الإعلام اللبناني طرف في صراع مصالح القوى المالية المتنفذة

جهات سياسية وحقوقية تحذر من خطورة المال السياسي والمصرفي على الإعلام.
السبت 2025/03/22
حسابات خفية

أكثر من خمسين جهة نيابية وإعلامية وحقوقية وسياسية تتهم بعض المصرفيين والنافذين بالتشهير وترهيب صحافيين استقصائيّين ووسائل إعلامية مستقلّة، لتكريس إفلاتهم من المحاسبة وخدمة مصالح القوى المالية النافذة، في ظل غياب الرقابة الرسمية على الإعلام.

بيروت - أفادت تقارير لبنانية بأن بعض المصرفيين والنافذين المقربين منهم في لبنان، يقودون حملة ممنهجة تسعى إلى قلب الموازين بتزييف الحقائق وإغراق الرأي العام بالأخبار المضلّلة وبنظرية المؤامرة، بهدف تكريس إفلاتهم من المحاسبة وخداع الرأي العام مع اقتراب التعيينات المالية والإدارية والقضائية، والانتخابات البلدية والنيابية.

وأصدرت أكثر من خمسين جهة نيابية وإعلامية وحقوقية وسياسية بيانا مشتركا ضد “الحملة الممنهجة من بعض المصرفيين والنافذين بهدف تكريس إفلاتهم من المحاسبة.”

وأشار البيان إلى خطورة المال السياسي والمصرفي على الإعلام، حيث يتم استغلال بعض الوسائل الإعلامية لنشر أخبار مضللة تخدم مصالح القوى المالية النافذة، في ظل غياب الرقابة الرسمية على الإعلام.

ومنذ فبراير الماضي تشن قناة “أم.تي.في” هجوماً على جمعية “كلّنا إرادة” وتتهمها بالمشاركة في تسمية وزراء في الحكومة من مؤيّدي شطب أموال المودعين، فقابلتها الجمعية بالردّ على لسان مديرتها التنفيذية ديانا منعم، متّهمة القناة بأنّها أخذت دوما طرف المصارف، فما لبثت القناة أن ردّت على الردّ عبر برنامج “صار الوقت” الذي أعلن فيه مقدّمُه مارسيل غانم رفع دعوى على الجمعية ومديرتها.

وتعرّف الجمعية نفسها بمنظمة ملتزمة بـ”الإصلاح السياسي في لبنان”، تموّل حصرًا من “الأعضاء المنتسبين”، الذين “يرغبون في إحداث تغيير إيجابي في بلدهم،” بينما تختلف وجهات النظر حولها إذ هناك من يعتبر أنها مجموعة ضغط تعبّر عن تطلّعات فئة اجتماعيّة معيّنة، في مقابل نظام سياسي لم يعد يعبّر عن هذه التطلّعات.

واتّخذ الخلاف منحىً تصاعديّا في المدّة الأخيرة، حيث بثّت “أم.تي.في” في نشراتها الإخبارية تقارير عن “كلّنا إرادة” بشكل شبه يومي تناولت فيها “مخالفات” الجمعية، إضافة إلى مقالات متكرّرة في صحيفة “نداء الوطن”.

استنكار لغياب أي دور للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، الذي يتحمّل المسؤولية الأولى عن مراقبة أداء الإعلام

ووصفت تقارير قناة “أم.تي.في” الجمعية بـ”الخارجة عن القانون، مثل عدم الشفافية حول التمويل والأعضاء، والتدخّل في الانتخابات النيابية الأخيرة وكأنّها حزب سياسي رغم أنّ أهدافها المعلنة مختلفة، وحتّى احتمال التواصل مع جهات خارجية قد تكون معادية للبنان” وفقاً لما أوردته القناة في أحد التقارير.

وأمام السجال المتواصل والحرب الإعلامية، قال الموقعون على البيان “تبعاً لهذه التطوّرات، اجتمعنا لنؤكّد رفضنا هذه المحاولات المكشوفة، ولنحذّر من تداعياتها الخطيرة على حرّية الإعلام، وحقّ الصحافيين في الوصول إلى المعلومات ونشرها، وحقّ اللبنانيين في معرفة الحقيقة.”

وأكدوا أن المال السياسي والمصرفي يشكّل خطراً متزايداً على الإعلام في لبنان، حيث تتحوّل بعض وسائل الإعلام إلى أدوات بروباغندا، تبثّ الأكاذيب وتروّج لروايات ملفّقة، بهدف تضليل الرأي العام وتزييف الحقائق، على نحو يتعارض تماماً مع الأصول المهنية، ويكاد يتحوّل في بعض الحالات إلى ما يشبه الاغتيال المعنوي؛ وكل ذلك في غياب أي دور للمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، الذي يتحمّل المسؤولية الأولى عن مراقبة أداء هذه الوسائل، ومنع تعسّفها في استخدام امتياز الترخيص لها.

وحذرت الجهات النيابية والإعلامية والحقوقية والسياسية، في بيانها، من محاولات الضغط الإعلامي على القضاء لتحويله إلى أداة لقمع القوى الإصلاحية والصحافيين الاستقصائيين، بدلًا من مساءلة المتورطين في الجرائم المالية. واعتبرت أن الهجوم المنظم على القوى الإصلاحية لا يستهدف أفرادها فحسب، بل يسعى إلى إبقاء الدولة رهينة لمجموعات مالية وسياسية نافذة تعمل على عرقلة أي محاولة إصلاحية.

