الإصلاحات الاقتصادية السعودية تعزز الاستثمار وتخاطر بالموارد

أرامكو تقلل توزيع الأرباح لتنفق الأموال في السوق المحلية.
الاثنين 2021/04/19
مشاريع تعزز استدامة الاقتصاد

تجمع التحاليل وآراء لخبراء أن خطة الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحمل مفارقة مزدوجة. ففي حين ستساعد على تعزيز الاستثمارات وتسريع المشاريع الضخمة في مجالات البنية التحتية والصناعة إلا أنها ستمثل ضغطا متواصلا على موارد الدولة نظرا لتوجيه أقساط كبيرة منها نحو هذه المشاريع.

الرياض - تواجه أحدث خطة اقتصادية للإصلاحات السعودية التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد والخروج من كبوة النفط، مجموعة من المخاطر الكبيرة، فرغم أنها ستساعد في تعزيز الاستثمار، إلا أنها في الوقت نفسه قد تضر بالموارد المالية الحكومية.

ويريد ولي العهد السعودي، أن تقوم أكبر الشركات في المملكة، ومنها شركة النفط العملاقة أرامكو السعودية وشركة سابك لصناعة الكيمياويات، بتخفيض توزيعات الأرباح التي يُدفع معظمها إلى الدولة، على أن تقوم هذه الشركات بإنفاق هذه الأموال في السوق المحلية.

وتعني هذه الفكرة أن إنفاق الشركات على البنية التحتية الجديدة والتكنولوجيا سيكون كبيرا بما يكفي لتسريع نمو البلاد ولإحداث طفرة في الوظائف.

كارين يونغ: خطة ولي العهد تضحي بالأرباح من أجل الاستثمارات المستقبلية
كارين يونغ: خطة ولي العهد تضحي بالأرباح من أجل الاستثمارات المستقبلية

وفي مقال رأي، قالت كارين يونغ الباحثة المقيمة في معهد “أميركان إنتربرايز بواشنطن”، إن “استراتيجية القائد الفعلي في المملكة العربية السعودية، ترقى إلى مستوى التضحية بالأرباح الحالية من أجل الاستثمارات المستقبلية”، مضيفة “هناك تحول في الأجيال، فهذه مرحلة بناء وإنشاء حقبة ما بعد النفط، ولكن ستستنفد الحكومة تلك الموارد النفطية على المدى القصير”.

وفي هذا السياق تبرز تهديدات كبيرة من التأثير المحتمل للنفط على الميزانية والاقتصاد السعودي، الذي تضرر بشدة بسبب وباء كورونا وانهيار أسعار النفط خلال العام الماضي.

حوّلت أرامكو أكبر شركة نفط في العالم، مبلغا قدره 110 مليارات دولار إلى الحكومة السعودية من خلال مدفوعات المساهمين وحقوق الامتياز وضريبة الدخل خلال العام 2020، وهو ما يمثّل انخفاضا بنسبة 30 في المئة عن العام السابق 2019.

وفي هذا الصدد، يرى جيمس سوانستون من “كابيتال إيكونوميكس”، أن التوزيعات المنخفضة للشركة المملوكة للدولة بنسبة 98 في المئة، ستؤثر على إيرادات الحكومة، كما أن سوانستون غير مقتنع بأن الاستثمار الإضافي في الاقتصاد سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الضرائب الحكومية من الصناعات الأخرى في المدى القصير على الأقل.

ومع ذلك، قالت أرامكو إنه بإمكانها الحفاظ على توزيعات أرباحها الأكبر عالميا في العام الماضي والتي قدّرت بـ75 مليار دولار، حيث وصلت إلى هذا الحد بفضل ارتفاع خام برنت بنسبة 30 في المئة تقريبا منذ ديسمبر إلى 67 دولارا للبرميل، تزامنا مع خروج دول أخرى من الإغلاقات الناتجة عن وباء كورونا.

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت أرامكو عن صفقة ستشهد استثمار 12.4 مليار دولار في خطوط الأنابيب من خلال تشكيل كيان تقوده الولايات المتحدة، وقد تمكّن الميزانية العمومية القوية والتدفق النقدي المرتفع شركة أرامكو من الاحتفاظ بالأرباح وزيادة الاستثمار محليا.

ويتوقع زياد داود كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبيرغ إيكونوميكس، أن تصل أجور ومعاشات موظفي الدولة إلى 491 مليار ريال (الدولار يعادل 3.75 ريال) هذا العام، وهو ما يمثل حوالي نصف إجمالي الإنفاق البالغ 990 مليار ريال.

ويرى أنه إذا ظلت أسعار النفط فوق 60 دولارا، فقد تتمكّن المملكة العربية السعودية من تغطية الرواتب عبر مبيعات النفط الخام وحدها، وسواء حدث ذلك أم لا، فيعتبر هذا الأمر جزءا هاما من مبادرة الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 35 عاما.

