الإعلام لن ينتهي إلا بنهاية البشرية

الشارقة – قال الإعلامي المصري محمود سعد إن الإعلام الرقمي أصبح لغة العصر حاليا لأنه بات بإمكان أي شخص أن يترك بصمة من خلاله، مشيراً إلى أن الإعلام لن ينتهي إلا بنهاية البشرية لكن علينا نسيان الإعلام التقليدي وإتاحة الفرصة أمام الشباب لصنع المستقبل.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان “من الإعلام التقليدي إلى الجديد.. خطاب لمسيرة إعلامية” نظمها نادي الشارقة للصحافة في منصة “حديث الاتصال الحكومي” ضمن فعاليات اليوم الأول من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2023 الذي نظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة في مركز إكسبو الشارقة خلال يومي 13 و14 سبتمبر الحالي تحت شعار “موارد اليوم… ثروات الغد”.
وأوضح سعد أن وسائل التواصل الاجتماعي تمتلك الكثير من المميزات التي تجعلها تتفوق على وسائل الإعلام التقليدية، أبرزها وجود مساحة كبيرة من الحرية على عكس وسائل الإعلام التقليدية التي تعتمد على ضوابط مُلزمة، فضلاً عن كون النجاح فيها لا يعتمد على المحسوبية والمحاباة وبإمكان أي شخص أن يصل إليه طالما أنتج محتوى يحظى بإعجاب المتابعين.
وقال “لا بد من نسيان الإعلام التقليدي والنظر إلى ما هو جديد حتى تصبح لدينا القدرة على ابتكار إعلام عصري يعمل وفق متطلبات المرحلة فالحياة تفرض قواعد جديدة ومتغيرة والإعلام لن ينتهي إلا بنهاية البشرية، لكن علينا فقط إتاحة الفرصة أمام الشباب لصنع مستقبلهم”.
وكان الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، افتتح في وقت سابق بحضور الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي، نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس الشارقة للإعلام، فعاليات الدورة الثانية عشرة من المنتدى الدولي للاتصال الحكومي، الذي يستضيف أكثر من 250 متحدثاً.
ويشكل المنتدى فرصة للتفكير خارج الصندوق في التعامل مع الواقع الإعلامي والاتصالي، لاسيما مع الثورة التكنولوجية التي يشهدها العالم، وتتضمن فعاليات المنتدى الكثير من المحاور التي تسلط الضوء على قضايا ملحة مثل الأمن الغذائي والتغير المناخي وكيفية التعامل مع الموارد لخلق الثروة.
وأكد الشيخ سلطان بن أحمد في كلمة افتتاح المنتدى أن تحويل الموارد إلى ثروات لا يمكن أن يتحقق إلا بمثلث المورد الطبيعي والمورد البشري المؤهل والتكنولوجيا المتطورة، مستعرضاً نماذج رائدة من التاريخ والحاضر حول استثمار تلك الموارد لتحقيق الأمن الغذائي، ومبيناً أهمية تشجيع التفكير الاقتصادي والإداري في استغلال الموارد الطبيعية.
وقال “نحن هنا لنناقش ونتحاور ونسلط الضوء على أفكار وحوارات تبلورت على مدار الأعوام السابقة، تولدت منها أفكار كثيرة تحولت إلى حقائق، ولنستعرض الحلول، ونتساءل: كيف يمكننا تحويل الموارد إلى ثروات على أرض الواقع؟ فالله تعالى لم يخلق هذه الأرض إلا وجعل مواردها تكفي من يسكن فيها، مثلث الإجابة عن هذا السؤال: مورد طبيعي، مورد بشري مؤهل، وتكنولوجيا متطورة”.
