين وفرنسا.
الجمعة 2024/03/22
إليكم بصمتنا للاستثمار في المستقبل

تلتقي انطباعات الخبراء ومواقف المحللين بشأن النفوذ الاقتصادي للإمارات في أفريقيا عند نقطة تتعلق باغتنامها للفرص الواعدة في العديد من المجالات في دول متعطشة للنمو بما يجعلها تغذي التنافس العالمي على الصفقات الاستثمارية ذات القيمة المضافة.

أبوظبي - تعهدت الإمارات قبل ثلاث سنوات بالتوسع بقوة في أسواق تتجاوز آفاقها المعتادة سعيا وراء النفوذ الجيوسياسي، ومنذ ذلك الحين، ضخت رؤوس أموال في أفريقيا أكثر من أي دولة أخرى، وهي تتنافس على النفوذ مع لاعبين راسخين مثل الصين وفرنسا.

وتتجسد رؤية البلد في إنقاذ الاقتصاد المصري عبر صفقة بقيمة 35 مليار دولار وهو رقم يمثل نحو 7 في المئة من الناتج الاقتصادي السنوي للإمارات.

وذكر مسؤول مطلع على خطة إنقاذ مصر طلب عدم الكشف عن هويته عن حديثه مع صحيفة “ديلي ميلي” حينها أن الإمارات ستكون على استعداد لاستثمار مبلغ مماثل في دولة أفريقية مختلفة إذا أتيحت لها فرصة جديدة لتقديم نفسها.

وفي حين أن أرقام الاستثمار المباشر هذه تحسب الأموال التي تم التعهد بها والتي لم يتم إنفاقها بالضرورة، بناء على الصفقات، أكد ستاندرد بنك أنه واثق من أن الإمارات ستصبح من أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي في القارة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

راسم ذوق: الإمارات ستصبح أحد مصادر التمويل خلال خمس سنوات
راسم ذوق: الإمارات ستصبح أحد مصادر التمويل خلال خمس سنوات

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة ستاندرد بنك غروب المحدودة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا راسم ذوق في مقابلة مع وكالة بلومبرغ إن “النمو ليس خطيا”.

وأضاف “قبل عامين، كان النمو مذهلا، وفي العام الماضي كان لا يزال في خانة العشرات بشكل مريح، ولكن خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة سنشهد عودة إلى النمو في الثلاثينات وما فوق”.

ومع تضاؤل التمويل الصيني للبنية التحتية وتراجع المشاركة الغربية، اقترنت التدفقات النقدية للإمارات بدفعة دبلوماسية منسقة، وهو نهج ينعكس بدرجة أقل في جارتيها السعودية وقطر.

ونقلت هذه الطموحات الإمارات إلى ما هو أبعد من مجال النفوذ التاريخي لدول الخليج في شمال أفريقيا، ومن القرن الأفريقي المجاور إلى كل ركن من أركان القارة.

وقال أندرياس كريغ، المحاضر في قضايا أمن الشرق الأوسط في كلية كينغز كوليدج في لندن، إن ما كانت تمارسه الإمارات من خلال هذه الصفقات هو نوع من “فن الحكم المرتكز على الشبكة”.

وأوضح أنه سعيا وراء النفوذ الاقتصادي، يحاول الإماراتيون “وضع أنفسهم كبوابة إلى أفريقيا لروسيا والصين، ولكن أيضا للدول الغربية”.

وتعهدت الإمارات بضخ 52.8 مليار دولار من الاستثمارات في 2022، عندما تصدرت لأول مرة تصنيفات رؤوس الأموال المباشرة، وهو ما يتجاوز مساهمات بكين بمقدار 20 مرة ومساهمات الولايات المتحدة بسبعة مرات، وفقا لبيانات أف.دي.آي ماركتس.

وانخفض هذا الرقم إلى 44.5 مليار دولار في عام 2023، أي ما يقرب من ضعف نظيره في الصين، التي جاءت في المرتبة الثانية.

أندرياس كريغ: الإماراتيون يتبعون نوعا من فن الحكم المرتكز على الشبكة
أندرياس كريغ: الإماراتيون يتبعون نوعا من فن الحكم المرتكز على الشبكة

وتتركز هذه الاستثمارات بشكل رئيسي في الطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والعقارات والزراعة.

وأوضح ذوق أنه بعد جائحة كوفيد “تمت إعادة تقييم السوق، لذلك هناك نقطة دخول مثيرة للاهتمام للغاية للعديد من المستثمرين الآن”.

ووسعت خطة الإنقاذ المصرية الشهر الماضي إستراتيجية الإمارات المتمثلة في تقديم شرايين حياة مالية كبيرة للدول الأفريقية، بعد أن قدمت في السابق لمساعدة السودان وإثيوبيا.

وإلى جانب هذه الصفقات، وقعت أبوظبي عشرات اتفاقيات الاستثمار منذ عام 2019 مع دول أبعد، مثل زامبيا وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وركزت الشركات الإماراتية على الاقتصادات الأفضل نموا في أفريقيا، حيث تعمل البنية التحتية القوية والتوسع الاقتصادي على زيادة الطلب على الطاقة، وفقا لسانديل هلوفي، رئيس الحكومة والبنية التحتية في آرنست آند يونغ أفريقيا.

