الإفراج عن المعتقلين في مصر لا يحقق أغراضه

أعلنت الحكومة المصرية الإفراج عن 30 معتقلا على خلفية قضايا حريات، في خطوة الهدف منها الإيحاء باستمرار السلطة في بذل الجهود لإغلاق ملف المعتقلين، حيث سبق أن أفرجت عن دفعات أخرى، لكن هذه الإفراجات لا تسترضي المعارضة التي تريد الإفراج عن شخصيات مهمة ومعروفة.
القاهرة - زادت الحكومة المصرية من وتيرة الإفراج عن المعتقلين في قضايا رأي وحريات من خلال لجنة العفو الرئاسي، غير أن الزيادة لم تحقق أهدافها السياسية ولم ترض قوى المعارضة، فلا تزال الحكومة متهمة بالمراوغة وخطواتها غير مقنعة لمنظمات حقوقية داخلية وخارجية، بالإضافة إلى أن أسلوب الانتقاء الذي تعتمده بات مزعجا للمعارضة.
وأعلنت لجنة العفو الرئاسي الاثنين إخلاء سبيل 30 محبوسا احتياطا على ذمة قضايا بعيدة عن العنف والإرهاب (حريات) واستمرار جهودها في تنفيذ الإفراج عن مجموعة جديدة من المحبوسين احتياطياً بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة، وبعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة.
وتحاول الحكومة الإيحاء بأن لجنة العفو، التي أمر بتشكيلها الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل من العام الماضي، تبذل قصارى جهدها لغلق ملف المعتقلين، إلا أن الخطوات التي تقطعها لا تزال بطيئة وبحاجة إلى قطع مسافات أكبر.
ملف الإفراجات أحد العراقيل السياسية أمام بدء الحوار، حيث تطالب المعارضة بالإفراج عن شخصيات كبيرة ومعروفة
وتشير الأرقام التي تتداولها تقارير منظمات حقوقية إلى وجود عشرات الآلاف من معتقلي الرأي والحريات في السجون المصرية، بينما لم تعلن الحكومة أو اللجنة الرئاسية عن أرقام محددة، وتكتفي كلتاهما بتكذيب ما تعلنه المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
وجاءت المجموعة الجديدة المفرج عنها الاثنين بعد خمسة أيام من إعلان مماثل من لجنة العفو الرئاسي بحق 33 محبوسا احتياطا، أبرزهم الصحافي أحمد علام وزياد أبوالفضل عضو حزب العيش والحرية (تحت التأسيس).
ويشكك حقوقيون في الجدوى السياسية لما تقوم به لجنة العفو لأجل التمهيد لإصلاحات سياسية في البلاد، ويعتقدون أن الإفراجات التي أعلنت عنها دون المستوى المطلوب حتى الآن، وهناك إعادة تدوير لبعض القضايا وأن القبضة الأمنية لم تنخفض حدتها.
وقال الحقوقي ومدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت على حسابه في تويتر مؤخرا إن “29 ممن تم الإفراج عنهم من الـ33 شخصا اعتقلوا بعد تشكيل لجنة العفو (في أبريل العام الماضي)، ومن أول يناير الماضي حتى الأول من مارس الحالي أفرجت نيابة أمن الدولة العليا عن 124 سجين رأي، وحبست 459 جددا، وبذلك ارتفع عدد سجناء الرأي خلال شهرين بإجمالي 371 شخصا على الأقل”.
وتضاعف هذه الأرقام، إنْ كانت صحيحة، هواجس منظمات حقوقية ترى أن ثمة تحايلا يدل على أن الحكومة لا تريد تصفية ملف الإفراجات تماما، وممارساتها توحي بوجود جناح فيها يعمل على عرقلة الخطوات الإيجابية التي طالب الرئيس السيسي باتخاذها.
