الإمارات تطور آلياتها للاستثمار مع تنامي التنافس الخليجي

تسعى الإمارات بشكل متزايد لتطوير إستراتيجية جديدة للاستثمار لتحقيق مكاسب أكبر تدعم بها خطط التنمية الاقتصادية الشاملة، وبما يعزز مركزها في قطاع الأعمال، في ظل المنافسة الخليجية المحتدمة وخاصة الإغراءات السعودية وعلى رأسها نقل المقرات.
أبوظبي – تعتزم الحكومة الإماراتية تغيير نظرتها في جذب رؤوس الأموال الخارجية من خلال خطة طموحة يعكف المسؤولون على وضعها لتكون أكثر تحفيزا للمستثمرين والشركات الأجنبية في وقت تتنامى فيه المنافسة الاقتصادية من دول الجوار.
وكشف محمد السويدي الوزير الذي جرى تعيينه بعد إنشاء وزارة الاستثمار هذا العام الخميس أن بلاده تعمل على “تطوير إستراتيجية وطنية للاستثمار”.
ودعمت الحكومة مسارها للارتقاء بمناخ الأعمال ضمن برنامجها المستقبلي لترقية اقتصاد البلد ليصبح في كوكبة الصدارة في غضون سنوات عبر استحداث وزارة للاستثمار في يوليو الماضي.
واعتبر خبراء تلك الخطوة مهمة في ظل التنافس الخليجي وخاصة مع السعودية وجاءت أيضا لقناعة المسؤولين بأن السوق المحلية لا تزال تزخر بالفرص غير المستغلة وأنه يفترض تأسيس وزارة خاصة بقطاع الأعمال لزيادة الزخم الاستثماري خلال السنوات المقبلة.
وقال السويدي، الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة أي.دي.كيو أحد أكبر صناديق الثروة السيادية لحكومة أبوظبي خلال مؤتمر في أبوظبي “أمضينا الأشهر القليلة الماضية في وضع إستراتيجية للإمارات”.
وأشار إلى أن دور الوزارة الجديدة لن يكون جهة تنظيمية أو جهة صنع سياسات فقط، بل ستروج لدخول الشركات الإماراتية إلى أسواق جديدة عالميا وتزيد فرص الاستثمار الأجنبي.
ويعد الاستثمار الأجنبي من العوامل التي تعكس مدى جاذبية مناخ الأعمال في دولة ما للمستثمرين الأجانب، وحتى المحليين، وتتميز الإمارات وفقا لتقارير البنك الدولي، بكونها من الدول العربية الأكثر ملاءمة وجذبا لرؤوس الأموال المباشرة.
وفي آخر تقارير البنك الدولي حول مؤشر سهولة الأعمال الصادر في 2020 فقد احتل البلد المركز الـ16 عالميا بفضل البنية التحتية للكهرباء والتعامل مع تراخيص البناء وإنفاذ العقود وتسجيل الملكية.
وعرفت الإمارات، ثاني أكبر اقتصاد عربي بعد السعودية، تحوّلات اقتصادية كبيرة في السنوات الأخيرة واستثمارات ضخمة في مجالات النفط والنقل والتكنولوجيا والسياحة ومعظم القطاعات الأخرى لتصبح مقرا لأعداد كبيرة من الشركات العالمية الكبرى.
وتحتضن البلاد وخاصة إماراتي أبوظبي ودبي مجموعة قوية من الشركات الإقليمية سريعة النمو، بفضل ما توفره من لوائح تنظيمية مرنة وبيئة للأعمال مدعومة بسعر صرف مستقر ونظام ضريبي منخفض.
كما توفر بيئة أعمال مثالية للمستثمرين ورواد الأعمال في ظل مرافق البنية التحتية المدعومة بالخبرات المهنية والخدمات الشخصية التي تعطي الدولة ميزة تنافسية على دول أخرى.
ووفق تقرير أصدره المعهد الوطني للتحولات (كيرني) قبل فترة، فقد تصدرت الإمارات المنطقة العربية، في تصنيف الأسواق الناشئة الجاذبة للمستثمرين خلال 2023، كما حلت في المرتبة الثالثة عالميا بعد الصين والهند.
وجاءت هذه المكانة بفضل النمو القوي الذي شهدته البلاد خلال العام الماضي رغم المنغصات العالمية، وتعزيزها لبيئة أعمال جاذبة للاستثمار، فضلا عن قدراتها في مجالي التكنولوجيا والابتكار.
وتتيح السلطات مرونة كبيرة للقيام بالأعمال التجارية في أي مكان، وتشمل أماكن ممارسة الأعمال كلا من المناطق الحرة والمناطق الصناعية والمنشآت التجارية وغيرها.
