الإفراجات المتتالية عن نشطاء تضع الرواية الرسمية في مصر محل مساءلة

خروج مجموعة جديدة من المعتقلين يعزز الثقة في الحوار الوطني.
الثلاثاء 2022/09/27
دفعة جديدة من المفرج عنهم

القاهرة - تثمّن قوى سياسية الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية بشأن الإفراج عن المزيد من المحبوسين على ذمة قضايا رأي وحريات ونشطاء حقوقيين، باعتبارها من الخطوات اللازمة التي تمهد الطريق أمام نجاح الحوار الوطني الراهن بين الحكومة وقوى المعارضة، لكنها في الآن ذاته تضع الحكومة محل مساءلة لاسيما وأنها نفت مرارا وجود معتقلي رأي لديها.

ومع كل دفعة جديدة يتم الإعلان عن الإفراج عنها تثبت الحكومة خطأها سابقا وصواب وجهة نظر بعض المنظمات الحقوقية التي أشارت إلى وجود الآلاف من المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، في وقت درجت الحكومة على إنكار الأرقام التي حددتها تلك المنظمات دون أن تعلن عن أرقام حقيقية بصورة مباشرة ودقيقة.

وتجدد النقاش حول هذه المسألة مع إعلان عضوي لجنة العفو الرئاسي المحامي طارق العوضي والبرلماني طارق الخولي، الاثنين، إفراج السلطات المصرية عن 39 شخصا من المحبوسين احتياطيا وهي ثالث قائمة عفو خلال عشرة أيام فقط.

وجاءت هذه الخطوة بعد أن أخلت الحكومة المصرية سبيل 46 شخصا في منتصف سبتمبر الجاري، بينهم الناشط الحقوقي البارز هيثم محمدين، وبعد خمسة أيام جرى الإفراج عن 28 آخرين، بينهم الصحافيان صلاح الإمام ومجدي عطية.

وارتفع عدد الذين تم إطلاق سراحهم بمعرفة لجنة العفو الرئاسي في قضايا رأي وتعبير وحريات ونشطاء سياسيين إلى حوالي 300 شخص منذ الإعلان عن إعادة تشكيل لجنة العفو الرئاسي بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي.

وتساعد قرارات العفو على تعزيز الثقة بين الحكومة والمعارضة، حيث تعتبرها الأخيرة من الملفات الحيوية التي يؤدي حسمها وتجاوزها مبكرا إلى توفير أجواء مناسبة لتمضي عجلة الحوار الوطني الذي يرعاه الرئيس السيسي إلى الأمام.

وكشفت تقديرات غير رسمية أن عدد المفرج عنهم وصل إلى 800 شخص من دون تحديد عدد المعارضين والنشطاء السياسيين بينهم، حيث قالت السلطات المصرية إنها “تلتزم بالقانون ولا تميز بين سجين وآخر والجميع لديها سواء”.

وتعمدت السلطات المعنية أن تكون لجنة العفو المسؤولة عن التنسيق مع أجهزة الدولة في مسألة الإفراج غير قاصرة على النشطاء والحقوقيين والسياسيين، وضمت معها كل من يصدر له عفو رئاسي بعيدا عن الظروف التي قادته إلى السجن، وشمل الإفراج غارمين وغارمات ومتهمين في قضايا ليس بالضرورة أن تكون لها جوانب سياسية.

وأرادت الحكومة من وراء هذا الشمول التنصل من تحديد عدد المعتقلين لدواعي تتعلق بالحريات العامة، وعندما يبدو عدد المفرج عنهم كبيرا لا يثير الانتباه بأن هناك الكثير من المعتقلين لأسباب سياسية، وهو ما دعا إلى أن يكون رقم المفرج عنهم من المعروفين في قضايا الحريات أقل من غيرهم، وتدرج الأسماء في جداول معلنة بلا إشارة إلى طبيعة القضية التي جرى الحبس فيها لتجنب تحديد أسماء المحبوسين في قضايا سياسية.

