الإصلاحات المالية في الكويت تحتاج إلى جرأة من الحكومة والبرلمان

تنفيذ ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة يعد أكبر مقياس استكشفته الحكومة لجني العائدات.
الجمعة 2023/07/07
مشكلة الكويت في برلمانها

الكويت - تحذر وكالات التصنيف الائتماني العالمية من أن الفجوة بين الكويت وباقي الدول الخليجية آخذة في الاتساع في ما يتعلق بالإصلاحات المالية بسبب عدم الاستقرار السياسي، واستمرار رفض نواب المعارضة المصادقة على تشريعات باتت ضرورية، ومعارضتهم لإقرار ضرائب، في ظل مخاوف لديهم من انعكاس ذلك على شعبيتهم، وبالتالي على حضورهم مستقبلا في البرلمان.

وتعاني الكويت، العضو في منظمة أوبك لمنتجي النفط، من اختلال مالي، فضلا عن أن اقتصادها يعد الأقل تنوعا في مجلس التعاون الخليجي. ويعزو ذلك إلى الخلافات المستمرة بين الحكومات المتعاقبة ومجلس الأمة.

ورغم حرص الحكومة الحالية التي يقودها الشيخ أحمد نواف الأحمد الجابر الصباح والمعارضة التي تسيطر على مجلس الأمة الحالي، على إظهار استعدادهما لتعاون بناء، لكن كثيرين يتشككون في نجاح الطرفين في التوصل إلى خطة إصلاح شاملة لمالية الدولة، حيث إن كلا الطرفين لا يمتلكان الجرأة على المضي في هذه الإصلاحات.

ويقول هؤلاء إن المعارضة منشغلة بالحفاظ على موقعها، وبالتالي لا تريد المجازفة بأي خيارات قد تبدو مؤلمة شعبيا، وكذلك الحال بالنسبة للحكومة التي تبدو مستكينة للوضع محملة الأولى المسؤولية.

وقالت وكالة موديز في تحليل ائتماني سنوي، إن الكويت عانت خلال السنوات الأخيرة من عجز مالي مستمر، بسبب هيكل الإنفاق الحكومي الصارم والمعارضة البرلمانية للتدابير الجديدة لزيادة الإيرادات، منوهة بتنامي الفجوة بين الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك الإمارات والسعودية، في سير التقدم بالإصلاح المالي بشكل مطرد منذ صدمة أسعار النفط في 2015.

المعارضة منشغلة بالحفاظ على موقعها في مجلس الأمة، وبالتالي لا تريد المجازفة بأي خيارات قد تبدو مؤلمة شعبيا

وأشارت إلى أن الإيرادات لا تزال معتمدة بشكل كبير على عائدات النفط، والتي تصل إلى 80 – 90 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية وتؤدي إلى تقلبات في الرصيد المالي، مبينة أن التقدم في تنويع قاعدة الإيرادات غير النفطية كان بطيئا للغاية، مدفوعا جزئيا بالسياسة.

وأضافت الوكالة “يعد تنفيذ ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة الذي جاء كرد على صدمة أسعار النفط على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي هو أكبر مقياس استكشفته الحكومة لجني العائدات، لكن مجلس الأمة لم يصادق بعد على المعاهدة التي تسبق أي تشريع لضريبة القيمة المضافة”، مستبعدة تطبيق ضريبة القيمة المضافة في الكويت خلال العامين المقبلين، حيث تظل أسعار النفط داعمة لذلك.

ورجحت “موديز” أن تكون الضرائب واسعة النطاق أقل شعبية مقارنة بالضرائب على الشركات، مشيرة إلى أن الحكومة كانت تعتزم أيضا فرض ضرائب انتقائية على المشروبات المحلاة والتبغ، والتي من شأنها زيادة الإيرادات بنحو 25 في المئة من الإيرادات التي يتم جمعها من خلال تطبيق ضريبة القيمة المضافة، ولكن تم ترحيلها أيضا من الجدول الزمني الأصلي للتنفيذ المقرر للسنة المالية التي انتهت في مارس 2021 (السنة المالية 2020).

ولفتت إلى أن الكويت تعتبر الوحيدة بين دول التعاون التي لم تفرض ضرائب انتقائية، والوحيدة إلى جانب قطر التي لم تطبق ضريبة القيمة المضافة.

