الإعلام بين الإخبار والإثارة يمنح الإرهابي دور البطولة

الرباط - يتفاوت الإعلام في تغطيته للعمليات الإرهابية بين سارد بموضوعية للحدث وبين متتبع بإفراط يدفعه هدف إثارة الجمهور؛ مرة باعتماده البث الحي، وأخرى بالتركيز على الضحايا وهول الخسائر المادية، وبين الإخبار والإثارة تبرز تداعيات سلبية كثيرة؛ أكثرها شيوعا نسف الشعور بالأمان لدى أكبر شريحة من المتلقين.
وتكثر التخوفات من أن يقع الإعلام، أثناء متابعته للعمليات الإرهابية، في شرك إشباع حاجة الإرهابيين إلى تهويل قدراتهم وتسويق الرعب بين الجمهور، في حين أن أكبر المحاذير أن تؤخذ هذه المتابعة من قبل البعض على أنها تسويغ وتمجيد ويعتبرونها كنماذج للاستلهام والتنفيذ حتى لو كانت بنسبة قليلة جدا، كما حدث في عدة حالات موثقة عالميا.
ويؤكد المتخصصون في متابعة الظاهرة أن تحديد تعريف واضح بعيد عن الالتباس من شأنه أن يوفر إمكانية تحقيق “التجانس في مقاييس تقييم المخاطر، وتفسير البيانات، وتطبيق مبادئ المكافحة بشكل صحيح وفعال وفقا لاحتياجات كل بلد”.
ويقولون إن قمة ما ينشده منفذو العمليات الإرهابية أن يتم الترويج لأفعالهم بقصد تعميم حالة من الهلع والرعب وإثارة انتباه أكبر عدد ممكن، للوصول إلى الإقناع بأنهم أصحاب قضية، وأنهم يملكون القوة الضاربة المفاجئة التي تقبع في كل مكان، ولا سبيل إلى تفاديها.
وقال الباحث التونسي جلال التليلي “هناك تقاطعات بين الإعلام والإرهاب بعضها وظيفي في مستوى تقاسم عفوي للأدوار والوظائف الدعائية من جانب المؤسسات الصحافية ولكنه مقصود من جانب المُخطط الإرهابي حيث يقوم هذا الأخير بالتنفيذ مع اختيار المكان والزمان والضحايا تاركا للفاعل الإعلامي مهمة النشر والمبالغة على أوسع نطاق”.
ووفق ما ذكر تقرير لوكالة أنباء المغرب العربي، يفضل كثير من الأمنيين أن تبقى هذه العمليات خارج التغطية الإعلامية المفرطة، لنسف الهدف الأساسي لمنفذيها في الحضور إعلاميا ومحاولة إكساب أنفسهم شرعية ابتزاز مشاعر العامة والهيمنة على المشهد. إذ دون ترويج إعلامي تفقد هذه العمليات، برأيهم، نفعيتها بالنسبة لهؤلاء، بل قد يثنيهم تجاهلها أو تقليص حجم مواكبتها عن التخطيط للمزيد.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن العلاقة بين أطراف مدبري ومنفذي هذه العمليات والمكلفين بالتغطية الإعلامية لمجرياتها ونتائجها قد تنزلق، بقصد من طرف وغفلة من الطرف الآخر، إلى مستوى تكون فيه “تكاملية”؛ إذ في الوقت الذي يبحث فيه الإعلامي عن كل ما هو مثير لجلب قراءات ومشاهدات أكثر، خدمة لتسويق أكبر لمنتوجه، يعمد الإرهابي إلى توفير هذه الإثارة عن طريق استخدام أكثر أساليب التعنيف والبطش قساوة، لشد انتباه وسائط الإعلام واقتناص خدماتها وتحقيق أوسع رواج للحادث وزرع أكبر جرعة من التخويف والفتنة والفوضى، لدرجة أن نجاح أي عملية من هذا القبيل، إنما يقاس لديه بمدى رواجها وشيوعها إعلاميا.
