الإعلام التركي يتحدث عن كل شيء إلا انهيار الليرة

انتهاء مبررات الإعلام الموالي يجبره على تجاهل أخبار الأزمة الاقتصادية التركية.
السبت 2021/12/18
مقاطعة البضائع الفرنسية كل ما يهم "يني شفق"

يبدو الإعلام الرسمي في تركيا منفصلا تماما عن الواقع، إذ يعتبر أن الحديث عن الأمجاد الغابرة للعثمانيين أهم من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعصف بالبلاد، جراء انهيار الليرة مقابل الدولار إلى مستويات قياسية.

أنقرة- يتحدث الإعلام التركي هذه الأيام عن كل شيء إلا انهيار الليرة الذي بلغ مستويات قياسية.

ولا تجد صحافة البلاط الموالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيا من المبررات المقنعة كسبب لهبوط الليرة التركية، مع نفاد الحجج طيلة نحو عامين من الهبوط الذي تسجله الليرة.

وتبدو وكالة الأناضول الرسمية منفصلة تماما عن واقع الأتراك حين تتحدث عن كل شيء لا يهمهم، فيما تغيب الأخبار والتحقيقات والتحليلات التي تهم الوضع الاقتصادي الحالي. وتنشر الوكالة يوميا أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الليرة التركية في سطرين دون زيادة، لكن في المقابل تتحدث عن كل شيء آخر، فهي تتحدث عن أمجاد العثمانيين ومشاكل الاقتصاد الموريتاني  الذي دفع شباب موريتانيا للتنقيب عن الذهب ومحنة أسير فلسطيني وغيرها من الأخبار، ولكنها لا ترى أزمات تركيا الحالية ومشاكل اقتصادها ومحنة الأتراك الواقفين في الطوابير.

كما لا تنسى الوكالة تنفيذ “هروب من الواقع” على طريقة “لا أكذب ولكني أتجمل”، وذلك بنشر عناوين بزيادة الصادرات التركية وكأنه انتصار اقتصادي، على الرغم مما يحدث في أرض الواقع. وينقل الإعلام في تركيا تقارير الوكالة بحذافيرها.

وكالة الأناضول الرسمية تبدو منفصلة تماما عن واقع الأتراك حين تتحدث عن كل شيء لا يهمهم

وتخطّى هبوط الليرة التركية في سوق العملات الأجنبية حاجز “الذروة التاريخية”، الذي كانت بلغته قبل أيام، في مؤشر خطر لا يبدو أنه سيرسو على محطة معينة خلال الأيام المقبلة.

يذكر أنه مع تزايد امتلاك وسائل الإعلام التقليدية في تركيا من قبل الجماعات الموالية لأردوغان، لجأ الأتراك إلى الإعلام الأجنبي وقنوات الصحافيين على يوتيوب وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة من وسائل الإعلام المستقلة للحصول على المعلومات. لكن هذه المنافذ تتعرض لـ”إطلاق نار” لا يتوقف وغالبا ما يتم حظرها. واعتقل عدد من معدي تقارير الشارع على قنوات يوتيوب الأسبوع الماضي وأخضعوا للإقامة الجبرية. ووصف معهد الصحافة الدولي هذه الخطوة بأنها “حملة جديدة على الحريات الإعلامية في تركيا”.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية الوضع من إحدى ضواحي إسطنبول، حيث ارتسمت الكآبة على وجوه الأتراك الواقفين في طابور، رغم المطر على طول شارع أمام محل لبيع الخبز المدعم حكوميا.

وبحسب الصحيفة فإن الأتراك باتوا يعيشون في صراع مع التضخم المتصاعد، حيث يشاهدون يوميا ارتفاع الأسعار بعدما انخفضت الليرة التركية مقابل الدولار، ولم تعد رواتبهم تغطي حتى أساسيات الحياة. وأوضحت الصحيفة أن معظم الناس لم يرغبوا في إجراء مقابلات معها خوفا من عواقب انتقادهم لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، التي كثيرا ما تسجن منتقديه. أما أولئك الذين تحدثوا فرفضوا الكشف عن أسمائهم. ومع بدء المقابلات ارتفعت أصوات التذمر بين الواقفين في انتظار الحصول على خبز. وقالت إحدى الشابات “ليس عليك أن تسأل كيف تسير الأمور، يمكنك أن ترى الناس في الطابور”.

ووجهت برفين بولدان، الرئيسة المشتركة لحزب الشعوب الديمقراطي انتقادات حادة لأردوغان وحزبه. وقالت إن “رئيس حزب العدالة والتنمية يقول إنه كتب كتابا عن الاقتصاد، إذا كتبت كتابا عن الاقتصاد، فقم بتصوير فيلم أيضا، مع عصابتك المكونة من خمسة أفراد، ووزرائك الذين دمروا وزارتهم، ووسائل الإعلام الخاصة بك، يمكنك تصوير الاقتصاد الغارق بشكل جيد”.

وكالة الأناضول تتحدث عن مشاكل الاقتصاد الموريتاني لكنها تتجاهل الحديث عن مشاكل الاقتصاد التركي

وفيما اختارت وسائل إعلام على غرار وكالة الأناضول تجاهل الحديث عن معاناة الأتراك، حاولت وسائل إعلام أخرى تبرئة نظام أردوعان، وأرجعت سبب الانهيار إلى مؤامرة كونية تحاك ضد الليرة، بل ضد أردوغان نفسه.

وتسيطر على السلطات التركية التي قضت على أي صوت حر في البلاد عبر سجن المئات من الصحافيين وإغلاق العشرات من المؤسسات الصحافية “نظرية المؤامرة”. فتركيا ترجع كل أزماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى أن “العالم يتآمر عليها”.

ونوفمبر الماضي ألقى أردوغان باللوم على قوى خارجية، لم يسمها، في سقوط الليرة، وتابع قائلا “هناك عملاء أجانب يهاجموننا، لكن مهما فعلوا فلن نتخلى عن برنامجنا الاقتصادي”.

16