ويقود التشويش على هوية المفرج عنهم إلى استنتاجات متنوعة، بعضها خاطئ وبعضها صحيح، ويتسبب اللغط في فتح الباب أمام وضع علامات استفهام حول المنهج الذي تعمل به السلطات المصرية، والمدى السياسي الذي يمكن أن يذهب إليه.

800

شخص جرى الإفراج عنهم من دون تحديد عدد المعارضين والنشطاء السياسيين

وقد استفادت الحكومة من أن عددا كبيرا من أصحاب الميول السياسية من المعتقلين غير معروفين إلا لذويهم والقريبين منهم، وغالبيتهم كانوا نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي وكتبوا تعليقات رأت فيها الحكومة خروقات يعاقب عليها القانون.

وكان القاسم المشترك في معظم القضايا هو نشر أخبار كاذبة والحض على الفوضى والتعاون مع جماعة إرهابية (جماعة الإخوان)، وهي من التهم المطاطة والعناوين الرمادية التي تسمح بوضع العديد من الأشخاص تحت طائلتها.

وبقدر ما يعد استمرار الإفراجات خطوة جيدة تصب في صالح السلطات المصرية بقدر ما أصبحت تحسب عليها لأن الزيادة المتصاعدة في الأرقام تدفع قوى معارضة نحو ممارسة ضغوط مضاعفة عليها لحثها على الإفراج عن المزيد من المعتقلين.

وبدأت منظمات حقوقية داخلية وخارجية تتحدث عن صواب تقديراتها حول أعداد المعتقلين، والذين قدرهم البعض بحوالي 60 ألف معتقل في غضون السنوات الثماني الماضية، وهو رقم ضخم يصعب أن تستوعبه السجون المصرية لكن توالي الإفراجات يمنح رؤية المنظمات الحقوقية نوعا أعلى من التشكيك في مصداقية الحكومة.

وتواجه القاهرة موقفا حرجا يمكن أن يدفعها إلى البطء في الإفراجات التي أصبحت في مقدمة مطالب المعارضة لنجاح الحوار الوطني، فالأعداد التي خرجت من السجون بقرارات عفو يمكن توظيفها سياسيا ضد الحكومة المصرية.

وزاد الحرج مع ما رافق المفرج عنهم من صعوبات تتعلق بعملية دمجهم في المجتمع وإعادتهم إلى وظائفهم وأعمالهم وأشغالهم، حيث أدت فترة الغياب الطويلة داخل السجون إلى انقطاعهم عن العمل أو الدراسة، بما يستوجب الحصول من النيابة على ما يفيد أنهم كانوا قيد التحقيق والاحتجاز، وهي مسألة حساسة لأنّ أيّ بيانات رسمية بهذا الخصوص قد تستخدم في رفع قضايا ضد الحكومة للمطالبة بتعويضات مالية.

وباتت عملية الإفراجات مهمة سياسيا لتحسين صورة الحكومة داخليا وخارجيا، غير أن العقبات التي تصطدم بها ربما تؤثر على الطريقة التي تعمل بها آلية لجنة العفو الرئاسي ما لم يتم الاتفاق على خطوط عريضة تحسم الجدل بشأن الأرقام.

ويقول مراقبون إن السلطات المصرية في حاجة إلى جرأة أكبر في مواجهة الأمر بشجاعة وتفرج عن شخصيات كبيرة من المعتقلين السياسيين وتتخلى عن الحذر الذي يصاحب تحركاتها بشأن بعض الأسماء، حيث يترك خروج نشطاء مثل زياد العليمي وعلاء عبدالفتاح وأحمد دومة أثرا جيدا بأن الحكومة تريد نجاح الحوار الوطني.

ويضيف المراقبون أن الاحتفاظ بهذه الأسماء كأوراق يمكن اللجوء إليها لاحقا يجعل الحكومة تظهر كأنها مترددة الآن في التوجهات السياسية التي تتبناها، ويبقي الالتباس مستمرا حول تصوراتها لمنح الحوار الوطني دفقة معنوية قوية.

العفو

2