الإعلام اللبناني يعتمد الضبابية لإخفاء مصادر تمويله

الإعلام والسياسة في لبنان يسيران جنباً إلى جنب، فمعظم الذين يمتلكون وسائل إعلام لبنانية ينتمون إلى سياسيين، أو إلى عائلات ذات نفوذ أو لديها مصالح.
الثلاثاء 2024/06/04
تصفية حسابات سياسية

بيروت - كشف تقرير حديث لمؤسسة سمير قصير (سكايز)، أن 80 في المئة تقريباً من وسائل الإعلام ترتبط من خلال الأسهم والملكية بالطبقة السياسية اللبنانية، وأن 90 في المئة من وسائل الإعلام تُصرّ على إخفاء مصادر تمويلها، والتي نادراً ما ترتبط بالإعلانات أو عائدات الإنتاج.

واستندت هذه النتيجة إلى تحديث المؤسسة لمرصد ملكية وسائل الإعلام في لبنان، بعد خمس سنوات على إطلاق المشروع، والذي جاء تبعاً للتطور الذي طال العمل الإعلامي، مع نشأة الإعلام الرقمي، وبروز دور لوسائل التواصل الاجتماعي التي يستقى منها المتلقون معلوماتهم الأولية. وقد جمع عدداً من الوسائل الإعلامية التقليدية والبديلة.

وأفاد أيمن مهنا المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، أن قرار تحديث المؤشر “يأتي بعد التغيرات الجذرية التي عصفت بالبلد، إضافة إلى إغلاق العديد من الوسائل الإعلامية، والانتخابات النيابية التي أجريت العام 2022، وكان واضحاً مدى تأثير وسائل الإعلام فيها، وما أظهرته من ترابط مصالح سياسية وإعلامية. إضافة إلى ما يحدث على الصعيد العالمي كعصر التضليل الإعلامي والأخبار الكاذبة، وظهور الذكاء الاصطناعي”.

70

في المئة من مالكي وسائل الإعلام مرتبطون بسياسيين منتخبين أو معيّنين

وأتت نتائج المرصد الذي يعتمد على مدى شفافية وسائل الإعلام في الإفصاح عن مالكيها والمستثمرين فيها، متوقعة باعتبار أن الإعلام يعتمد الضبابية وإخفاء مصادر تمويله. فأربع وسائل إعلامية كانت شفافة في الرد على المراسلات التي طلبتها “سكايز” من المؤسسات الإعلامية، وهي “درج” و”ميغافون”، و”لوريان لوجور”، وإذاعة “صوت كل لبنان”.

وقال التقرير إن أكثر من 70 في المئة من مالكي وسائل الإعلام مرتبطون بسياسيين منتخبين أو معيّنين، بما في ذلك أعضاء البرلمان أو الوزراء أو قادة الأحزاب. وأصبحت الروابط العائلية تعكس التحالفات السياسية والإعلامية، ليست فقط الموالية، بل أيضاً الشركات الإعلامية الكبيرة التي ليس لديها توجه ثابت. والدليل على ذلك، إقفال العديد من المؤسسات الإعلامية بعد تراجع القوة السياسية وإقصاء شخصيات معينة عن الساحة السياسية، وفق ما عرضته الصحافية والباحثة في “سكايز” وداد جربوع.

وكشفت جربوع، عن المراسلات التي توجهوا بها إلى الوسائل الإعلامية، فالبعض منها أتت الإجابة عليه عامة وليست معمقة. والبعض الآخر تجاهل المراسلات. وقد اعتمد رصد مؤشر الملكية على بحث المؤسسة في السجلات التجارية للمؤسسات في وزارة العدل، ولم يفلح قانون حق الحصول على المعلومات، في إتاحة حصول المؤسسة على الإجابة من مصدرها. فالبحث في أرشيف السجل التجاري لوزارة العدل يعطي معلومات عامة أساسية كاسم المالك أو الاسم الجزئي للشركات أو عن طريق رقم التسجيل الخاص بها. إذ ليس من السهل دائماً العثور على أسماء الشركات التي تمتلك وسائل الإعلام في السجل التجاري، فطريقة جميع البيانات ما زالت بدائية، كما أن وسائل الإعلام قد لا تلجأ إلى إدراج تعديلات لأيّ مستثمر أو مالك جديد للمؤسسة. فلا طريقة موحدة في كتابة وإدخال البيانات، بعضها بالعربية والبعض الآخر باللاتينية.

