الإصلاح الإستراتيجي لمدونة الأسرة يعكس تطور المجتمع المغربي

مراجعة مدونة الأسرة تعد إصلاحا متوازنا يثبت قدرة المجتمع المغربي على الانخراط في الحداثة دون التخلي عن قيمه.
السبت 2025/02/08
اهتمام خاص بحقوق الأطفال

نيويورك - تعد مدونة الأسرة المغربية إحدى الركائز القانونية التي تنظّم العلاقات الأسرية في المملكة، وقد شهدت تعديلات أُعلن عنها بعد جلسة عمل ترأسها العاهل المغربي الملك محمد السادس. وتهدف هذه التعديلات إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وحماية الأسرة المغربية، وضمان حقوق جميع أفرادها.

وكانت المدونة محل انتقاد وتثمين من خبراء وأكاديميين وجامعيين مغاربة وأجانب،على حد السواء. وقالت المسؤولة في هيئة الأمم المتحدة للمرأة مريم النصيري إن إصلاح مدونة الأسرة يكتسي بعدا “إستراتيجيا” يعكس التطور السوسيو – اقتصادي والثقافي الذي يشهده المجتمع المغربي.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أبرزت المسؤولة الأممية أن “مسار إصلاح مدونة الأسرة، الذي أطلقه جلالة الملك، يكتسي أهمية إستراتيجية لا تقتصر على المغرب فحسب، بل تشمل كذلك العالم العربي.”

وسجلت أن هذه المبادرة تبرز التطور الذي تعرفه الأسرة المغربية، وكذلك الحاجة إلى مواءمة الأطر القانونية والسياسات مع المستجدات، أخذا بعين الاعتبار الدور الهام الذي تضطلع به النساء في المجالين العام والخاص.

وأشارت النصيري إلى الأهمية التي يكتسيها هذا الإصلاح بهدف تعزيز حقوق النساء والنهوض بالمساواة بين الجنسين، مبرزة أن هذه المقاربة تعطي الأولوية أيضا “للمصلحة الفضلى” للأطفال، وكذلك المسؤوليات الأسرية “المشتركة والمتوازنة”.

ومن جانب آخر تطرقت إلى المقاربة التشاورية المعتمدة في هذا الإطار، معتبرة أن الانخراط الفاعل للمجتمع المدني، لاسيما منظمات حقوق النساء، يجسد الالتزام، على أعلى المستويات، بإرساء إطار مندمج وتشاركي.

مريم النصيري: مسار إصلاح مدونة الأسرة يكتسي أهمية إستراتيجية لا تقتصر على المغرب فحسب بل تشمل كذلك العالم العربي
مريم النصيري: مسار إصلاح مدونة الأسرة يكتسي أهمية إستراتيجية لا تقتصر على المغرب فحسب بل تشمل كذلك العالم العربي

وقالت إن هذه المقاربة تضمن استفادة الإصلاحات من دعم مجتمعي واسع، وتمهد الطريق أمام التغيير المستدام، مؤكدة أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تدعم الجهود الرامية إلى النهوض بحقوق المرأة والمساواة، في إطار التماسك الاجتماعي والأسري. وأضافت أن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تعتبر أن هذه الجهود تشكل “خطوات هامة نحو إرساء مجتمع أكثر إنصافا.”

وقال المحامي البلجيكي جيوفروي جينيري إن مراجعة مدونة الأسرة تعد إصلاحا متوازنا يثبت قدرة المجتمع المغربي على الانخراط في الحداثة دون التخلي عن قيمه وما يشكل أساسه الروحي.

وأكد الرئيس الفخري للنادي الملكي الغالي، وهي مؤسسة بلجيكية مرموقة تأسست عام 1847، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن “التوازن هو حجر الزاوية في هذا الإصلاح، الذي يسعى المغرب من خلاله أيضا إلى مواءمة أكبر لقانونه الوضعي مع المعايير الدولية.”

وأشاد السيد جينيري بـ”هذا الإصلاح الإيجابي للغاية، الذي يعد ثمرة مشاورات واسعة شارك فيها العديد من الفاعلين على جميع مستويات المجتمع المغربي.” واعتبر أن الأمر يتعلق بـ”خطوة هامة نحو تحقيق أكبر قدر من المساواة بين الرجل والمرأة، فضلا عن كونها تمثل تقدما لافتا في مجال حقوق الطفل.”

كما سلط المحامي البلجيكي الضوء على البرنامج الإصلاحي الذي يقوده الملك محمد السادس، والذي أتاح “تحقيق تحديث وتكييف قانون الأسرة المغربي، مع مراعاة الواقع المعاصر ودمج القيم الدينية التي تشكل نسيج المجتمع المغربي وتحافظ على تماسكه.”