وترى الصحافية بريجيت إل.ناكوس الأستاذة المساعدة في العلوم السياسية بجامعة كولومبيا، أن “الدعاية في الماضي ولا تزال اليوم هي الأوكسجين أو شريان الحياة للإرهاب. وفي حين أن تكنولوجيا التواصل عبر الإنترنت تسمح للإرهابيين من جميع الأصناف بالإعلان عن أنفسهم، فإن التغطية الإعلامية المثيرة للإعجاب للهجمات الإرهابية تضخم الدعاية بالفعل وتنشر فايروس العدوى الإرهابية”.

بريجيت إل.ناكوس: الدعاية هي الأوكسجين أو شريان الحياة للإرهاب
ويبقى في عرف الإعلامي أن “الخبر ليس ملكا للصحيفة، وليس ملكا للرأي العام، ولكنه ملك فقط للحقيقة”، هذا البحث التنويري عما يجري حقيقة، لا يخفي الرغبة في التنافس الإعلامي والسباق لنشر الخبر المثير وكسب جمهور أوسع من المتابعين.
ورغم أن الإيذاء العمد غير مقصود إطلاقا لدى وسائل الإعلام، غير أن السباق الصحافي لتسلق قائمة المصادر الإعلامية الأولى في جلب الخبر ووضع المتلقي في قلب الحدث بالصوت والصورة عند حدوث أي من العمليات الإرهابية وفي مختلف أنحاء العالم، يحمل معه محاذير الانزلاق إلى خدمة أحب أهداف الإرهابيين، وليس أقلها الترويج للخوف، وأقصاها ما قد يتبادر إلى ذهن بعض المهووسين بالشهرة والبطولات الوهمية تجرفهم إلى التفكير في إمكانية النسج على منوال ما حدث والقيام بأعمال مماثلة.
وشهد العالم بعد حدوث عمليات إرهابية نوعية سلسلة مماثلة في ظروف زمنية متقاربة دون أن تكون صادرة عن نفس الجهات، بل تبين بالتحقيق أنها من تنفيذ أفراد إرهابيين هواة استهوتهم تلك العمليات بعدما شاع صيتها عبر مختلف وسائل الإعلام.
وتندرج في هذا النطاق العمليات المتسلسلة للهجوم بالعربات على جموع الناس أثناء تجوالهم أو احتشادهم في المنتزهات والأسواق. والقائمة تطول لتعداد العمليات التي تم نشر تفاصيلها عبر وسائل الإعلام أو بُثَّت مجرياتها في وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد أكد جون إيرنست البالغ من العمر 19 عاما في سان دييغو في كاليفورنيا، أن الأخبار عن الحادث الإرهابي في كنيسة كرايستشيرش في نيوزيلندا قد أقنعته على الفور أن عليه أن يقلد هذا المثال. حيث حصل على بندقية هجومية وكتب بيانا رسميا وصف فيه قاتل كرايستشيرش بأنه أحد أبطاله. وفي 27 أبريل، بعد أقل من ستة أسابيع من حادثة إطلاق النار الجماعي في كرايستشيرش، دخل كنيس لليهود في بواي خلال خدمة عيد الفصح. وبعد إطلاق النار على أحد المصلين حتى الموت وإصابة ثلاثة آخرين، تعطلت بندقيته.
ويجزم باحثون أن حضور الإرهاب كمادة خبرية ثابتة في مختلف الوسائط الإعلامية، وأيضا الفنية والثقافية كالسينما، يحمل مخاطر إدخال هذه الظاهرة في حكم العادي، فيما يضمر الإعلام، وفقا لضرورة منطقية وأخلاقية، القناعة بأن ظاهرة الإرهاب حالة استثنائية، وخارج مألوف حياة المجتمعات المتحضرة.
وينبغي لها أن تتسرب إلى حدس وإدراك وأيضا قناعة المتلقي على أنها كذلك. وليس من مصلحة أي كان أن تتحول إلى حالة طبيعية معتادة، لأن الخطر القائم جراء ذلك أن تتسع دائرتها، وتلحق تغييرات في صلب قناعات الرأي العام بعدد من القيم الأخلاقية كالوئام والتعايش والتسامح وتقبل الآخر في اختلافاته والاعتدال بدل الوقوف في الزوايا الموحلة للتطرف.