ويُعرف لبنان بتنوّع قطاعه الإعلامي الذي يعكس تنوّع الخيارات السياسية والاجتماعية. ومع ذلك، عند إمعان النظر، يتّضح أنّ قطاع الإعلام يعكس واقعاً آخر، يسعى فيه السياسيون وأصحاب المصالح إلى تشكيل الرأي العام. ولما كان المواطنون يميلون إلى استهلاك وسائل الإعلام التي تتوافق مع آرائهم السياسية، يُعزّز هذا الأمر معتقداتهم وتحيّزاتهم، ما يؤدّي إلى المزيد من الاستقطاب خاصة في أوقات الأزمات.

جهات نيابية وإعلامية وحقوقية وسياسية تحذر من محاولات الضغط الإعلامي على القضاء لتحويله إلى أداة لقمع القوى الإصلاحية والصحافيين الاستقصائيين

ودعا الموقعون على البيان السلطات السياسية، وعلى رأسها رئيسا الجمهورية والحكومة، إلى التصدي لهذه الحملات وكشف حقيقتها للرأي العام، كما شددوا على ضرورة إنجاز الإصلاحات المؤسساتية في قطاعي الإعلام والقضاء لمحاسبة المسؤولين عن الفساد المالي.

وأكدوا رفضهم للاستدعاءات القضائية المسيّسة التي تستهدف القوى الإصلاحية، مطالبين بتحرك قضائي جاد لمحاكمة المتورطين في نهب المال العام.

وأشاروا إلى مجلس شورى الدولة الذي اعتبر في قراره الصادر نهاية العام الماضي الدولة مسؤولة عن تقاعسها في ممارسة مسؤوليتها في هذا الخصوص، وأن ولاية أعضاء المجلس الوطني للإعلام انتهت منذ 2008 من دون أن يعيّن بدائل عنهم.

وتبدو اللهجة حادة في البيان نظرا إلى أن الإعلام يؤثّر على السرديات وعلى الخطاب العامّ المتعلّق بالأحداث السياسية. فعلى أرض الواقع وقعت وسائل الإعلام تحت تأثير مجموعات نافذة اقتصادياً مثل القطاع المصرفي، وتمّ استغلالها لنشر معلومات مضلّلة عن الاقتصاد والإصلاحات التي يُعتبر لبنان في أمسّ الحاجة إليها، وِفق ما أظهرته التغطية الإعلامية لخطة التعافي المالي الخاصة بصندوق النقد الدولي في الآونة الأخيرة.

وبالرغم من بعض الأنظمة والتشريعات مثل قانون الصحافة (1962) وقانون الإعلام المرئي والمسموع (1994)، ليست للدولة اللبنانية سيطرة تُذكر على وسائل الإعلام. فتميل هذه الوسائل إلى الاعتماد على المستثمرين السياسيين أو الأجانب، وبالتالي تتمتّع الأحزاب السياسية من خلال ذلك بالقدرة على التأثير على وسائل الإعلام الرئيسية، وتأطير المعلومات على نحوٍ يصبّ في صالحها.

وسبب هذا الأمر مشكلة هيكلية في النظام الإعلامي. فلا تُبدي وسائل الإعلام اهتماماً كبيراً بإنتاج صحافة جيّدة لزيادة نسبة القرّاء أو المشاهدين، طالما أن بمقدورها الاعتماد على كبار المستثمرين لتأمين إيراداتها. ورغم أنّ قانون الصحافة يمنح وزارة الإعلام سلطة مراقبة الشؤون المالية لوسائل الإعلام، والتأكد من أنها تجني أرباحها من الإعلانات والاشتراكات والمبيعات فقط، إلا أنها فشلت في القيام بذلك، وحافظت بالتالي على حالة من انعدام الشفافية في تمويل وسائل الإعلام وهيكل إيراداتها.

وأظهرت دراسات أنّ قطاع الإعلام اللبناني استفاد من عدّة مصادر للإيرادات غير الرسمية وذات الدوافع السياسية، ومنها استثمارات القطاع المصرفي، والأرباح الكبيرة المتأتّية عن الانتخابات النيابية، والقروض التسهيلية التي قدّمها مصرف لبنان في عام 2016.

كما أن المؤسسات الإعلامية قد استُخدمت، بحسب بعض المزاعم، كوسيلة للتهرّب الضريبي وتبييض الأموال.

وخلّف هذا الأمر تبعاتٍ هائلة على إمكانية الوصول إلى المعلومات غير المنحازة. فاعتماد وسائل الإعلام على التمويل من القطاع المصرفي والأحزاب السياسية يُجبرها على الترويج لرواية الأحداث بطريقة معيّنة، مما يؤدّي إلى الحفاظ على الوضع الراهن. علاوةً على ذلك، لكي تحافظ النخب السياسية والمالية على هيمنتها على الخطاب العامّ، ينبغي لها تقويض وسائل الإعلام المستقلّة التي باتت ضحية الدعاوى القضائية والترهيب والتهديدات.

5