ويقول مراقبون إن الحكومة تسعى إلى توظيف ملف الإفراجات السياسية، وربطوا بين آخر خطوتين وبين جولة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في المنطقة وتشمل القاهرة، حيث أشارت تقارير أميركية أخيرا إلى أن ملف حقوق الإنسان ستتم مناقشته أيضا من المسؤولين في مصر للإيحاء بأن الإدارة الأميركية بكل طواقمها معنية به.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن القاهرة حصدت إشادات غربية لتطويرها الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتدشين الحوار الوطني والشروع في الإفراج عن قوائم عدة، وتريد تثبيت بعض القناعات الخارجية بأنها حريصة على إدخال إصلاحات حقيقية.
ويعد ملف الإفراجات إحدى العراقيل السياسية أمام بدء الحوار الوطني مهامه بصورة عملية؛ حيث تطالب قوى معارضة، في مقدمتها الحركة المدنية الديمقراطية، بالإفراج عن شخصيات سياسية كبيرة ومعروفة، بينما تكتفي الحكومة من خلال لجنة العفو بالإفراج عن أسماء معينة مجهولة جرى الزج بها في مواقف تبدو مصطنعة.
وهددت قيادات في الحركة المدنية صراحة وضمنيا بالانسحاب من الحوار الوطني إذا لم تقم الحكومة بتوسيع دائرة الإفراجات عما هو موجود، ونجحت في توصيل صوتها إلى مسؤولين كبار في الدولة المصرية وعدوا بمراعاة هذه القضية قريبا.
وتم الإفراج عن أسماء كبيرة مؤخرا، مثل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، والمهندس يحيى حسين عبدالهادي، والصحافي عبدالناصر سلامة، والمحامي زياد العليمي، وعاد المعارض المهندس ممدوح حمزة من الخارج، وكلها علامات تشير إلى حرص النظام المصري على الإصلاح السياسي.
ويرى تيار في مصر أن عملية الإصلاح ضرورية الآن، ويجب عدم البطء فيها، لأنها خطوة مهمة لامتصاص تداعيات الأزمات الاقتصادية على الشعب؛ فالحكومة لن تستطيع استيعاب الغضب المكتوم حال انفجاره، وتحتاج إلى مساندة من قبل المعارضة، والتي لن تقدم على ذلك ما لم تثق بأن الحكومة تتجاوب مع مطالبها بشكل جيد.
بينما يعتقد تيار آخر أن عملية الإصلاح الكامل صعبة، لأنها تتطلب تضحيات من قبل الحكومة وتنازلات عما اعتادت عليه وتكيفت معه سياسيا وأمنيا، وقد يفسح توسيع نطاق الانفتاح المجال للحديث عن استعدادها للمصالحة مع جماعة الإخوان.
وفسرت قوى معارضة الأحكام المشددة التي أصدرتها محكمة أمن الدولة طوارئ ضد عدد من الشخصيات التي تنتمي إلى تنظيم الإخوان بأنها مؤشر على أن طريق المصالحة معه مليء بالأشواك، وأن ملف المصالحة مع الإخوان لا يزال موضوعا على الرف.
وقضت المحكمة الأحد بالسجن بين 5 و15 عاما بحق أربعة حقوقيين بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية (الإخوان) وتمويلها.
وأكدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات أنه تم الحكم على المتهمين في القضية المعروفة إعلاميا بقضية “التنسيقية المصرية” من قبل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ والتي لا يُطعن في أحكامها، ولم تشر المفوضية إلى أن أغلب المحكوم عليهم ينتمون إلى جماعة الإخوان أو من المقربين منها والمحسوبين عليها.
والنائب العام المصري هو صاحب سلطة إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا، وللرئيس المصري حق العفو الشامل عن كامل العقوبة أو بعضها في حال صدور حكم بالإدانة.
وتعد الصيغة المعلقة التي وصل إليها هذا الملف محرجة للحكومة وقوى المعارضة، لأنه لم يحقق أهدافه للطرفين، ونجاحه مرهون بقدرة الحكومة على زيادة أعداد المفرج عنهم وضم شخصيات نوعية إلى قوائم لجنة العفو، وتفهم المجتمع المدني أن المسألة بحاجة إلى التدرج كي تبدو الإفراجات بعيدة عن الاستجابة لأي ضغوط داخلية أو خارجية.