45
منطقة حرة، تسمح بملكية بنسبة 100 في المئة للاستثمار الأجنبي محليا، ووفق البوابة الرسمية للحكومة
ووفق البوابة الرسمية للحكومة، فإنه لدى البلد أكثر من 45 منطقة حرة، تسمح بملكية بنسبة 100 في المئة للاستثمار الأجنبي محليا.
وتسمح الدوائر الاقتصادية الإماراتية للمستثمرين بالملكية الكاملة في 122 نشاطا و13 قطاعا اقتصاديا، إلى جانب توفير مراكز أعمال صناعية وتجارية حديثة وتنمية كفاءة الكوادر المحلية.
وتتنامى المنافسة الاقتصادية في منطقة الخليج مع محاولة الدول هناك لتنويع مصادر دخلها وزيادة النمو غير النفطي.
والإمارات من بين الأبرز في هذا الجهد ويشكل القطاع غير النفطي أكثر من نحو 70 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي. والقطاعات الاقتصادية الرئيسية هناك هي التجارة واللوجستيات والخدمات المالية والتصنيع والسياحة.
وتحاول السعودية اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة بمليارات الدولارات وقدمت حوافز للشركات العالمية لإقامة مقرات إقليمية في المنطقة بما قد يتحدى الهيمنة التجارية للإمارات في المنطقة.
ويشرف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على تنفيذ مساع مماثلة ضمن رؤية 2030، والتي تتضمن تطويرا شاملا لقطاعات كانت في السابق منسية بهدف التقليل من إيرادات النفط.
وفي أحدث خطوة في هذا المسار أعلنت الرياض هذا الأسبوع أنّها ستمنح إعفاءات ضريبية لمدة 30 سنة لكل شركة متعدّدة الجنسيات تقيم مقرّها الإقليمي في السعودية، وذلك في إطار برنامج أطلقته المملكة بهدف تنويع اقتصاد أكبر مصدّر للنفط في العالم.
ويُنظر إلى برنامج “جذب المقرّات الإقليمية للشركات العالمية” الذي أطلقته السعودية في فبراير 2021 على أنّه محاولة من السعودية لمنافسة جارتها الإمارات، وتحديدا إمارة دبي التي أصبحت المركز المفضّل للمقرّات الإقليمية للشركات العالمية.
وتأتي الخطوة الرامي إلى توضيح جوانب أساسية في هذا البرنامج قبل أقلّ من شهر على الموعد النهائي المحدّد في مطلع يناير المقبل للشركات الأجنبية لفتح مقرّ إقليمي لها في السعودية تحت طائلة المخاطرة بخسارة عقود حكومية.
وذكرت وزارة الاستثمار السعودية في بيان الثلاثاء الماضي أنّ حزمة الإعفاء الضريبي تهدف “إلى تشجيع وتيسير إجراءات افتتاح الشركات العالمية لمقرّاتها الإقليمية في المملكة”.
وأوضحت أنّ “حزمة الإعفاء الضريبي للمقرّات الإقليمية لمدة 30 سنة تشمل نسبة صفر في المئة لكلّ من ضريبة الدخل على كيانات المقرّات الإقليمية، وضريبة الاستقطاع للأنشطة المعتمدة للمقرّات الإقليمية”. وأضافت أن “الشركات العالمية ستستفيد من حزمة الإعفاءات الضريبية من تاريخ إصدار ترخيص المقرّ الإقليمي”.
وقال وزير المالية محمد الجدعان إنّ “الإعفاءات الضريبية الجديدة، الممنوحة على أنشطة المقرّ الإقليمي، ستمنح المقرّات الإقليمية للشركات العالمية في المملكة المزيد من وضوح الرؤية والاستقرار”.
وأوضح أنّ هذا الأمر سيُعزّز قدرات الشركات “على التخطيط المستقبلي، المتعلّق بتوسيع أعمالها في المنطقة، انطلاقا من المملكة، مع المشاركة، أيضا، في مسيرة التنمية والتحوّل”.
وأسهم برنامج نقل المقرات منذ انطلاقه وحتى الآن “في جذب أكثر من 200 شركة”، بحسب وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح.
ويتضمّن البرنامج سلسلة مزايا وحوافز من بينها إمكانية حصول الشركة على عدد غير محدود من تأشيرات العمل وإعفائها لمدة عشر سنوات من الشرط المفروض على سائر الشركات لتخصيص نسبة محدّدة (كوتا) من وظائفها لمواطنين سعوديين.
لكنّ محلّلين يتساءلون عمّا إذا كان تهافت الشركات العالمية على نقل مقرّاتها إلى السعودية سببه رغبة منها في الاستفادة فعلا من مزايا تفاضلية تقدّمها الرياض أم مجرّد محاولة منها لتلبية شرط مفروض عليها للحصول على عقود حكومية.