الإطار التنسيقي الشيعي يلقي تبعة تعطيل انتخاب رئيس للبرلمان العراقي على القوى السنية المتصارعة

الصراع الدائر على منصب رئيس البرلمان العراقي الذي يبدو في واجهته سنيا خالصا لا يعدو كونه جزءا من صراع أوسع نطاقا تشترك فيه بفاعلية القوى الشيعية التي كثيرا ما كان لها دور في تأليب أقطاب البيت السياسي السنّي ضد بعضهم البعض، مستغلة تشتّتهم وكثرة تناحرهم على المناصب وما تتيحه من مكاسب وامتيازات.
بغداد- تبرّأت القوى الشيعية العراقية المشكّلة للإطار التنسيقي من مسؤولية تعطيل انتخاب رئيس جديد للبرلمان خلفا للرئيس السابق محمّد الحلبوسي الذي أنهيت عضويته في المجلس بحكم قضائي صدر في نوفمبر الماضي.
وألقت تلك القوى بتبعة التعطيل على القوى السنية وصراعاتها البينية للحصول على المنصب الذي جرى العرف السياسي ضمن نظام المحاصصة بأن يكون من نصيب العرب السنّة.
وقال علي تركي النائب عن الإطار التنسيقي إنّ “الفترة الماضية شهدت تشويشا إعلاميا يستهدف الإطار باتهامه بتعطيل انتخاب رئيس للبرلمان بسبب إدارة الجلسات من أحد أطراف الإطار وهو محسن المندلاوي”.
ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن النائب قوله “هذه الادعاءات غير حقيقية ومغلوطة، فالسبب الحقيقي هو صراع الحلبوسي والخنجر على زعامة المكون السنّي”.
ويوجد صراع حقيقي على المناصب وما وراءها من نفوذ ومكاسب مادية بين أقطاب البيت السياسي السنّي بما في ذلك بين الحلبوسي الذي يتزعّم حزب تقدّم، وخميس الخنجر الذي يقود تحالف السيادة، لكن ذلك لا ينفي تدخّل قوى الإطار التنسيقي في الصراع الدائر على منصب رئيس مجلس النواب.
وقد وقفت قوى الإطار وراء إزاحة الحلبوسي من المنصب بعد أن اختلفت معه حول تقاسم المناصب باعتباره كان شريكا لها في تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمّد شياع السوداني، كما عملت بنشاط لمنع تمرير مرشّح عن حزبه للمنصب، وتمكنت من تعطيل انتخاب النائب عن حزب تقدم شعلان الكريم بأن أثارت ضدّه تهمة الانتماء لحزب البعث المنحلّ وتمجيده.
وكثيرا ما تشارك القوى الشيعية القائدة الرئيسية للعملية السياسية في العراق في الصراعات التي لا تنقطع بين الأفرقاء السياسيين السنّة، دون أن تظهر بشكل واضح في واجهة تلك الصراعات مكتفية بإدارتها بالوكالة وعبر الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك ودعمه في مواجهة أبناء عائلته السياسية السنيّة وذلك على أساس التقاء المصالح مع الطرف الذي تقوم بدعمه.
وتجد تلك القوى في العداوات المستحكمة بين أقطاب الساحة السياسية السنية المتصارعين على الزعامة والمكاسب الشخصية والحزبية مدخلا إلى الشأن السياسي السنّي عبر إدارة تلك الصراعات التي تتيح لها الإمساك ببعض خيوط اللعبة السياسية في مناطق السنّة حيث تحتفظ الأحزاب والفصائل الشيعية بمصالح حيوية.
وينطبق ذلك على الصراع الراهن على منصب رئيس البرلمان الذي لا يمنع كونُه من نصيب السنّة تدخّلَ الأحزاب والفصائل الشيعية في اختيار من يشغله.
ولم تتمكّن الأحزاب والفصائل الشيعية خلال الفترة الماضية من إيصال شخصية مقرّبة منها إلى رئاسة البرلمان، وإن نجحت في منع حزب غريمها الحلبوسي من العودة إلى المنصب، فإنها لجأت إلى إطالة فترة الرئاسة بالوكالة التي أمنّها النائب المنتمي إليها محسن المندلاوي.
لكن قوى الإطار التنسيقي بدأت خلال الأيام الأخيرة تغيّر من لهجتها بشأن اختيار رئيس للبرلمان مطالبة بالتعجيل بذلك تحت ضغط استحقاقات مهمّة وتنطوي على مصالح مباشرة لها وضرورية لاستقرار الحكومة التي تديرها وعلى رأسها التصويت على الموازنة العامّة للبلاد والتي تعرف تلك الأحزاب جيدا طريقة الوصول إلى الأموال الضخمة التي تتضمنها وتحويل أجزاء منها لمصلحتها.
وأمهل الإطار التنسيقي الكتل السنية أسبوعا لحسم انتخاب رئيس للبرلمان وذلك خلال اجتماع عقده مطلع الأسبوع الجاري لبحث آخر التطورات السياسية في البلاد.
وقال الإطار في بيان إنه عقد اجتماعا في مكتب رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي لمناقشة آخر التطورات السياسية في البلاد وفي مقدمتها حسم انتخاب رئيس لمجلس النواب.
