الإفطار الجماعي في الشوارع تقليد رمضاني لدى الأسر السودانية

الخرطوم - يكاد الإفطار الجماعي في شوارع السودان خلال شهر رمضان يكون إرثا شعبيا وممارسة راسخة يتسابق عليها الجميع أملا في نيل الثواب.
ورغم الظروف الاقتصادية التي يواجهها السودانيون في الفترة الأخيرة، إلا أنها لم تمنعهم عن ممارسة هذه العادة المحببة إلى نفوسهم في شهر الصيام.
ودأب السودانيون منذ عقود، عند حلول شهر رمضان على جمع ما لديهم من طعام وشرب والخروج به للشارع لمشاركة الآخرين وجبة الإفطار الرمضاني، عملا بمقولة “الجود بالموجود”.
وفي جلّ الأحياء السكنية بمختلف مدن وأرياف البلاد، يتراءى قبيل موعد الإفطار من كل يوم، مواطنون، يسيرون فرادى أو جماعة، وهم يحثون الخطى نحو المكان الذي تجمّع فيه أهل الحي لإقامة الإفطار الجماعي، ويجودون بما توفر لديهم من طعام وشراب.
وقُبيل دخول شهر رمضان بأيام معدودة، يحرص الصبية في كل أحياء المدن والقرى البعيدة، على تجهيز أماكن التجمعات المُخصصة سنويا للإفطار في الشوارع الفرعية الضيقة، والميادين والحدائق العامة، بتنظيفها وتسويرها بقطع الحجارة أو غيرها على هيئة مسجد بمحراب للصلاة.
التجمع في الشوارع لتناول الإفطار عادة سودانية خالصة يحرص الشعب على التمسك بها في شهر رمضان رغم قسوة الظروف
ويحيي السودانيون بهذه العادات تقاليد التكفل بإفطار الصائمين خصوصا من المعوزين والفقراء وعابري السبيل، لذلك تجد أغلب الناس يشاركون وجبة إفطارهم مع الآخرين في الشوارع حيث يؤدون صلاة المغرب، أملا في مرور عابري السبيل والمساكين لإطعامهم.
وأصبحت عادة الإفطار في الشوارع إحدى خصوصيات وميزات شهر رمضان في السودان، ولا تنتهي موائد الإفطار الجماعية بمجرد الانتهاء من الأكل والشرب والصلاة، وإنما تتعدى ذلك إلى مجالس وحلقات للسهر وتبادل أطراف الحديث التي تنتهي بالتنبيه لأداء صلاة التراويح.
ويتنافس الأغنياء والفقراء لإخراج الطعام والشراب مع غروب الشمس إلى الشارع وخاصة في الطرق السريعة التي تربط بين مدن البلاد، حيث يكون المارة من المسافرين لمسافات طويلة ويقوم المواطنون بإيقاف سائقي الحافلات والسيارات ويلحون في دعوتهم للنزول وتناول الإفطار ومن ثم مواصلة السفر.
ويقف الشباب على جوانب الطرقات السريعة، عارضين على المسافرين التمر والماء المثلج وأنواع من العصائر التي يقدمونها لهم في حال الإصرار على عدم النزول ومواصلة السير إلى حين انتهاء الرحلة.
وعادة لا يفرق السودانيون بين المارة في الشوارع ولا يهتمون إن كانوا مسلمين أو مسيحيين أو غير ذلك؛ فهم يصرّون على مشاركة إفطارهم مع جميع المارة بغض النظر عن معتقداتهم أو انتماءاتهم. وينتفي بالنسبة إليهم التقسيم والتفرقة حول موائد الإفطار الرمضاني، لتتوحد الحشود تحت عناوين أشمل مثل التسامح والمحبة والتعايش المشترك.
ويقول المواطن السوداني أحمد عبدالوهاب، إن “أهل السودان بصفة عامة يتناولون وجباتهم الروتينية في شكل مجموعات وهو أمر راسخ في ثقافتهم وطبيعة حياتهم الزراعية والرعوية”، مضيفا أن “التجمعات في شهر رمضان لتناول الإفطار تكون في مجموعات أكبر من باقي أيام السنة مراعاة لخصوصية الشهر، وأملا في الثواب”.
