الإمارات تشن حربا على سوسة النخيل الحمراء

تعاني أشجار النخيل، بما تمثله من قيمة كبرى في حياة العربي، من خطر الحشرات الضارة. فسوسة النخيل تنهك النخلة وتفرغ جوف جذعها في هذه الفترة من السنة، وأمام هذه المشكلات تشنّ الإمارات حربا على هذه الحشرة لحماية ثروتها من النخيل باستعمال مبيدات غير ضارة.
العين (الإمارات) – ينظر سعيد العجني بفخر إلى حقله الذي يضم ألف شجرة نخيل شرق أبوظبي، بعد أن عانى من أسوأ هجوم لسوسة النخيل الحمراء مرّ عليه أكثر من عقدين.
سوسة النخيل الحمراء واحدة من أخطر الآفات الحشرية التي تهاجم النخيل، يبلغ طول تلك الحشرة حوالي 4 سم وعرضها نحو 1 سم، ولونها بني مائل للاحمرار مع وجود نقط سوداء على الحلقة الصدرية، وتعيش الحشرة الكاملة من شهرين إلى ثلاثة أشهر، ويمكن مشاهدتها على مدار العام ولكن ذروة مشاهدتها تكون في شهري مارس ويونيو.
والحشرة الكاملة لا ضرر منها، لأن العذارى في الشرائق تكون عادة في المحيط الخارجي بساق النخلة أو في قواعد الكرب، وتبيض الأنثى من 200 إلى 300 بيضة، ثم تبدأ في نهش قلب النخلة.
وتعتبر اليرقة هي الطور الضار للحشرة، حيث تسبب أضرارا للنخلة وتجعل من الساق أسطوانة فارغة تماما، إلا من الأنسجة المهترئة.
يقول العجني “خلال 24 عاما، قمنا بزراعة أجود أنواع النخيل، وبعد فترة نمو النخيل، بدأنا بالعناية والرش”.
ويتابع “نقوم برش المبيدات الحشرية خمس إلى ست مرات في الموسم ضد السوسة. والحمد لله لا توجد أي إصابة بسبب العناية المركزة للمزرعة”.
زراعة أشجار النخيل أُدرجت منذ ديسمبر الماضي على قائمة التراث غير المادي اليونيسكو
وفي شرق أبوظبي على الحدود مع سلطنة عمان، جلس العجاني على سجادة على الأرض وسط حقل النخيل الخاص به الذي يمتد على مساحة ستة هكتارات، ليتشارك الطعام مع رجال عائلته والجيران.
وفي ديسمبر الماضي، أُدرجت زراعة أشجار نخيل التمر على قائمة التراث غير المادي لمنظمة التربية والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو).
ولطالما شكّلت زراعة هذه الأشجار عاملا مهمّا في تأسيس الحضارات وامتدادها في المناطق الحارة والجافة في العالم العربي. وتمثّل هذه الشجرة، التي تضرب جذورها عميقا في التربة ما يسمح لها بالعيش في المناطق القاحلة، مصدرا للغذاء والكسب الاقتصادي.
وترتبط التمور بالتراث العربي وتعد عنصرا مهما فيه.
وحتى يومنا، تُزين أطباق التمر الطاولات في المنازل والشركات في جميع أنحاء العالم العربي. وتقدم مع كوب من القهوة كرمز لحسن الضيافة العربية، خصوصا في شهر رمضان الذي بدأ قبل أيام، لكن زراعة نخلة التمر تواجه بعض التحديات.
وتسعى دول الخليج بشدة لمحاربة آفة سوسة النخيل الحمراء التي نشأت في جنوب شرق آسيا وانتشرت بسرعة في العقود الماضية، وهي أكثر الآفات خطرا وتدميرا لأشجار النخيل في العالم.
ومن الصعب الكشف عنها في وقت مبكر لأنها تتغذى على الأنسجة النامية للأشجار من الداخل.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، تنتج الدول العربية 77 في المئة من تمور العالم وتصدّر حوالي 70 في المئة من مجموع الصادرات العالمية من هذه المادة الغذائية. وتعد الإمارات من أبرز الدول المصدرة للتمور.
