الإصلاح السياسي يطغى على باقي استحقاقات الحوار المصري

قضايا الحبس الاحتياطي وإجراء انتخابات المحليات تتصدر الاهتمامات.
الأربعاء 2023/05/24
زخم سياسي في الحوار الوطني

تراهن القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني في مصر على الحصول على التزامات من السلطة بشأن فتح المجال العام أمامها، وتغيير المقاربة القائمة في التعاطي مع الحريات السياسية، وهو ما يفسر تقديم التركيز على هذا المحور على ما عداه من محاور تجري مناقشتها في الحوار.

القاهرة - شهد الحوار الوطني الجاري في مصر تركيزا على الملف السياسي بأبعاده المتعددة ومنها مسألة الإفراج عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي والحريات وقوانين الانتخابات، وهي قضايا تتعلق بجوهر الحوار والهدف المطلوب لفتح الطريق للإصلاحات.

وانطلقت الثلاثاء ثاني جلسات المحور الاقتصادي، لاستكمال النقاش حول برامج الحماية الاجتماعية ووضع خطط واضحة لجذب السياحة للبلاد، وهي قضايا يجري التعامل معها على أنها من المحاور الثانوية التي تهم شريحة محدودة، ومكان مناقشتها في مجلس النواب المعني بوضع التشريعات القانونية لتنفيذ هذه الرؤى.

لم تحظ مناقشات المحور الاقتصادي بما حظي به الجانب السياسي، فموضوعات الأول ذات طبيعة فنية ولا توجد خلافات كبيرة حولها، وكل الاجتهادات ذات صبغة عملية، في حين يزخر المحور السياسي بالتباين في وجهات النظر والاختلاف في التقديرات، وهو ما يصب في لُب عمل الأحزاب التي تخرج أساسا من رحم السياسة.

وكانت النقاشات حول المحور السياسي قد سجلت حضورا بارزا لعدد كبير من السياسيين وقيادات الأحزاب بمن فيهم الحركة المدنية التي تضم أحزابا وشخصيات معارضة، باستثناء حزب التحالف الشعبي (معارض) الذي أعلن مقاطعته للحوار. وتطرقت “لجنة الأحزاب السياسية” في جلستها الأولى إلى أوضاع الأحزاب وكيفية دعمها وإزالة المعوقات أمام عملها، وتطرقت لجنة “المحليات” إلى النظام الانتخابي للمجالس المحلية وبحث عودتها بعد 15 عاما من آخر انتخابات تم إجراؤها.

عمرو هاشم ربيع: خلافات حول اعتماد القائمة المغلقة في الانتخابات التشريعية
عمرو هاشم ربيع: خلافات حول اعتماد القائمة المغلقة في الانتخابات التشريعية

وحظيت القضايا المطروحة في المحور السياسي بجدل إعلامي، استفاد من الانفتاح النسبي الحاصل في بعض وسائل الإعلام ومتابعتها لما يجري داخل الجلسات. وبدا النقاش حول قضايا الملف السياسي غير تقليدي، بعد أن غابت السياسة عن الكثير من النقاشات في القنوات والصحف المختلفة، التي ركزت أنظارها على مدى الفترة الماضية على قضايا اجتماعية. وتشير هذه الحالة إلى أن ما تحتاجه مصر هو الإصلاح السياسي الشامل وفتح نقاش حول موضوعات عالقة تسبب غيابها في جمود المجال العام.

وهدفت الدعوة التي وجهها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإجراء حوار وطني شامل منذ حوالي عام إلى تحقيق الإصلاح، ولم تتطرق وقتها إلى قضايا اجتماعية واقتصادية جرى إدراجها على الهيكل العام للحوار كنوع من توسيع الأطر المعروضة للنقاش، وربما للتشويش على المحور السياسي إذا زاد الاهتمام به.

كما أن الاستغراق في قضايا اجتماعية واقتصادية قد يؤدي إلى تشتيت الأذهان، ما يجعل الحوار يستمر فترة طويلة، وقد لا يصل في النهاية إلى الأغراض المأمولة على مستوى الحراك الذي يتماشى مع الاستعدادات لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

وعبرت دوائر معارضة عن خشيتها من أن يتحول الحوار إلى “مكلمة” حال التركيز على قضايا ليس من المتوقع أن يتم التوافق بشأن إيجاد حلول لها، لأنها ترتبط بسياسات حكومية قديمة، يتطلب تغييرها وقتا لحسم تفاصيلها، على خلاف التوصيات الخاصة بالملف السياسي التي يمكن ترجمتها إلى قوانين يتم إقرارها وتنفيذها.

وأوضح عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن ملفي تعديلات قانون الحبس الاحتياطي للحد من المغالاة في قرارات الحبس وعقوباته وإقرار قانون المجالس المحلية، ملفان ملحان ويرتبطان مباشرة بالملف السياسي، ويحظيان بقدر كبير من التوافق العام مع وجود خلافات بسيطة في التفاصيل.

