الإطاحة بالأسد يضر بمصداقية روسيا كشريك أمني في العالم

واشنطن - أكد معهد دراسات الحرب الأميركي أن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد أضرت بمصداقية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين حلفائه.
وأشار المعهد في أحدث تقرير له الأحد إلى أن الانهيار السريع لنظام الأسد في سوريا - وهو النظام الذي ساعد الكرملين في دعمه منذ عام 2015 - يمثل "هزيمة سياسية استراتيجية لموسكو وأدخلت الكرملين في أزمة، حيث تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها العسكرية الاستراتيجية في سوريا".
وتدخلت روسيا نيابة عن الرئيس السوري السابق في عام 2015 لتأمين نظام الأسد بعد أن بدأت الاحتجاجات الحاشدة في عام 2011 كجزء من حركة الربيع العربي الأوسع، التي أشعلت الحرب الأهلية السورية وهددت بالإطاحة بالأسد.
ولطالما نظر بوتين إلى "الثورات الملونة" التي أدت إلى ظهور حكومات ديمقراطية جديدة في الدول السوفييتية السابقة، باعتبارها تهديدا لاستقرار وأمن نظامه.
كما عارض بوتين على نطاق أوسع الحركات الديمقراطية التي تهدف إلى الإطاحة بالقادة الاستبداديين المتحالفين مع الكرملين في جميع أنحاء العالم، حيث يرى أن مثل هذه الحركات تعيق جهوده لخلق عالم متعدد الأقطاب يتصوره، حيث تلعب روسيا وحلفاؤها الرئيسيون وشركاؤها الاستبداديون دورا رئيسيًا.
وبعد اجتياح المدن الكبرى مثل حلب وحماة وحمص في أيام قليلة، دخلت ميليشيات المعارضة إلى دمشق الأحد وأعلنت الإطاحة بحكومة الأسد وأعلنت تحرير العاصمة.
وقال تقرير المعهد "إن عجز روسيا أو قرارها بعدم تعزيز نظام الأسد مع تقدم المعارضة السورية بسرعة في جميع أنحاء البلاد سيضر أيضا بمصداقية روسيا كشريك أمني موثوق وفعال في جميع أنحاء العالم، مما سيؤثر سلبا على قدرة بوتين في كسب الدعم العالمي لعالمه متعدد الأقطاب".
وأضاف المعهد أن لديه "مؤشرات قوية" على أن روسيا كانت تضع شروطا لإجلاء ممتلكاتها العسكرية من سوريا، وأن القواعد العسكرية الروسية لم تكن آمنة.
وقال المعهد "حتى إذا احتفظت روسيا ببعض أو كل قواعدها في سوريا، فإن ذلك يعد خسارة جيوسياسية كبيرة لموسكو، حيث ستكون القواعد العسكرية الروسية في سوريا تحت رحمة الجماعات المعارضة السورية التي كانت موسكو تصنفها في السابق بأنها إرهابية".
وذكرت وسائل إعلام روسية، نقلا عن ميخائيل أوليانوف المبعوث الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا على تطبيق تلغرام الأحد أن موسكو منحت الأسد وعائلته حق اللجوء لاعتبارات إنسانية.
وقال المعهد إن بوتين كان قادرا على ضمان بقاء الأسد نفسه، لكنه تدخل في الحرب الأهلية السورية بهدف أساسي هو تعزيز نظام الأسد ومنع خسارته للسلطة - وهو الهدف الذي فشل الكرملين في تحقيقه.
وأوضح أن بوتين تدخل أيضا نيابة عن الأسد في عام 2015 لتأمين القواعد العسكرية الروسية في سوريا، ودعم الجهود الأوسع التي تبذلها روسيا لاستعراض قوتها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وزيادة بصمتها العالمية في الشرق الأوسط وأفريقيا وتهديد الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي.
وتحاول روسيا تأمين قواعدها في سوريا مع وصول قوات المعارضة إلى السلطة، لكن الوجود العسكري الروسي في البلاد غير مضمون، خاصة وأن تصرفات روسيا لصالح الأسد خلال السنوات التسع الماضية قد قوضت على الأرجح قدرة موسكو على تشكيل حكومة دائمة، وعلاقة إيجابية مع جماعات المعارضة الحاكمة في سوريا، وفقا للتقرير.
وبحسب وزارة الخارجية الروسية توصل الكرملين إلى اتفاق الأحد مع قادة غير محددين من المعارضة السورية لضمان أمن القواعد العسكرية الروسية في سوريا، لكن ملامح هذا الاتفاق ومدة استمراره لا تزال غير واضحة نظراً للوضع السياسي المتقلب والتطورات السريعة على الأرض في سوريا.
وأفادت وكالة الأنباء الروسية "تاس" الأحد بأن مصدرا في الكرملين أكد أن قادة غير محددين للمعارضة السورية يضمنون أمن المؤسسات العسكرية والدبلوماسية الروسية في سوريا.
ولم يوضح مصدر تاس ما إذا كان قادة المعارضة السورية يضمنون فقط أمن القاعدتين العسكريتين الروسيتين الرئيسيتين في سوريا - قاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية والقاعدة البحرية في ميناء طرطوس - أو القواعد العسكرية والتكتيكية الأخرى، مثل القاعدة العسكرية الروسية في مطار القامشلي شمال شرقي سوريا.
ونقلت وكالة "تاس" الروسية عن رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي، قوله إن "موضوع الوجود العسكري الروسي في سوريا، ليس من اختصاصي، والسلطات الجديدة ستتخذ قرارا بشأن هذا الأمر في المرحلة المقبلة".
