الإصلاحي والمحافظ وجهان لعملة إيرانية واحدة

معنيون نحن في دول مجلس التعاون الخليجي بتصريحات المسؤولين الإيرانيين ونقف أمامها مطولاً سواء كانت إيجابية أو سلبية لنتناقش حولها، ومعنيون كذلك بما يحدث في إيران من تقلبات داخلية سواء كانت سياسية أو أمنية واجتماعية، وحتى في تفاعلاتها مع العالم الخارجي والقضايا الخلافية بينهما، بحكم “الجيرة” إن أردتها جيرة جغرافية أو جيرة إنسانية، وتأثير ما يحدث في إيران بلا شك سيكون له صدى وارتدادات في الجوار العربي، أظن هذا المنطق الذي ينبغي على صناع القرار الإيراني التفكير فيه.
وتستوقفنا جميع تصريحات المسؤولين الإيرانيين، الإصلاحيين أو المحافظين، ويصل بنا الأمر إلى “الحكم” على تلك التصريحات خاصة التي تحمل رؤية إيجابية، ليس لأنها تخاطبنا نحن كخليجيين، بل بقدر ما أن تلك التصريحات للاستهلاك الإعلامي الداخلي، أو أنها محاولة لتخفيف الضغط الدولي عن النظام المتمسك بتفاصيل حياة الإنسان الإيراني من خلال استخدام خطاب التهدئة.
وحكمنا هذا أو تقييمنا مبنيّ على أساس بسيط، فخبرتنا التاريخية مع كل التصريحات الإيرانية منذ أكثر من أربعة عقود لم يتبعها سلوك أو فعل سياسي يتطابق مع ما يصرّحون به. آخر تلك التصريحات الإيجابية، صدرت عن الرئيس الجديد مسعود بيزشكيان، الذي يفترض أن تتوفر فيه كل العوامل التي تدفعه ليكون إيجابيا مع دول الخليج، فهو من جانب قادم من تيار الإصلاحيين أو المعتدلين الذين يحملون رؤية ونهجا مختلفين في العلاقات مع الجوار ومع العالم، حيث أن بيزشكيان دشن عهده الجديد بتصريح ظننا معه أننا أمام مرحلة جديدة عندما قال إنه “سيمد يد الصداقة للجميع”. ولكن ما حدث في أقل من يوم من تعهده أن سفير إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني تقدم بخطاب مستفز ضد الدول العربية، الخليجية تحديداً، حول تسمية الخليج العربي، واستخدم مفردات غير دبلوماسية وغير سياسية في رده على بيان جامعة الدول العربية الأخير.
وجه الاستغراب هنا لا يكمن في التناقض بين سلوك إيران مع الخطاب السياسي لها، خاصة مع دول الخليج العربي فهو أمر شبه معتاد، ولكن وجه الغرابة أن العلاقات الإيرانية – الخليجية تعيش مرحلة تهدئة سياسية وتشهد نوعاً من التنسيق البيني في عدد من الملفات، خاصة بعد المصالحة الدبلوماسية التي رعتها الصين بين السعودية وإيران، وكذلك بعد الخطاب الخليجي الذي يدعو إلى تحسين العلاقات مع إيران باعتبار أن أيّ ضرر في المنطقة يمسّ الجميع. إلا أن بعض الأفكار السياسية لا يمكن تطبيقها، لأن الأيديولوجيا، التي تعقد أفكار التعاون والتفاهم، هي المحرك الأساسي لبعض متخذي القرار في طهران.
◄ ما حدث في أقل من يوم من تعهده أن سفير إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني تقدم بخطاب مستفز ضد الدول العربية، الخليجية تحديداً، حول تسمية الخليج العربي، واستخدم مفردات غير دبلوماسية
في العلاقات الدولية محاولة كسب أصدقاء مسألة في غاية الصعوبة، والسبب أن السياسة في عمومها محفوفة بالنيات غير الصافية وغير الصادقة، ولا تمكن الثقة بسهولة في نوايا السياسيين، لذا تجد دولة مثل الصين رغم كل الجهود التي تبذلها في كسب الأصدقاء في كل أنحاء العالم، ورغم أن تاريخها السياسي لا يحمل أيّ احتلال أو عداوة للجوار إلا أن الكثيرين يشككون في نواياها السياسية.
في مقابل هذه الإستراتيجية الصعبة هناك سياسيون لديهم قدرة، بل يتفننون في خسارة الأصدقاء واستعدائهم بلا مبرر. وللأمانة النظام في إيران يتمتع بشطارة في هذه الإستراتيجية التي أرهقت النظام والشعب الإيراني كما أرهقت كل من يريد التعامل معهم، بصدق وحسن نية.
تكاد لا توجد قناعة لدى أهل الخليج العربي بأن تتغير السياسة الخارجية الإيرانية تجاههم، سواء تغيرت تصريحات المسؤولين الإيرانيين أو تغير القادمون الجدد من التيارات السياسية، سواء من الإصلاحيين أو المحافظين أو المعتدلين، فكلها مسميات لا تجد لها وقعا عمليا، فالسياسة الإيرانية واحدة، من الصعب أن تلحظ أيّ فروقات بين الإصلاحي والمحافظ لأن الملفات محددة قبل أن يأتي الرئيس للسلطة.
ما بين تصريح مسعود بيزشكيان الإصلاحي “بأنه سيمد يد الصداقة للجميع” وتصريح أمير سعيد إيرواني الذي يبدو أنه ابن الدولة العميقة في النظام الذي أعاد خطاب النظام التاريخي، رسالة سياسية واضحة للعالم وليس لدول الخليج العربي فقط، فحوى تلك الرسالة أن الرئيس الجديد ليس هو صاحب القرار وإنما هو منفذ لسياسة النظام، وأن تغيير شخص الرئيس أو مجيء رئيس من تيار مختلف لا يعني أن السياسة الإيرانية الخارجية قابلة للتغيير.