بدوره أكد الكاتب الإسباني خوسيه ساريا أن مراجعة مدونة الأسرة تشكل خطوة كبرى نحو مجتمع مغربي أكثر عدالة وإنصافا وانسجاما. وأوضح ساريا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الإصلاحات تمثل محطة إضافية لتعزيز مبادئ الإنصاف والمساواة، من خلال جعل الأسرة، باعتبارها الضامن للتماسك المجتمعي، في جوهر مسار التنمية الاجتماعية.

وأضاف رئيس منتدى ابن رشد أن هذه المراجعة التي يقودها الملك محمد السادس تهدف إلى تحديث مدونة الأسرة لتمكينها من الاضطلاع بدورها المركزي داخل المجتمع.

وأبرز الكاتب الإسباني المقاربة القائمة على المساواة التي تعزز التوازن بين الحقوق والواجبات داخل الأسرة، مشددا على أن “هذا الإطار القانوني يعكس تطورا متناغما لمبادئ المساواة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على القيم الثقافية والأخلاقية والدينية للمملكة.”

كما أشار إلى أن هذه الإصلاحات تولي حقوق الأطفال اهتماما خاصا، من خلال تعزيز آليات حمايتهم وتعليمهم وإدماجهم الأسري، ما يعكس التزام المغرب تجاه الأجيال الصاعدة التي تمثل مستقبل المجتمع.

من جهة أخرى نوه ساريا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل تحديث مؤسساته الاجتماعية والقانونية، مؤكدا أن المملكة رسخت مكانتها كنموذج ملهم في مجال العدالة الاجتماعية والحقوق المدنية وإصلاح قوانين الأسرة، على المستويين الإقليمي والدولي.

وأشاد الكاتب الإسباني أيضا بالمقاربة التشاركية المعتمدة في مراجعة مدونة الأسرة، مبرزا أن الانخراط الفاعل لمختلف مكونات المجتمع يظل عاملا أساسيا لضمان نجاح الإصلاحات وحسن تنفيذها واستدامتها. وقالت الخبيرة القانونية ريتا ماريا شابتيني، عضو المعهد الدولي للدراسات الجيوسياسية في مونبيلييه، إن “إصلاح مدونة الأسرة يجسد مواءمة ذكية بين الحداثة والتقاليد المغربية.”

◙ مراجعة مدونة الأسرة تشكل خطوة كبرى نحو مجتمع مغربي أكثر عدالة وإنصافا وانسجاما

وتابعت شابتيني في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يواصل المغرب مساره التحديثي من خلال إطلاق إصلاح جوهري لمدونة الأسرة، يهدف إلى تصحيح الثغرات التي تم تحديدها، ويندرج في إطار ديناميكية أصبحت فيها المساواة بين الرجل والمرأة أولوية عالمية.”

وأوضحت الخبيرة القانونية الفرنسية أنه من خلال ضمان حماية أكثر إنصافا في مسائل الزواج والطلاق والنسب والإرث، فإن هذا الإصلاح التاريخي “يساهم في القضاء على التفاوتات المستمرة في تطبيق مدونة الأسرة ويضمن انتقالا سلسا نحو نظام قانوني أكثر شمولا وإنصافا.”

وتخص أبرز التعديلات المقترحة بشأن “تعدد الزوجات” التنصيص على “إجبارية استطلاع رأي الزوجة أثناء توثيق عقد الزواج حول اشتراطها عدم التزوج عليها من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط.”

وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد سيصبح محصورا في إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية.

وفي مجال النيابة والحضانة والإرث نصت أبرز التعديلات المقترحة على “جعل النيابة القانونية حقا مشتركا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية وبعد انفصالها. في حال نشوء خلاف حول أعمال النيابة القانونية، يتم الرجوع إلى قاضي الأسرة للبت فيه، وفق ضوابط ومعايير قانونية واضحة.”

أما بشان الحضانة فقد تم “اعتبار الحضانة حقا مشتركا بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية، مع إمكانية تمديد هذا الحق بعد الطلاق إذا اتفق الطرفان.” كما تم “تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حالة زواجها، وضمان الحق في سكن المحضون،” مع تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون أو السفر به، بما يضمن مصلحة الطفل.

وفي ما يتعلق بالإرث تم اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى بخصوص إرث البنات، الذي يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية. ومن أبرز المستجدات أيضا فسح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين عند اختلاف الدين.

15