وقالت وزارة الخارجية الروسية الأحد إنها على اتصال بـ"جميع جماعات المعارضة السورية"، وأشارت إلى أنه في حين أن جميع القواعد العسكرية الروسية كانت في "حالة تأهب قصوى"، إلا أن هناك "" لا يوجد تهديد خطير" لسلامتهم.
ولفت التقرير إلى أن السلطات الروسية خففت لهجتها بشكل ملحوظ فيما يتعلق بجماعات المعارضة السورية، حيث أشارت وزارة الخارجية الروسية إلى الجهات المعارضة للجيش العربي السوري التابع للأسد على أنها "جماعات معارضة" - وهو تغيير ملحوظ عن إشارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى هذه الجماعات بما في ذلك هيئة تحرير الشام، باعتبارها "إرهابية" في اليوم السابق، في 7 ديسمبر، في منتدى الدوحة.
كما أشارت وكالة الإعلام الرسمية الروسية "ريا نوفوستي" إلى جماعات المعارضة السورية باسم "المعارضة المسلحة" في مقالات نشرت السبت، على رغم وصفهم بـ "الإرهابيين" في مقالات نُشرت في اليوم ذاته.
والمعارضة السورية ليست كتلة واحدة، فهي تضم عدة فصائل مختلفة ذات أيديولوجيات وأهداف سياسية مختلفة، ولا يسيطر أي فصيل معارض على الأراضي المحيطة بجميع القواعد العسكرية الروسية والمواقع في محافظات الحسكة وحمص واللاذقية وطرطوس وخارجها.
وأوضح التقرير أنه لا يزال من غير الواضح إلى متى سيستمر التعاون بين جميع فصائل المعارضة السورية المختلفة. كما أنه من غير الواضح أيضا ما إذا كانت موسكو على اتصال بجميع فصائل المعارضة السورية اللازمة لضمان سلامة القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
ولاحظت منظمة مراقبة الحرب سابقا تقارير تفيد بأن الجيش الروسي أعاد نشر بعض أصول الدفاع الجوي الخاصة به لحماية قاعدة حميميم الجوية، مما يشير إلى أن القيادة الروسية في سوريا قدّرت سابقًا أن الأصول العسكرية الروسية في سوريا لم تكن كلها آمنة.
وأفاد معهد دراسات الحرب بأنه جمع مؤشرات قوية على أن روسيا كانت تهيئ الظروف لإخلاء أصولها العسكرية من سوريا وأن القواعد العسكرية الروسية ليست آمنة.
وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي جمعها المعهد السبت ثلاث طائرات نقل عسكرية من طراز إيل-76 وطائرة من طراز أنتونوف-124 في قاعدة حميميم الجوية الروسية، ربما من أجل إخلاء كميات محدودة من الأصول العسكرية الروسية من البلاد. ورجح التقرير أن الكرملين يحتاج إلى إجراء عدد كبير من طلعات الجسر الجوي لإخلاء سوريا بشكل صحيح.
وأظهرت لقطات تم تحديد موقعها الجغرافي نُشرت في 6 ديسمبر الجاري القوات الروسية وهي تنقل أنظمة الدفاع الجوي "أس 300" أو "أس 400" وتور-أم1" بالقرب من بانياس على طول الطريق السريع "أم 1" اللاذقية-طرطوس، ربما كجزء من إعادة انتشار تكتيكي أو للإخلاء خارج سوريا.
ووفقا للمعهد فقد زعم مصدر روسي، الأحد، أن القوات الروسية "تغادر سوريا بشكل كامل" وتنسحب من قاعدة حميميم الجوية وميناء طرطوس. وادعى المدونون الروس، بما في ذلك أحد أفراد الخدمة في القوات الجوية الروسية أن بعض القوات الروسية انسحبت إلى محافظتي اللاذقية وطرطوس قبل بضعة أيام وتغادر من ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، لكن مجموعة واحدة على الأقل من وكان أفراد روس محاصرين في منطقة غير محددة في سوريا وينتظرون المساعدة أو ممر خروج يتم التفاوض عليه، مما يشير إلى أن القوات الروسية تخلت عن مواقع تكتيكية خارج القواعد الروسية الرئيسية في ميناء طرطوس و قاعدة حميميم الجوية.
وأشار التقرير إلى أن أحد المدونين الروس التابعين للكرملين ادعى الأحد أن المجموعات العملياتية الروسية انطلقت من دير الزور وقاعدة كويرس الجوية شرق مدينة حلب، وأن وضع القوات الروسية العاملة بالقرب من حقول النفط بالقرب من تدمر لا يزال غير واضح.
وذكرت مديرية الاستخبارات العسكرية الرئيسية في أوكرانيا الأحد أن الفرقاطة الروسية من طراز الأدميرال غريغوروفيتش غريغوروفيتش وسفينة الشحن المهندس تروبين غادرتا ميناء طرطوس وأن القوات الروسية تقوم بإخلاء الأسلحة من قاعدة حميميم الجوية عن طريق الجو.
وبحسب المعهد ادعى أحد المدونين الروس أن تركيا تسمح لروسيا بالتحليق عبر المجال الجوي التركي لإخلاء الأصول العسكرية الروسية من سوريا. لكن من غير الواضح ما إذا كانت روسيا ستجري عمليات انسحاب وإجلاء من سوريا بعد تقرير تاس مساء الأحد بأن روسيا حصلت على ضمانات للقواعد العسكرية الروسية من قادة المعارضة السورية.
وأكد المعهد أنه حتى لو احتفظت روسيا ببعض أو كل قواعدها في سوريا، فإن ذلك يمثل خسارة جيوسياسية كبيرة لموسكو، لأن استمرار القواعد الروسية في سوريا سيكون تحت رحمة جماعات المعارضة السورية التي استخدمها الكرملين في السابق لوصف الإرهابيين.