وأضاف “في مصر القديمة، وفي بلدة تسمى طيبة، استشرف أهلها مجاعة محتملة، قد تستمر لأعوام، وتؤثر على موردهم الرئيسي للغذاء، فمحصول القمح في تناقص، لذلك استعان الملك آنذاك بمورد بشري خبير في عمله، وضع خطة محكمة ودقيقة، تفتقت فيها خلاصة الفكر لابتكار تقنيات جديدة لحفظ القمح لسنوات المجاعة. هنا تساءل الناس: لماذا هذا العدد الكبير من صوامع الغلال؟ ما الجدوى من حفظ القمح في سنبله؟ لماذا هذه الطريقة المبتكرة؟ كانت الإجابة حاضرة، المجاعة ستعم، وسيستعين بنا الآخرون، وسننقذهم من مخزوننا. وهنا تبرز العبقرية الاقتصادية والإدارية في تحويل الموارد إلى ثروات. أعتقد أن بعضكم أدرك أنني أتحدث عن يوسف عليه السلام”.
ولفت الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي إلى الشارقة كنموذج رائد في استثمار القمح كمورد طبيعي هو من أقدم المحاصيل الزراعية التي عرفتها البشرية، وثاني أضخم محاصيل الحبوب في الكرة الأرضية، ومصدر رئيسي للغذاء لأكثر من نصف سكان العالم، قائلاً “نحن كذلك في الشارقة استشعرنا هذا الخطر، فأطلق صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مشروع الأمن الغذائي، وبدأه بمزارع القمح، حيث اختار أفضل بقعة في قلب الصحراء، وأجرى عشرات التجارب العلمية لاختيار أفضل نوع من القمح يصلح للزراعة، وحل مشكلة المياه بربط التربة بالأقمار الصناعية التي تعطي الأوامر بالري حسب الحاجة. وفي العشرين من مارس من هذا العام أكلنا أول رغيف بُذر وحُصد وخُبز في الشارقة، والعمل جار على مشاريع تحقق الأمن الغذائي المنشود لننتقل من دائرة الحاجة إلى دائرة الاكتفاء لنا وللأجيال المقبلة”.
وسلط الضوء على أهمية القضية التي يطرحها المنتدى في دورة هذا العام، فقال “نركز على تجارب عالمية ناجحة في استثمار الموارد، نحاول استعادة زخم الحوار الدولي، ونؤكد التزامنا في البحث عن حلول ممكنة لتحديات العصر، فالشارقة اليوم، مثلما تشارككم تجربتها في هذا المنتدى، فهي تتطلع إلى الاستفادة من خبراتكم للإصغاء لكم، ولمحاولة قول ما لم يقل حتى اليوم حول الثروات والاستدامة، لتحقق شعار المنتدى ‘موارد اليوم .. ثروات الغد'”.
بدوره تحدث طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، خلال افتتاح أعمال المنتدى عن التحديات التي يواجهها العالم في مجال الثروات والموارد، وأكد أن هذه القضية ليست قديمة، بل هي معاصرة وتزداد أهمية مع مرور الوقت، حيث يواجه العالم تحدياً كبيراً ليس في ندرة الموارد، بل في كيفية إدارتها واستثمارها بشكل فعّال.
وقال علاي “بالنظر إلى كل هذه الحقائق تظهر المهمة المركزية للاتصال الحكومي، والتي تتجسد في رسم وتوجيه مسار التغيير؛ فنحن نعلم أن السياسات والخطط وحتى الحلول تظل حبراً على ورق إذا لم تتحول إلى ممارسة واعية للمجتمعات وسلوك يومي يضع الطموحات والأهداف في مسار التحقق والتنفيذ، لهذا نلتقي لنفعّل دور الاتصال الحكومي في رفع وعي الأفراد والمجتمعات، ونؤكد أن ما يزيد عن استهلاكنا كفيل بسد حاجة شخص ما حول العالم، وننتقل إلى تصويب القرارات الكبرى للمؤسسات الرسمية والكيانات الاقتصادية”.
وتحت عنوان “كيف نبني للبشرية مستقبلاً مستداماً؟” تحدثت مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة ورئيسة مجلس الإمارات للأمن الغذائي، مؤكدة أن الاستدامة في الإمارات هي رحلة بدأها الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، واستكملها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ويسير على خطاهما الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وإخوانه، وأشارت إلى جهود الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يرسخ نهجاً جديداً للاستدامة في التعليم والثقافة والبيئة والتنمية.