ورغم تمكّن المملكة العربية السعودية من رفع الإيرادات غير النفطية من 166 مليار ريال في 2015 إلى 358 مليار ريال في 2020، إلا أن هناك مشكلة تتمثل في أن جزءا كبيرا من التحسن يعود إلى التسويات التي تمت مع عدد من رجال الأعمال وأثرياء المملكة خلال عام 2017، والتي عُرفت باسم “اعتقالات ريتز كارلتون”، والتي كانت جزءا من حملة ولي العهد لمكافحة الفساد.

وقال داود “يعتبر نمو جزء من الإيرادات غير النفطية السعودية عضويا فقط، حيث إن تلك الاتفاقات تمثل خمس الإيرادات غير النفطية، وستنتهي هذه التسويات في مرحلة ما، وعندما يتم ذلك، لن تتوقف العائدات غير النفطية عن الارتفاع فحسب، بل ستنخفض بالفعل، لذلك يجب على المملكة زيادة الإنتاجية ورفع الصادرات غير النفطية لكي تحقق نموا مستداما”.

110 مليارات دولار حولتها أرامكو إلى الحكومة من خلال مدفوعات المساهمين خلال 2020

وكدليل آخر على جسامة المشاريع والخطط المستقبلية بلغ عجز الميزانية السعودية نسبة قدرها 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ورغم الضغط الذي تتعرض له الميزانية العامة بسبب انخفاض مدفوعات الشركات السعودية، فقد يكون صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي) الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار قادرا على تعويض الركود.

ويستعد صندوق الاستثمارات العامة بالفعل إلى دفع الاقتصاد المحلي قدما، حيث تعهد الأمير محمد بإنفاق ما لا يقل عن 40 مليار دولار سنويا في السوق المحلية حتى العام 2025، لكي يتم إنشاء مدن ومنتجعات جديدة وخلق 1.8 مليون وظيفة.

وقال محمد أبوباشا رئيس إدارة أبحاث الاقتصاد الكلي في المجموعة المالية-هيرميس القابضة ومقرها القاهرة “تركز الميزانية على إدارة النفقات اليومية للحكومة بشكل متزايد بدلا من أن تكون محركا للنمو الاقتصادي، فيما تتحول النفقات الرأسمالية في الغالب إلى صندوق الاستثمارات العامة ومؤسسات الدولة الشقيقة”.

وتوقعت الحكومة السعودية في شهر ديسمبر الماضي، أن تصل الإيرادات إلى 849 مليار ريال في العام 2021 وأن تكون نسبة العجز المالي 4.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي ذلك الوقت كان يتم تداول النفط بقيمة تصل بالكاد إلى 50 دولارا للبرميل، ولكنه ارتفع الآن إلى الدرجة التي ستُمكّن المملكة العربية السعودية من تحقيق التوازن لميزانيتها، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

Thumbnail

ويشير هنا أبوباشا إلى أن التأثير الدائم للوباء على الشركات السعودية والطلب العالمي على الطاقة يعني أن الأوضاع المالية للمملكة لا تزال محفوفة بالمخاطر، مضيفا “سيعتمد تعزيز الإيرادات غير النفطية المستقبلية على المضي قدما في توزيعات الأرباح من كافة الاستثمارات المملوكة للدولة، وهذا يزيد من ضعف المالية العامة”.

كما يتخوف المستثمرون الأجانب من حملة الإصلاحات السعودية التي قد تحمل أحيانا مؤشرات غير إيجابية بالنسبة إليهم، في ظل إشكاليات قائمة أصلا تتعلق بنمط الحياة والهجمات الإرهابية من إيران والبيروقراطية الكبيرة.

ويقول مراقبون إن قرار اشتراط نقل الشركات لمقارها الإقليمية إلى الرياض في إطار الإصلاحات يجعل الشركات الأجنبية تحت الضغوط والوصاية مما يربك خطط الاستثمار لديها، حيث يشكل القرار قيدا للحرية في وقت تتزايد فيه المخاوف أصلا من الإصلاحات المرتقبة.

ويرى خبراء أن القرار الأخير بنقل المقر الإقليمي للشركة إلى السعودية للتمتع بالعقود الحكومية يمكن أن ينفّر المستثمرين، ما يتعارض مع هدف السعودية التي تريد جلب الاستثمارات الأجنبية.

ومنذ عام 2016 ينفّذ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عددا من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية فيما أرجأ البعض منها إلى وقت آخر، وقد أثارت هذه الخطط في مناسبات كثيرة مخاوف المستثمرين.

وفرضت السلطات قواعد جديدة للعمل تقصر وظائف محددة على المواطنين، حيث زادت حصصا مالية للشركات لتوظيف السعوديين وقامت بخفض دعم الكهرباء والماء في إطار إصلاحات مالية. وأعلنت الحكومة عن تأسيس البرنامج الوطني لدعم إدارة المشاريع في الجهات العامّة لخفض تكاليف مشروعات البنية التحتية الحكومية.

11