الإصلاحات لا تكفي لزيادة الاستثمار الأجنبي في تركيا

يجمع محللون على أن عودة تركيا المتوقعة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية قد لا تكون كافية للحصول على استثمارات دولية أطول أمدا، إذ لا يزال من الضروري استعادة القدرة على التنبؤ وتعزيز سيادة القانون من أجل بناء الثقة مع الشركات والأسواق.
إسطنبول - تؤكد حقائق الواقع أن تركيا لا تملك هامشا كبيرا لتعزيز النمو إلا بالنجاح في تحسين مناخ الاستثمار بدرجة كبيرة، لزيادة استقطاب الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت كثيرا بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان.
وفي حين أن ارتفاع أسعار الفائدة من شأنه أن يجذب بعض المستثمرين الأجانب إلى الأصول التركية، يقول محللون إن الاستقرار والمساءلة والشفافية اللازمة لطمأنة أصحاب الأعمال لن تتحقق إلا بتعديلات جوهرية في الامتثال للقوانين.
وعادة ما يأخذ الرأسماليون الدوليون الذين لا يحبذون التقلبات علما بخطط الرئيس رجب طيب أردوغان، وسحبوا أموالهم من السوق خوفا من تكبد خسائر هم في غنى عنها.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية انخفض حجم الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم والسندات التركية بحوالي 85 في المئة، من أكثر من 150 مليار دولار في 2013 إلى أكثر بقليل من 20 مليار دولار حاليا.
كما انخفضت رؤوس الأموال المباشرة، إذ يملك المستثمرون الأجانب الآن نحو 30 في المئة فقط من الأصول التركية مقارنة بمتوسط بلغ 60 في المئة على مدار العقدين الماضيين.
ووفقا لبيانات من تاكاسبانك، التي تتولى أعمال المقاصة، فإن الملكية الأجنبية في سوق السندات التركية تقترب من واحد في المئة بانخفاض من 28 في المئة قبل عشر سنوات.
وبينما تكاد تكون الليرة غير قابلة للتداول خارج البلاد باتت تركيا، العضو في مجموعة العشرين وأكبر اقتصاد ناشئ في العالم، سوقا يهيمن عليها لاعبون محليون.
وبعد أسبوع من إعادة انتخابه عين أردوغان وزيرا جديدا للمالية هو محمد شيمشك لتحويل المسار بعيدا عن سياساته غير التقليدية التي أدت إلى ارتفاع التضخم وهبوط الليرة. وكان شيمشك يحظى بتقدير كبير من الأسواق المالية حين شغل المنصب نفسه سابقا.
لكن بعد سنوات من التشريعات غير المتوقعة، وما يراه منتقدون من اضطرابات اقتصادية، ومع عدم إمكانية توقع إجراء أردوغان إصلاحات حقيقية، من غير المرجح أن تشهد السوق المحلية تغييرا جذريا في معنويات المستثمرين.
وقال محمد غون رئيس جمعية عدالة أفضل لرويترز “كي يكون هذا دائما، يجب ألا يُعتمد على الأشخاص فحسب، وإنما أيضا على احترام سيادة القانون”. وأضاف “يتعين علينا تعزيز البنية التحتية القانونية لضمان أن يتخذ الشخص الجديد الذي سيحل (في المستقبل) محل شيمشك القرارات الصائبة. ويتعين علينا الحد من سلطات الرئيس”.
واستشهد غون، وهو محام، على سبيل المثال بقرار تركيا في عام 2021 بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول، وهي معاهدة دولية لمكافحة العنف القائم على نوع الجنس.
وقال إن ذلك “نقل رسالة إلى الأسواق الدولية مفادها أنه يمكن إلغاء أي اتفاق دولي على أساس تعسفي بمرسوم رئاسي”.
30
في المئة من الأصول التركية يملكها أجانب بعدما كانت عند 60 في المئة على مدار عقدين
وأيد الأتراك الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي في استفتاء عام 2017، مما أعطى سلطات واسعة لأردوغان، وهو نظام تقول الحكومة إنه يفضي إلى وضع قواعد فعالة وواضحة.