ويظهر مرصد ملكية الوسائل الإعلامية، بأن الإعلام والسياسة في لبنان يسيران جنباً إلى جنب، فمعظم الذين يمتلكون وسائل إعلام لبنانية ينتمون إلى سياسيين، أو إلى عائلات لبنانية ذات نفوذ أو لديها مصالح تجارية كبيرة. أما النساء، فحجم تمثيلهن في المؤسسات الإعلامية شبه معدوم، وعادة ما تملك النساء أسهماً صغيرة كجزء من الأسرة الكبرى.

وتحدث الباحث في “سكايز” كريم صفي الدين عن كيفية مكافحة وسائل الإعلام خلال الأزمة الاقتصادية للاستمرار، وأثّر ذلك على العاملين في القطاع، مع بروز مؤسسات إعلامية بديلة، إذ أن 50 في المئة من الإعلام الإلكتروني البديل مستقل عن الطبقة السياسية، وتركز تلك المؤسسات في صلب عملها على القضايا الحقوقية الأساسية التي لا يعكسها الإعلام التقليدي بالشكل المطلوب، وشكلت مؤشراً حقيقياً لبدائل نموذجية للإعلام في المدى القريب والبعيد.

ويمتلك 43 وزيراً، أو نواب في البرلمان الحالي والسابق، أسهماً في شركات الإعلام، بينهم 15 عضواً حالياً في المجلس النيابي والحكومة. والمالكون هم سياسيون رفيعو المستوى كرئيس الجمهورية السابق ميشال عون، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، فجميعهم يمتلكون وسائل إعلام مباشرة أو من خلال أفراد عائلتهم. والحال أن ثلثَي وسائل الإعلام التي شملها الاستطلاع تنتمي إلى شخصيات سياسة أو أحزاب سياسية ناشطة، فيما الوسائل الإعلامية الأكثر شعبية هي في أيدي ثماني عائلات لها مصالح سياسية.

37

وسيلة إعلامية خاضعة للمراقبة، 29 منها مملوكة لعائلات أو أفراد أو أحزاب حالية أو سابقة تمثل جزءاً من البرلمان أو السلطة التنفيذية

وتتداخل الأعمال الاستثمارية لرجال أعمال معروفين يملكون حصصاً في شركات إعلامية، مثل عائلة خياط (مجموعة تحسين خياط)، وشركة المملكة القابضة التابعة للأمير الوليد بن طلال. وفي بعض الحالات ينخرط أصحاب وسائل الإعلام ورجال الأعمال بشكل مباشر في السياسة، كعائلة ميقاتي، وعائلة الحريري، وعصام فارس وعائلة أفرام.

كما تظهر ستة أحزاب سياسية (بما في ذلك خمسة ممثلة في البرلمان) والدولة اللبنانية كمُلاك. ومن بين 37 وسيلة إعلامية خاضعة للمراقبة، 29 منها مملوكة لعائلات أو أفراد أو أحزاب حالية أو سابقة تمثل جزءاً من البرلمان أو السلطة التنفيذية.

واللافت في مؤشر ملكية وسائل الإعلام بروز صفحات إعلامية مناطقية في وسائل التواصل الاجتماعي، كموقع “يا صور”، و”صيدا أونلاين”، و”بنت جبيل. أورغ”. وفي سؤال لماذا وضعت هذه الصفحات في البحث، كونها لا تعد مؤسسات إعلامية منظمة، وهي دخيلة على العمل الصحفي وتطالها انتقادات لاذعة لجهة استعمال محتويات إعلامية من الإعلام التقليدي والإلكتروني وعرضه من دون مراعاة الحقوق الملكية الفكرية، وقالت جربوع إن البحث تناول بروز هذه الصفحات باعتبارها في قمة المتابعة، من حيث نسبة المشاهدة والزيارات لصفحاتها.

ووفقاً للمؤشر، تشكل القيمة التمويلية للوسائل الإعلامية من مدخولها الإعلاني، نسبة 10 في المئة، فيما التمويل الإعلامي الكبير يأتي من العمل المصرفي والاعلانات المستترة التي بقيت بعد الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، ولا يمكن معرفة مداخل التمويل الأخرى التي يعتاش عليها الإعلام اللبناني، ما يدل على ترابط المصالح الاقتصادية الإعلامية والسياسية في البلاد.

وخلص البحث، إلى أن الواقع الإعلامي من العام 2018 إلى اليوم لم يتغير بشكل كبير، وبقي الإعلام مرتبطاً بالعلاقات السياسية والطائفية، وباتت الساحة الإعلامية عرضة للاستقطاب السياسي والتضليل وخطاب الكراهية.

5