ويعد الاقتصاد الكويتي من أقل الاقتصادات تنوعا في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يمثل قطاع النفط (الهيدروكربونات) ما يقدر بنحو 52 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي وأكثر من 80 في المئة من الصادرات في عام 2022، فيما يعتبر القطاع غير النفطي منكشفا على تقلبات إنتاج النفط والغاز أو أسعاره، لأن جزءا كبيرا منه يعتمد على الحكومة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال توزيع مكاسب النفط عبر رواتب القطاع العام.

الإيرادات لا تزال معتمدة بشكل كبير على عائدات النفط، والتي تصل إلى 80 – 90 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية

وأكدت الوكالة أن انخفاض مستوى التنويع الاقتصادي بعيدا عن النفط يؤدي إلى تقلبات كبيرة في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وخاصة الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، خلال فترات تقلب أسعار النفط العالمية، مبينة أن التقلب في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يتفاقم جزئيا من خلال التنفيذ الدوري وإلغاء سقوف إنتاج “أوبك+”.

وترى الوكالة أن التنويع الاقتصادي سيظل يمثل تحديا كبيرا للكويت، مدفوعا بالعوامل الاجتماعية والسياسية التي تقيّد الفعالية المؤسسية والتنمية التي يقودها القطاع الخاص، موضحة على سبيل المثال، أن لدى القطاع العام بشكل عام ساعات عمل أقصر وأيام إجازة أكثر من القطاع الخاص.

وأضافت “على الرغم من أن الحكومة تقدم دعم عمالة للمواطنين العاملين في القطاع الخاص لمعادلة الأجور، إلا أن الفروق في المزايا غير المرتّبة (ساعات العمل والإجازة مدفوعة الأجر) لا تزال كبيرة. ومن شأن هذه الاختلافات أن تثبط المواطنين عن العمل في القطاع الخاص”، مشيرة إلى أن القطاع الخاص يوظف بشكل رئيسي الوافدين، بينما يوظف القطاع العام في الغالب مواطنين كويتيين.

وأفادت “موديز” بأن البنية التحتية للكويت أقل تطورا من نظيراتها إقليميا مثل الإمارات وقطر، لافتة إلى أن التكويت ونقص الفنيين المهرة يقيّدان أيضا تنافسية الاقتصاد وآفاق التنويع.

وأوضحت أن العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة كانت ولا تزال متقطعة، ما يعيق قدرة المؤسسات على تنفيذ تدابير لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والمالية والتنويع، مضيفة أن النواب “مستقلون اسميا ويميلون إلى التفضيلات السياسية المتباينة التي تشكل تحديا للحكومة للتغلب عليها والتوصل إلى توافق في الآراء في شأنها، نظرا لغياب الأحزاب السياسية”.

وأوقف مجلس الأمة باستمرار التشريعات التي قد يكون لها تأثير على مستويات معيشة المواطنين، بما في ذلك معظم الإصلاحات المالية الرئيسية التي اقترحتها الحكومات المتعاقبة منذ صدمة أسعار النفط الأولى في عام 2015، وتشمل الإصلاحات المقترحة خفض فاتورة أجور القطاع العام، وتوسيع ضريبة الدخل على الشركات المحلية (حاليا فقط الشركات الأجنبية تخضع لضريبة دخل الشركات)، وفرض ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية.

ولفتت “موديز” في تحليلها إلى أن خلاف مجلس الأمة يمتد إلى قضايا التمويل، إذ لا تزال التأخيرات في الموافقة على قانون الدين العام الجديد تحد من خيارات التمويل الحكومية، على الرغم من أن هذا يكون أكثر صلة عندما تواجه الحكومة عجزا ماليا كبيرا.

وترى “موديز” أنه لا يمكن تنفيذ أي إجراءات إصلاح رئيسية حتى تصبح العلاقة بين الحكومة ومجلس الأمة بنّاءة، قائلة “مع ذلك، فإن وجود الهيئة العامة للاستثمار، وخاصة صندوق الاحتياطي العام، لتلبية متطلبات الإنفاق الحكومي وخدمة الدين في ظل عدم وجود خيارات تمويل أخرى، يشير إلى بعض المصداقية المؤسسية في الحفاظ على الجدارة الائتمانية للكويت”.

3