وتشمل هذه الدول مصر والمغرب وجنوب أفريقيا وكينيا، التي أصبحت في فبراير الماضي الدولة السادسة التي توقع اتفاقية تجارة حرة خاصة مع الإمارات، بعد الدول ذات الثقل الاقتصادي مثل الهند وإندونيسيا.

وخططت شركة أي.أم.إي.أي باور أل.أل.سي ومقرها دبي، والتي تقوم بتطوير مشاريع في أكثر من اثنتي عشرة دولة أفريقية، لإنفاق مليار دولار على مشاريع الطاقة المتجددة في القارة هذا العام.

وقال حسين النويس، رئيس مجلس إدارة شركة النويس للاستثمارات المحدودة المالكة لمنطقة آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا “إنهم (الأفارقة) بحاجة إلى الطاقة، وهم ينعمون بالموارد”، بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية الوفيرة.

الشركات الإماراتية ركزت خلال سنوات على الاقتصادات الأفضل نموا في أفريقيا
الشركات الإماراتية ركزت خلال سنوات على الاقتصادات الأفضل نموا في أفريقيا

ووفقا للبنك الدولي، فإن ما يقل قليلا عن نصف سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يفتقرون إلى الكهرباء.

وسيكون النحاس والليثيوم والكوبالت من وسط وجنوب أفريقيا حاسما سواء بالنسبة للتحول إلى الطاقة الخضراء، الذي تأمله الإمارات في قيادتها، أو لجهود تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط والغاز اللذين غذيا صعودها السريع.

وفي نوفمبر الماضي، دفعت الشركة القابضة دي.كيو.أي، وهو صندوق سيادي تملكه أبوظبي ويدير أصولا بقيمة 240 مليار دولار، حوالي 1.1 مليار دولار مقابل حصة قدرها 51 في المئة في مناجم موباني للنحاس في زامبيا.

وتم تعزيز هذا التركيز على الطاقة البديلة في قمة المناخ الأفريقية في سبتمبر الماضي، الذي انعقدا في كينيا قبل مؤتمر كوب 28 في دبي، والذي أعلن فيه رئيس المؤتمر سلطان الجابر عن تمويل بقيمة 4.5 مليار دولار للمناخ في القارة.

ومن المقرر أن تقود ذلك شركة مصدر الطاقة المتجددة المملوكة للدولة، في حين تعهدت أي.أم.إي.أي بمبلغ مليار دولار في استثمارات في الأسهم كجزء من الصفقة، وهي علامة على كيفية تحرك القطاعين العام والخاص في البلاد معًا.

وقال النويس “تنظر الإمارات إلى هذا باعتباره فرصة، وباعتباري مستثمرا، رأيت ذلك بطريقة كبيرة”. وأضاف “تلك القارة غنية بجميع أنواع الموارد ولكن لسوء الحظ لم يتم تطويرها بالكامل بعد”.

واشترت مصدر أيضا في 2022 حصة في شركة الطاقة المتجددة بجنوب أفريقيا ليكيلا باور، وهي من بين الأكبر في القارة.

والإمارات ليست الدولة الخليجية الوحيدة التي تسعى إلى توسيع نفوذها في أفريقيا، فقد بذلت السعودية وقطر جهودا مماثلة في السنوات الأخيرة، حيث حشدتا موارد الدولة والقطاع الخاص.

Thumbnail

ووقعت شركة أكوا باور مذكرة تفاهم لاستثمار 10 مليارات دولار في صناعة الطاقة المتجددة في جنوب أفريقيا على مدى السنوات العشر المقبلة.

لكن الإمارات لم تتمكن أيضا من الوصول إلى تلك المنطقة التي قادت استثماراتها في أفريقيا موانئ دبي العالمية، وهي شركة الخدمات اللوجستية العملاقة تدير الآن تسعة موانئ في القارة، في أماكن مثل السنغال وأنغولا وجنوب أفريقيا.

ويعد هذا الوجود الأكثر وضوحا للبلد الخليجي في أفريقيا، حيث وقع أولى صفقاته في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ووقعت أحدث صفقاتها مع تنزانيا في أكتوبر.

وفي عام 2022، اشترت موانئ دبي شركة أمبيريال لوجيستيكس الجنوب أفريقية مقابل 890 مليون دولار، مما أتاح لها الوصول إلى القنوات اللوجستية والمستودعات في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

لكن الإمارات تتطلع أيضا إلى أفريقيا للتعويض عن نقاط ضعفها، بما في ذلك اعتمادها على الواردات الغذائية. وفي إطار الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي، استحوذت الشركات الإماراتية على الأراضي الزراعية في السودان وزيمبابوي وأنغولا.

وكانت شركة دبي للاستثمار قد وقعت وشركة إي 20 للاستثمارات ومقرها أبوظبي في يوليو الماضي، اتفاقا لتطوير 3750 هكتارا من مزارع الأرز والأفوكادو وهي مساحة تعادل حوالي 5500 ملعب كرة قدم.

وتشير التقديرات إلى أن حجم المبادلات التجارية بين الإمارات وأفريقيا نمت من حوالي 31.4 مليار دولار في عام 2018 إلى أكثر من 50.4 مليار دولار حاليا.

10