ويتعين على الشركات الآن التكيف مع قواعد ولوائح شاملة في بعض الأحيان تنشرها يوميا الجريدة الرسمية للرئيس وتشمل الضرائب والإقراض وتحديد اللوائح الخاصة باستخدام الأراضي والتجارة.
وذكر البنك الدولي مرارا في تقاريره أن تركيا في معسكر الدول التي تنشر مسودات اللوائح وتطلب آراء أصحاب المصلحة، لكنها لا تبلغ عن نتائج المشاورات.
وقال أورهان توران، رئيس اتحاد الأعمال والصناعة التركية، في مؤتمر خلال مارس الماضي إنه “يتعين على البلاد أوّلا تقوية علاقاتها مع الحلفاء الغربيين من خلال تعزيز سيادة القانون والقضاء المستقل”.
وحصل أردوغان على تفويض لتمديد حكمه إلى عقد ثالث في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في مايو الماضي. وقال في خطابه بعد الانتخابات “نخطط من أجل إدارة مالية تتمتع بسمعة دولية واقتصاد إنتاجي يستهدف الاستثمار والتوظيف”.
وقال اثنان من كبار المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم إنه من أجل طمأنة المستثمرين الأجانب بعض الشيء، من المهم للغاية إدخال إصلاحات قضائية، وستعلن الحكومة الجديدة عن خطوات قريبا لإصلاح “الضرر المتصور” في النظام القضائي.
وأكد أحد المسؤولين الكبيرين لرويترز، لم تذكر هويته، أن “من الواضح أنه لضمان الحصول على الثقة الاقتصادية، لا محيص عن الاتساق القانوني”. ويرى مدافعون عن حقوق الإنسان والمعارضة السياسية أن حزب العدالة والتنمية استخدم في بعض الأحيان النظام القضائي لمعاقبة المعارضين، وهو اتهام نفته السلطات.
ولم تلتزم تركيا بأحكام كثيرة للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ومنها قرارها بإطلاق سراح عثمان كافالا، وهو رجل أعمال وناشط تركي يحمل الجنسية الفرنسية ويقضي عقوة الحبس مدى الحياة في أحد السجون التركية.
وقالت إيما سنكلير ويب مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في تركيا إن “نظام العدالة الفاقد للمصداقية يمثل مصدر قلق خاص للمستثمرين الأوروبيين”. وأوضحت أنه “من دون صحافة حرة ومن دون محاكم مستقلة يكون مناخ الاستثمار سلبيا في العموم”.
وفي ظل الاستنفاد الشديد لاحتياطيات العملات الأجنبية وبلوغ الليرة أدنى مستوياتها القياسية، عزز تعيين شيمشك التوقعات بأن السلطات ستخفف القيود عن أسواق الصرف الأجنبي والائتمان والديون.
ولدعم التحول الكامل فيما يبدو عين أردوغان الجمعة الماضية حفيظة غاية إركان محافظة للبنك المركزي التركي، مما يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة. لكن محللين يقولون إنه على الأمد الطويل لن يأتي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد بسبب تأثير أردوغان المفترض على الكيانات المستقلة مثل البنك المركزي.
وتظهر بيانات وزارة المالية أن الاستثمار الأجنبي المباشر بلغ حوالي 13.1 مليار دولار في العام الماضي، ارتفاعا عما كان عليه قبل خمس سنوات، لكنه يتماشى تقريبا مع عام 2021.
واستبعد هوارد إيزنستات، الأستاذ المساعد في تاريخ وسياسة الشرق الأوسط بجامعة سانت لورانس، حدوث ارتفاع كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر ما لم تنفذ تركيا إصلاحات جوهرية تعالج مشكلات رئيسية مثل الفساد. وقال لرويترز “بغض النظر عن الإصلاحات الاقتصادية، لن يزداد الاستثمار كثيرا”.