وأشار ربيع في تصريحات لـ”العرب” إلى أن تصدرهما يؤكد الاهتمام بالقضايا السياسية، كما أن الأحزاب والشخصيات العامة أكثر حضورا وانخرطا في الملف السياسي الذي لن يكلف ميزانية الحكومة أعباء مادية مرهقة، وكل ما يحتاجه فقط هو الإرادة السياسية، والتي تتوافر ملامح متباينة منها في الوقت الراهن.

وتوقع أن يصدر الحوار الوطني توصيات بتعديل قانون الحبس الاحتياطي وإقرار قانون المحليات وإجراء الانتخابات قريبا، غير أن الأزمة الحقيقية تكمن في الخلافات التي نشبت داخل بعض حلقات النقاش حول الاعتماد على القائمة المغلقة المطلقة في انتخابات مجلس النواب وأن الحوار الوطني سوف يشير في رأيه النهائي (المخرجات) إلى وجود خلاف حول القائمة النسبية المغلقة أو المطلقة المغلقة.

وعلمت “العرب” من مصادر قريبة من الحوار أن الاتجاه العام يميل إلى الأخذ بالقائمة النسبية المغلقة لمنح فرصة لكسب ثقة المعارضة الرافضة لدخول الانتخابات المقبلة بصيغة القائمة المطلقة المغلقة التي تقطع الطريق عليها لدخول البرلمان، لأنها تتطلب نسبة معينة من الأصوات تمكن من يحصل عليها فوز كل أعضاء القائمة.

ومع أن جلسات المحور السياسي التي عقدت الأحد لم تتطرق إلى قوانين الحبس، غير أنها شهدت تركيزا من المعارضة على ضرورة الإفراج عن باقي سجناء الرأي وحددت الحركة المدنية أسماء بعينها طالبت الحكومة بإطلاق سراحها.

إيهاب منصور: المعارضة تأمل في فتح المجال أمام عملها بشكل فاعل على الأرض
إيهاب منصور: المعارضة تأمل في فتح المجال أمام عملها بشكل فاعل على الأرض

وتعمل المعارضة على توظيف جلسات الحوار لإبراز مطالبها، وهي تدرك أنها أمام فرصة مناسبة للتعبير عن نفسها مع الاهتمام الإعلامي بما يدور من نقاشات، ما يدعم توجيه دفة الاهتمام كثيرا نحو الملف السياسي، في وقت يستهدف فيه النظام توجيه رسائل خارجية مفادها أنه ماض في طريق الإصلاح، وأن الأجواء مهيأة في الداخل لإجراء انتخابات شفافة بمشاركة فاعلة من قوى سياسية مختلفة.

وذكر عضو مجلس النواب والقيادي بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي (معارض) إيهاب منصور أن انتقال الجدل من جلسات الحوار إلى منصات التواصل الاجتماعي يمنح أبعادا عديدة تخدم القضايا السياسية المثارة، وأن المواطنين على قناعة بأن تحسين أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية لن يتم في غياب المناخ السياسي الصحي، ما يدفع البرلمان نحو إقرار قوانين تعبر عما جاء في الحوار من مناقشات.

ولفت منصور في تصريح لـ”العرب” إلى أن آمال أحزاب المعارضة منعقدة على أن يسهم الحوار في فتح المجال أمام عملها بشكل فاعل على الأرض وتكون لديها قدرة لتصبح رؤيتها للإصلاح قابلة للتنفيذ، وإن لم تستطع أن تشكل أغلبية في البرلمان وتعمل على أن يتجه سريعا نحو إقرار قوانين تتماشى ما يحدث في الواقع من مشكلات.

وتوافقت قوى سياسية في أثناء مناقشات جلسة “لجنة الأحزاب السياسية” على ضرورة تفعيل دور الأحزاب وإزالة المعوقات أمام عملها، وإعادة تمويلها رسميا، وطالبت الحكومة بالحد من الغلو في العقوبات التي تُوقّع بواسطة القوانين المتعلقة بحرية الرأي، مثل قانون التظاهر وجرائم النشر، واختلفت حول توصية تتعلق بتشكيل مفوضية لإدارة شؤون الأحزاب تكون بديلة عن اللجنة الحالية.

ويحسم المحور السياسي، وما سيفضي إليه من توصيات، ما إذا كان الحوار حقق أهدافه من عدمه لدى قطاعات شعبية تراقبه عن كثب، فالرأي العام يتابع موقف الحكومة من شعارات رفعتها المعارضة وتسعى لتحقيقها.

ولا يرجع ذلك إلى اهتمام الناس بالسياسة التي غابت عن أولويات العقل الجمعي للمصريين، لكن كمؤشر على مدى جديتها في الاستماع إلى الآخر، وبث حالة من التفاؤل تدعم مرونتها في تعديل رؤيتها، وما تنطوي عليه من تحسن في أوضاع الناس المعيشية، فالسياسة هي القاطرة.

2