الإضرابات أسلوب فوضوي من اتحاد الشغل لفرض أجندته على الحكومة التونسية

تونس- لم يكتف الاتحاد العام التونسي للشغل بالاتفاقيات التي توصل إليها مع حكومة نجلاء بودن وأفضت إلى زيادة الأجور لجميع الموظفين في القطاع الحكومي، ورفع مجددا سلاح الإضرابات لإجبار الحكومة على تحقيق مطالبه، في وقت تعيش فيه تونس وضعا ماليا صعبا.
ويمثل الإضراب بيومين في قطاع حيوي مثل قطاع النقل تحديا للحكومة ليس فقط بإحراجها شعبيا، ولكن الضغط عليها وإرباك مساعيها لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية التي تمكّنها من الحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي تراهن عليه لإخراج تونس من أزمتها.
وأعلنت الجامعة العامة للنقل (النقابة)، عن تمسّكها بتنفيذ الإضراب العام القطاعي المقرر اليوم الأربعاء وغدا الخميس في مختلف مؤسسات القطاع برّا وبحرا وجوّا، وذلك بعد تعطّل المفاوضات مع الوزارة. ولم يتم إلى حد طباعة الصحيفة تأكيد الإضراب أو تأجيله رسميا.
◙ الرأي العام التونسي بدأ يفهم حقيقة أجندة الاتحاد من وراء هذا التصعيد المتزامن مع الأزمة الاقتصادية
ولا يقبل اتحاد الشغل بفكرة مراعاة الوضع المالي للبلاد في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا على المواد الغذائية، ومخلفات جائحة كورونا على الاقتصاد التونسي، وما يهمه هو الاستجابة لمطالب النقابات الجهوية والقطاعية التي تدفع دائما نحو التصعيد للحصول على زيادات جديدة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه قيادة الاتحاد لكسب ثقة الآلاف من أنصارها فهي تخسر ثقة الملايين من التونسيين الذين وجدوا أنفسهم في مرات كثيرة ضحايا لاستعجال التصعيد من جانب النقابات. وخلال إضرابات قطاع النقل تتعطل الحياة في البلاد، ويتغيب الناس عن وظائفهم، ويصعب على المرضى التنقل إلى المستشفيات.
ويعاني قطاع التعليم في تونس من سطوة النقابات التي لجأت إلى منع التلاميذ والأولياء من الحصول على نتائج أبنائهم، وهي تلوّح بمقاطعة الامتحانات القادمة المقررة في مارس، إذا لم تستجب الوزارة لمطالبها التي تتجدد وتتزايد مع كل اتفاق جديد مع الحكومة.
وأقرّت الجامعة العامة للصحة الثلاثاء الإضراب العام بيوم في القطاع وتجمع عام في إطار تحركاتها الاحتجاجية. ومن شأن هذا الإضراب أن يضاعف من المعاناة التي يجدها المرضى في قطاع فقد جودة الخدمات منذ ثورة 2011، في ظل هجرة الأطباء إلى القطاع الخاص، وعجز الحكومات المتتالية عن الإيفاء بتعهداتها لتوفير الأدوية والآلات الطبية.
ويقول مراقبون إن الإضرابات المتتالية في هذا الوضع الصعب لا شك أنها ستحوّل الغضب الشعبي نحو اتحاد الشغل بالرغم من الشعارات التي يرفعها ويوحي من خلالها بدفاعه عن محدودية القدرة الشرائية للتونسيين ورفضه رفع الدعم عن المواد الأساسية، لكنه بدلا من أن يراعي ظروفهم الصعبة فإنه يزيد من الضغط عليهم من خلال إضرابات عشوائية تكون في الغالب غير معلنة وتحتكم إلى مزاجية النقابات.
وبالتوازي مع التصعيد دون مراعاة ظروف الناس، لا يتوقف الاتحاد عن اتهام الحكومة بالتقصير، وبأنها لا تريد التوصل إلى حلول في وقت تقول فيه الحكومة إنها لا تفاوض على زيادات جديدة لا تستطيع أن تَفِيَ بها، أو تمثل عبئا إضافيا على موازنة الدولة التي تبحث عن تمويلات لإنقاذ الاقتصاد، وليس لتبديدها في الزيادات.
واتهم الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل صلاح الدين السالمي الثلاثاء السلطة بأنها “لا تؤمن بالحوار والتفاوض” فيما يتعلق بالوضعية الحالية “الصعبة” لمؤسسات النقل.
ويرى المراقبون أن الرأي العام التونسي بدأ يفهم حقيقة أجندة الاتحاد من وراء هذا التصعيد المتزامن مع الأزمة الاقتصادية، وأن البعد السياسي واضح في الخطاب المتشنج الذي صدر عن قيادات المنظمة في الأيام الأخيرة خاصة بعد أن رفض قيس سعيد مجاراتهم في مسار الحوار الوطني الذي يهدف إلى وضع الاتحاد في موقع الوصي على الحكومة وعلى الرئيس من خلال تقديم “خارطة طريق” ومطالبة الرئيس بعرضها للحوار والأخذ بنتائجها.
وبعد أن رفض الرئيس سعيد منح النقابة دورا سياسيا يمكّنها من التحكم في سياسات الحكومة وبرامجها، لوّح الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي منذ أيام بـ”ربيع جديد”، في إشارة إلى ثورة جديدة على شاكلة ثورة 2011 التي قادت إلى تخلي الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عن الحكم.
◙ في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد لكسب ثقة أنصاره، فهو يخسر ثقة الملايين من التونسيين الذين تضرروا من الإضرابات
وقال الطبوبي “هناك من يسوّق (فكرة) أن مشكلة الشعب تكمن في الغذاء في حين أنه لا يمكن الاستهانة به (الشعب) وبقدراته فهو قادر على صنع ربيع جديد”.
وبعد تمسك الحكومة بموقفها ورفضها تقديم تنازلات مجانية للاتحاد، مال الطبوبي إلى التهدئة في محاولة لاسترضاء الرئيس سعيد من خلال حوار له مع إذاعة “شمس أف أم” المحلية على هامش المؤتمر الجهوي لاتحاد الشغل بباجة.
وأكد الطبوبي أن إضراب قطاع النقل ليس غاية بل وسيلة، محملا الحكومة مسؤولية عدم الاستجابة لمطالب النقابات.
وقال الطبوبي إن جلسة يوم أمس (الثلاثاء) والتي باءت بالفشل، كان من المفترض أن يحضرها مسؤولون من أصحاب القرار، منتقدا رفض الطرف المقابل التوقيع على ما تم التوصل إليه من اتفاق.
وعبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل عن أمله في أن يتفاعل الرئيس سعيد إيجابيا مع مبادرة الحوار الوطني، مشيرا إلى أنه سيتم احترام المؤسسات والمقامات وتقديم المبادرة للرئيس عندما تصبح جاهزة، في محاولة لتطويق مخلفات التصريحات المستفزة التي سبق أن أطلقها منذ أيام.