الإسلام والحداثة في كتابات الباكستاني فضل الرحمن مالك

يندرج كتاب الباحث دونالد بيري الموسوم بـ”الإسلام والحداثة من خلال كتابات فضل الرحمن”، الشبكة العربية للأبحاث والنشر بيروت، في سياق جدل الديني والمدني، جدل القيم الدينية “الإسلام” مع الحداثة، الكتاب يهتمّ كثيرا بعملية التلاقي والتكامل والتكيف بين النصوص الدينية مع مبادئ الحداثة وأفكارها التي تتوافق ومعطيات العصور الحديثة.
المؤلف يغوص في فكر فضل الرحمن بأسلوب واضح وفقهي، ويقدم دراسة شاملة عن هذا الفكر الذي يطرح مقاربة للتعاطي الإسلامي مع الحداثة، تختلف جذريا عن تلك التي عهدناها في الخطاب الإسلامي الراهن.
معضلة الحداثة
اعتبر فضل الرحمن أنه بالرغم من أن تطوير فقه قرآني سياقي لإعادة بناء الإسلام ينطوي على مخاطر، إلا أنه لا بدّ من إنجاز هذه المهمة، لأن مستقبل الإسلام في تعامله مع الحداثة منوط بها، فقد أصبح المسلمون إلى حدّ كبير أسرى مخلوقاتهم التاريخية، سواء كانت قوانين أم مؤسسات.
كما أن فضل الرحمن قد حذر -في الوقت نفسه- بالقول: “لكننا نحتاج إلى بضع سنوات، ومجهود كبير لدفن الظلامية الحالية، في السنوات المقبلة من حياتي، سوف ينصبّ الجزء الأكبر من نشاطي على العمل من أجل هذه الغاية”. ودعا فضل الرحمن إلى إعادة اكتشاف رسالة القرآن التاريخية والمنهجية والسياقية كي يتمكن الإسلام المعاصر من الاستجابة للحداثة بإيمان حيوي وديناميكي.
|
ويتحدث المؤلف عن سيرة حياة المفكر الإسلامي فضل الرحمن الذي ولد في 21 سبتمبر 1919 في الهند قبل التقسيم (باكستان حاليا)، وقد تمكن، بإشراف من والده، من تلاوة القرآن غيبا في سن العاشرة، وكان لإرشادات المحبة من والديه تأثير كبير على حياته كمسلم، وقد دونها في سيرة ذاتية بعنوان “شجاعة الاقتناع”، ويورد المؤلف نصا لفضل الرحمن يتحدث فيه عن فضائل والدته وتأثيرها في تكوين طباعه ومعتقداته الأولى كالصدق والرحمة والثبات، وقبل كل شيء الحب، أما الوالد فكان باحثا دينيا مطلعا على الفكر الإسلامي التقليدي.
كان يختلف عن الباحثين الإسلاميين التقليديين الآخرين الذين كانوا يعتبرون أن التعليم الحديث هو سمّ للإيمان والأخلاق على السواء، وكان مقتنعا بأنه ينبغي على الإسلام التعامل مع الحداثة بأنها تحدّ وفرصة في الوقت نفسه، وفضل الرحمن شاطر والده في هذه الأفكار وتأثيراته كثيرا، وشكلت بصماته جزءا من شخصيته الفكرية البحثية الاجتهادية.
في أغسطس 1962، أصبح فضل الرحمن مدير المعهد المركزي للأبحاث الإسلامية في باكستان، الأمر الذي أتاح له إطلاق اكتشافات باكستانية للقرآن وإعادة بناء مجتمعية، تطرقت كلتاهما إلى الحداثة، وعكستا روح العصر في القرآن، كانت مهمته في المعهد تفسير الإسلام بعبارات منطقية وعلمية لتلبية مقتضيات مجتمع تقدمي حديث.
الديناميكية والاجتهاد
الكتاب يقدم دراسة شاملة عن الفكر الذي يطرح مقاربة للتعاطي الإسلامي مع الحداثة
تعرض فضل الرحمن من خلال تجربته إلى مشاقّ ومصاعب عدّة، فقد تكبد هو وسواه أسى شديدا بسبب بعض مواقفهم من المسائل الاجتماعية والسياسية، وكانت لعدة مواقف اتخذها ردة فعل قوية لدى عدد كبير من العلماء -التقليديين المسلمين- إذ أكد فضل الرحمن ما خلصت إليه الدراسات والأبحاث الحديثة بأن جزءا من الأحاديث لا يمكن التعويل عليه تاريخيا، فاتهم بأنه “متغربن” أو “مستشرق” في مقاربته للحديث، والمجهود الثاني الذي حاول فضل الرحمن من خلاله اتخاذ موقف يأخذ في الاعتبار وجهتي النظر المحافظة والتحديثية، تمثل في مرسوم قوانين الأسرة المسلمة الذي أقر في يناير 1961، وتطرق إلى مسائل مثل تعدّد الزوجات والطلاق وقوانين الميراث، وقد اعترض المحافظون في باكستان على إعادة بناء القوانين المتعلقة بهذه المسائل الاجتماعية المهمة.
ودافع فضل الرحمن عن استخدام الأساليب المصرفية الحديثة التي تشمل وجوب اعتماد نظام الفوائد، إلا أن المحافظين قد أبدوا ردّ فعل قوي على موقفه هذا، عبر ادّعاء عدم الطاعة للفرائض القرآنية، التي تحظر ممارسة الربا التي كانت سائدة قبل الإسلام. لكنه اعتبر أنه لا وجود للمصرف من دون تطبيق الفوائد، وأن الفائدة المصرفية ليست موازية للربا، وقد لمس الرفض الشديد على موقفه هذا من خلال عقد مؤتمرين صحفيين ضدّه.
شدّد فضل الرحمن على أنه يجب النظر إلى مفهوم الله في القرآن بأنه مفهوم وظيفي، الله في القرآن هو خالق ومقدّم للرعاية وديّان على جميع خلقه، يتيح النظر إلى الله من خلال هذه المفاهيم الوظيفية، وركز على أن إحدى المسؤوليات الأساسية الملقاة على عاتق أيّة حكومة إسلامية تكمن في تأمين الرفاه والرعاية لمواطنيها كافة، فهي تساعد الأمة كي تعكس أخلاقيات القرآن، ولا مبالغة على الإطلاق في التشديد على أهميته، وأعلن فضل الرحمن أنه يمكن اكتشاف الإسلام الحق النقي للقرآن في وحدته وتماسكه، فموضوع العدالة هو بمثابة الخيط الذي يمكن من خلاله التعامل مع المسائل الفقهية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تطرحها الحداثة.
وأشار فضل الرحمن إلى أنه لا يجوز تحدّي الحداثة واتخاذها عذرا للاختباء في الماضي هربا من تهديد المستقبل، وأن الاجتهاد والشورى هما السبيل الوحيد كي تصبح الرسالة الديناميكية للقرآن محفزا للتغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.