وشهدت فعاليات افتتاح المنتدى خطاباً ملهماً للقاضي الأميركي فرانشيسكو كابريو، المعروف بـ”القاضي الرحيم”، تحدث خلاله عن رحلته كقاضٍ وكيف تعلم من والده أن يكون رحيماً ومتفهماً مع الناس الذين يأتون إلى قاعة المحكمة، وشارك بعض القصص المؤثرة عن القضايا التي حكم فيها وكيف أثرت على حياته وحياة الآخرين، مبيناً أهمية التواصل الفعال والتكنولوجيا في نشر رسالة الرحمة واللطف في عالم مضطرب، ومثنياً على الشارقة والإمارات كمثال رائد وحقيقي للعناية والرعاية.
وقال كابريو “أعتقد أن القاضي ليس مجرد موظف حكومي يطبق القانون بحرفية، بل هو إنسان يتعامل مع إنسان. لذلك، يجب أن يكون القاضي عادلاً ومنصفاً ومحايداً، ومع ذلك عليه أن يكون رحيماً ومتفهماً ومتعاطفاً مع الناس الذين يأتون إلى قاعة المحكمة، كما أن القاضي له دور مهم في تثقيف وتوجيه ومساعدة الناس على حل مشاكلهم والتغلب على تحدياتهم. لذلك فإنني أحيانا أجعل الناس يضحكون أو يبكون أو يشعرون بالإلهام. أحيانا أخفف عقوباتهم أو أعفيهم منها إذا كانوا يستحقون ذلك”.
وضمن خطابات المنتدى، وتحت عنوان “كيف نرسم خارطة عالم خالٍ من الجوع؟”، تحدثت فاندانا شيفا، الباحثة والناشطة البيئية، عن الحلول المبتكرة لأزمة ندرة الموارد ومكافحة الجوع في العالم، مشيرة إلى أن الطعام هو أكثر من مجرد ضرورة للبشر، بل هو العملة الأساسية للحياة على الأرض.
وقالت شيفا إن “شبكة الحياة هي في الواقع شبكة غذائية، وعندما تتعطل تؤدي إلى أزمة مزدوجة، أزمة بشرية حيث يكون هناك عدد كبير من الأشخاص ليس لديهم طعام، وعدد أكبر ليس لديهم طعام صالح للأكل؛ إذ تؤدي الزراعة الموحدة واستخدام المواد الكيميائية بشكل مفرط والأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية إلى تدمير بيئتنا، وتؤدي أيضا إلى انهيار تدريجي لحدود كوكبنا، وذلك يقودنا إلى الانقراض”.
وأضافت “علينا أن نعرف أن نظام الغذاء السيء هو في الأصل سبب الوباء المزمن للأمراض، فنحن نخسر تريليونات الدولارات سنويًا بسبب السرطان والسكري والعقم وعيوب الولادة، وذلك لأنه توجد علاقة وطيدة بين صحة أمعائنا وأدمغتنا وكيف نزرع ونعد طعامنا، لهذا علينا العمل على تحويل نظام غذائنا، وتعليم الأجيال الجديدة كيفية حماية صحة الأرض من خلال إنتاج الغذاء بطريقة مستدامة، وليس بطريقة تزيد من تداعيات التغيّر المناخي”.
وتخلل حفل الافتتاح عرض مرئي عبّر عن شعار المنتدى الدولي للاتصال الحكومي لهذا العام، مستعرضاً ما يمكن أن تؤول إليه البشرية في حال عدم تركيز اهتمامها على الموارد التي تمتلكها، وكيف يمكن أن تصبح الحياة قاسية في حال تخلى الإنسان عن دوره كمسؤول عن حماية الأرض وثرواتها. كما تضمن الحفل الذي قدمه الإعلامي محمد الطميحي، مقدم البرامج في قناة العربية، فقرتين حواريتين مع كل من الناشطة البيئية الشابة غاية الأحبابي سفيرة اليونيسف لمؤتمر الأطراف “COP 28” الملقبة بالفتاة الخضراء والطفلة غميلة الكتبي، حيث عبرتا عن تصورهما للمستقبل وما يطمحن إلى بلوغه لتحقيق تطلعات وأهداف دولة الإمارات على وجه العموم وإمارة الشارقة على وجه الخصوص.