وأضاف أن “الإطار التنسيقي طالب الكتل السنية بتحمل مسؤولياتها تجاه شغور هذا المنصب الحساس في النظام السياسي خلال أسبوع”. وأكّد “عزمه عقد جلسة تخصص لذلك بعد انتهاء مهلة الأسبوع لاستكمال الاستحقاق الهام، والاستعداد للتصويت على جداول موازنة 2024”.
وكانت المحكمة الاتحادية أعلى سلطة قضائية في البلاد قد قرّرت منتصف نوفمبر الماضي إنهاء عضوية محمد الحلبوسي على خلفية قضية تزوير وثيقة رسمية أثارها ضدّ أحد السياسيين.
وفي الثالث عشر من يناير الماضي عقد البرلمان العراقي جلسة استثنائية لاختيار رئيس جديد له، وانتهت الجولة الأولى من التصويت بحصول شعلان الكريم مرشح حزب تقدم الذي يتزعمه الحلبوسي على 152 صوتا من أصل 314 صوتا، فيما حصل النائبان سالم العيساوي ومحمود المشهداني على 97 صوتا و48 صوتا على الترتيب، لكن مشادات كلامية حصلت داخل قاعة البرلمان وتذرّع بها رئيس الجلسة لرفعها حتى إشعار آخر ولم يتم عقدها منذ ذلك الحين.
وبعد يوم من ذلك قدم النائبان عن الإطار التنسيقي يوسف الكلابي وفالح الخزعلي طلبا للمحكمة الاتحادية بإيقاف جلسة الانتخاب إلى حين حسم دعوى قدماها بشأن وجود شبهات دفع رشاوى لبعض النواب للتصويت لصالح مرشحين لرئاسة البرلمان، مطالبين بإلغاء عضوية شعلان الكريم في مجلس النواب بزعم تمجيده حزب البعث.
وجاءت تلك الدعوى لتبرز ظاهرة لافتة في الحياة السياسية العراقية متمثّلة في التدخل المتزايد للقضاء في الشأن السياسي وحسم الخلافات التي تستجدّ فيه، في ظل تشكيك البعض في حياديته واتهامه بالتحوّل إلى أداة بيد القوى الأكثر نفوذا في البلد.
وردت المحكمة الاتحادية العليا دعوى الكلابي والخزعلي ضدّ الكريم. وقالت الأربعاء في بيان إنّ الدعوى حُسمت بـ”الرد لعدم وجود ما يستوجب إبطال أو إسقاط عضوية النائب واعتبار عضويته غير صحيحة”.
ورغم مواجهة حزب الحلبوسي لتيار قوي مضاد له تعاضدت فيه ضدّه قوى شيعية وأخرى من داخل العائلة السياسية السنية التي ينتمي إليها، فقد تمكّن إلى حدّ الآن من الصمود متمسّكا بما يراه استحقاقا له في الحصول على رئاسة البرلمان.
وقالت النائب عن حزب تقدم أزهار السدران إنّه “لا يمكن تجاوز استحقاق تقدم في رئاسة مجلس النواب”، وأضافت عبر منصة إكس إن “استحقاق تقدم يستند إلى غالبية الإرادة الشعبية في المحافظات التي يمثلها”.
ورفضت السدران مهلة الإطار الشيعي وضغوطه لتسريع حسم موضوع الرئاسة بالقول إن “اختيار رئيس مجلس النواب لا يمكن أن يكون تحت الضغط ولا يخضع للتنازلات أو المجاملات”.
وتابعت أن “محاولة مصادرة أصوات أغلبية ممثلي المكون في مجلس النواب يمثل تهديدا مباشرا لنظام التوافقات السياسية وانتقاصا خطيرا للشرعية الديمقراطية التي تستمد حكومة السوداني منها شرعية وجودها”. وختمت عضو حزب تقدم تعليقها بالقول “إما نكون أو لا نكون”.
وعلى الطرف المقابل ما يزال خصوم الحلبوسي يصرّون على تقليص نفوذه عبر استبعاد حزبه من رئاسة البرلمان. وقال ضاري الدليمي القيادي في تحالف الأنبار الموحد إنّ رئيس البرلمان المقال يشعر بالإحباط الشديد بعد اجتماع الإطار التنسيقي الأخير.
الإطار التنسيقي أمهل الكتل السنية أسبوعا لحسم انتخاب رئيس للبرلمان
ونقل موقع المعلومة الإخباري عن الدليمي قوله إنّ “الحلبوسي أصبح يشعر بخروج ملف رئاسة مجلس النواب عن إرادته السياسية في ظل عدم التوافق على مرشحيه للمنصب”.
وأضاف “التصريحات المتشنجة والخارجة عن اللياقة السياسية والدبلوماسية من قبل أعضاء حزب تقدم تنم عن فشل وعدم شعور بالأمل بشأن منصب رئيس البرلمان”.
كما كشف أنّ الجبهة المضادة للحلبوسي وحزبه لا تقتصر على القوى السنية، قائلا إنّ “هناك توافقات سياسية بين القوى السنية وشركائها باتجاه إيجاد بديل بعيدا عن حزب تقدّم”.