واعتبر الصحافي السوداني آدم محمد أحمد أن “ظاهرة خروج المواطنين بالطعام والشراب إلى الشوارع، ودعوة المارة لتناولها، هي عادات سودانية خالصة يحرص الشعب على التمسك بها في شهر رمضان رغم قسوة الظروف حاليا وشظف العيش”.
وأضاف أحمد، أن “الحرص على إبراز هذا الوجه الجميل والمتسامح للسودانيين نابع من ثقافتهم الدينية، أملا في الحصول على الأجر، وإعلاءً لقيم التكافل الاجتماعي”، فمشاركة الطعام مع الآخرين في نهاية يوم صيام شاق، في ظل ارتفاع درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية، يوفر للكثير من الناس شعورا بالراحة النفسية والرضا، تكريسا لقيم التكافل والتراحم في المجتمع.
وأفرزت موازنة السودان لعام 2018 أزمات اقتصادية متعددة، طالت مستوى معيشة المواطن التي تدهورت في ظل ارتفاع مشط في أسعار المواد الاستهلاكية، وتذبذب أسعار الصرف، مع بوادر شح في بعض السلع.
ولكن الملاحظ أنه بالرغم من قسوة الظروف المادية وصعوبة توفير المواد الاستهلاكية في بعض الأحيان إلا أن السودانيين لم يتخلوا عن أبرز تقليد لديهم في شهر رمضان ولم يتأخروا عن جلسات الإفطار الجماعي في الفضاءات العامة، فكل أسرة تجود بما عندها وتفضل أن تتقاسمه مع الآخرين تكريسا لمبادئ الكرم والتكافل والرحمة في شهر يطغى فيه الجانب الديني والروحي على كافة الجوانب الحياتية.
ويرسخ تمسك الكبار وأرباب الأسر من كافة الفئات الاجتماعية بهذه العادات الرمضانية في السودان نفس المبادئ لدى أجيال الصغار الذين يتربون على ثقافة التسامح والكرم والتكافل الاجتماعي وإطعام المساكين والفقراء وعابري السبيل لتستمر معهم هذه التقاليد ويورّثونها بدورهم للأجيال القادمة.
ومثلما يتشبّث السودانيون بعادات الإفطار الجماعي ويحرصون على إطعام عابري السبيل والفقراء، فإنهم يحرصون أيضا على المحافظة على جل تقاليد شهر رمضان الذي يغلبون فيه الجانب الروحي والديني.
ومن بين عاداتهم التي قاومت مرور الزمن والمتعلقة بالأكلات التقليدية التي تكاد لا تغيب على موائدهم طيلة أيام الشهر مثل العصيدة وشراب الكركدي وكذلك شراب الحلو مر أو الأبري الأحمر الذي يعد المشروب السوداني الأساسي والمفضل على مائدة الإفطار.
وتوطد هذه العادات العلاقات الاجتماعية بين الأفراد الذين جمعتهم مائدة إفطار مشتركة، حيث يتم التعارف وتجاذب أطراف الحديث قبيل أداء صلاة التراويح وتطرح المشكلات اليومية والقضايا الراهنة والمسائل الدينية وغيرها من المواضيع للنقاش.
وإلى جانب المشاركة في الإفطار تكون هناك مشاركة في الحوار وتبادل الآراء، الأمر الذي من شأنه أن يساهم في توطيد العلاقات القائمة بين الناس وينسج علاقات جديدة مع غيرهم.
هذه الدوافع الدينية والاجتماعية إلى جانب التشبث بالثقافة الأصلية جعلت السودانيين لا يفرطون في عاداتهم الرمضانية ويحيونها في شهر رمضان من كل عام على امتداد عقود، ولم تتغلب قسوة ظروف المعيشة وغلاء أسعار المواد الاستهلاكية خصوصا في شهر الصيام على هذه الدوافع وعلى العادات والتقاليد الراسخة في المجتمع السوداني.