وأصبحت مكافحة هذه الآفة أولوية اقتصادية هامة، تقول الفاو إن سوسة النخيل الحمراء تتسبب “بخسائر بالملايين من الدولارات سنويا” سواء عبر خسارة المنتوج أو تكاليف استخدام المبيدات الحشرية.
ويأتي جزء من التمور التي تقوم الإمارات بتصديرها من حقل سعيد العجني، والذي يكسب سنويا مليون درهم (250 ألف يورو) من بيع التمور.
وقرّر العجني اللجوء إلى تقنية تعتبر أكثر فاعلية وأقل ضررا على البيئة وصحة الإنسان، وهي القيام بحقن الأشجار بالمبيدات بالتعاون مع سلطات أبوظبي التي تقوم منذ عام 2013 بتطبيق خطة لمكافحة هذه الآفة.
وفي مناطق أخرى من إمارة أبوظبي، بدت حقول للنخيل في حالة أسوأ بسبب السوسة.
وبالقرب من الحدود مع سلطنة عمان، في مدينة العين، يقوم فريق أرسلته السلطات الزراعية برش حقل يمتد على مساحة ثلاثة هكتارات يضم عددا من أشجار النخيل التي تفشّت فيها السوسة الحمراء.
ويقوم ثلاثة موظفين باتباع سلسلة تعليمات محددة للقيام بالعملية، وارتدوا جميعا لباسا أبيض اللون مع أقنعة تغطي وجوههم وقفازات.
وتبدأ العملية مع قيام واحد من الموظفين باستخدام مثقاب بصنع تجويف في جذع شجر النخلة.
ويقوم زميله بإدخال أنبوب أزرق اللون في التجويف، ثم يقوم الثالث بإخراج حقنة كبيرة ليضع فيها المبيد الحشري قبل أن يحقن جذع الشجرة باستخدام الأنبوب الأزرق.
وتقول صفاء الهاشم، وهي باحثة متخصّصة في مجال وقاية النباتات، إن حقن الأشجار بالمبيدات “من الأبحاث التي أثبتت فاعليتها في مكافحة سوسة النخيل”، مضيفة “هذه التقنية أثبتت فاعليتها في معالجة الأشجار المصابة”.
وتجري هذه السيدة مع مساعدين بتكليف من هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية دراسة حول سلوكيات سوسة النخيل الحمراء.
وداخل مختبر صغير، تعيش هذه الحشرات الصغيرة ويرقاتها في العشرات من الأدراج الشفافة، وتقوم باستهلاك العسل أو الدبس.
وبحسب الباحثة، فإنه تتم في المختبر “تربية سوسة النخيل الحمراء للمحافظة على سلالة نقية لعمل الأبحاث والتجارب”، مشيرة إلى أن اليرقات تحظى باهتمام كبير لأنها “المرحلة الأكثر ضررا لأشجار النخيل”.
وقال تقرير صادر عن هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، إن نسبة الإصابة بسوسة النخيل الحمراء انخفضت من عام 2016 إلى 2019 بمقدار 33.14 في المئة. لكن الفاو تحذّر من الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية، مشيرة إلى أنها تنطوي على مخاطر على المزارعين والمستهلكين والبيئة أيضا.
ويؤكد منصور المنصوري، وهو مسؤول في هيئة أبوظبي، أنه “يتم حقن المبيد طبعا بكمية محددة”، مشيرا إلى أن الهدف هو أيضا “التقليل من استخدام المبيدات وبالتالي تقليل التلوث البيئي”.
وبحسب المنصوري، فإن أبوظبي بدأت باستخدام “مبيدات مختلفة، طبيعية ومن أصل نباتي، وتتم توعية المزارعين حول الاستخدام الآمن للمبيدات والتقيد بفترة الأمان عند الحصاد”.وتشمل الإستراتيجية كذلك الاستعانة بمصائد تستخدم جزيئات تفرزها الحشرات التي تنجذب إليها. وقالت منظمة الأغذية والزراعة في تقرير هذا العام إن التقنية المستخدمة أيضا في السعودية، المصدر الرئيسي الآخر للتمور، “أثبتت فعاليتها”.
وإلى جانب الإمارات، تعد السعودية مساهما رئيسيا في برنامج المنظمة لمحاربة السوسة والذي يساعد البلدان الأقل قدرة مثل موريتانيا حيث تقول الفاو إنه تم وقف انتشار السوسة الحمراء.