الإسلاميون في الجزائر يخوضون الانتخابات الرئاسية مشتتين

توازنات الداخل تدفع التيار الإسلامي إلى الاكتفاء بدور ثانوي في المشهد.
الأربعاء 2024/06/19
طموحات تبخرت

يخوض أقطاب التيار الإسلامي في الجزائر الانتخابات الرئاسية مشتتين، وبدون رؤية أو رغبة في المنافسة بجدية على الاستحقاق، وهذا يعود إلى سيطرة العقلية الانهزامية التي تجعلهم يكتفون بأدوار ثانوية في المشهد الجزائري.

الجزائر- انتقد الرئيس السابق لحركة مجتمع السلم الإخوانية عبدالرزاق مقري أداء حركته تجاه الانتخابات الرئاسية، على اعتبار أن قرار خوضها الاستحقاق لا يعكس حرصا على المنافسة بقدر ما هو رغبة في إضفاء شرعية على الاستحقاق.

وجه الرئيس السابق لحركة حمس انتقادات شديدة لحركته ولعموم التيار الإسلامي لاقتصار خطابهم عشية الانتخابات الرئاسية على أداء دور وظيفي يقدم خدمات لأطراف قوية في المشهد السياسي، ويجعلهم في ثوب “أرانب” السباق التي تدخل المنافسة من أجل إضفاء حد معين من الشرعية السياسية والشعبية على الاستحقاق.

وانقسمت مواقف التيار الإسلامي في الجزائر بين دعم مرشح السلطة، وبين المشاركة بمرشح عنها، وبين دعم الداعمين، في حين غاب عنها الطموح في حكم البلاد كما كان مطروحا في وقت سابق.

وفي مقال نشره على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي قال مقري “شيء مؤسف أن يوصف الإسلامي في معرض المدح أن لهم دورا وظيفيا لإنجاح العرس الانتخابي وخدمة الدولة أمام القوى الخارجية بمشاركتهم في الانتخابات، وأن من دلائل وطنيتهم أنهم يدركون أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح لهم بأن يكونوا في صدارة النتائج الانتخابية لقيادة البلاد، وأن اقتحامهم المنافسة الانتخابية هو في حد ذاته دليل على ديمقراطيتهم، فيَسعدون بهذا، ويكررون ما يقال عنهم في ذلك بابتهاج كبير، ويشاركون غيرهم ما يكتب عنهم في هذا الشأن في مختلف الوسائط الاجتماعية، ليؤكدوا بلسان الحال أنهم فعلا كذلك. حتى ليقول القائل إنها والله لعاهة كبيرة”.

وأضاف “ثمة من قال لي: إن الهوامش السياسية التي يتمتع بها الإسلاميون في الجزائر، إلى حد المنافسة على رئاسة الجمهورية هي أفضل مما منح لغيرهم في البلاد العربية، حتى وإن كان الوصول الفعلي إلى الرئاسة أمرا مستحيلا، وما قول ذلك القائل وما مثله إلا للزيادة في المن وبناء العقد النفسية والتيئيس من الحاضر والمستقبل”.

وعكس تسعينات القرن الماضي، لما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ قاب قوسين أو أدني من الاستحواذ على السلطة في الجزائر إثر الدور الأول للانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر 1991، وخطاب حركة حمس في مطلع الألفية أنها ستصل إلى السلطة العام 2012، فإن طموح الإسلاميين تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة، ولم يعد يتعدى سقف كتلة نيابية محترمة وبعض المناصب في الحكومة أو الأجهزة التنفيذية، لقناعة ترسخت لديهم بأن  التوازنات الداخلية والتطورات الإقليمية لا تسمح لهم بتجاوز السقف المحدد.

وكان الرئيس السابق لحمس يراهن كثيرا على الموعد الانتخابي القادم، لدخوله كمرشح في ثوب “الحصان الأسود”، حيث شرع منذ عدة أشهر في إعداد وجس نبض الشارع الجزائري، خاصة بعدما تفرغ للمسألة وترك منصبه في الحركة لخلفه عبدالعالي حساني شريف، غير أن التطورات كانت أسرع منه بعد الانقلاب الأبيض الذي نفذ ضده وتقديم حمس لرئيسها الجديد كمرشح بدلا منه.

ومنذ النكسة التي حلت بالتيار الإسلامي في تشريعيات العام 2017، عندما خرجت العديد من الأحزاب الإسلامية خالية الوفاض باستثناء حمس، تراجع بريق الإسلاميين في الجزائر، وحتى سقف الطموح نزل إلى أدنى مستوى له، ولو أن حركتي حمس والبناء حصلتا في التشريعيات الأخيرة على كتلتين يفوق تعدادهما المئة برلماني، وهو ربع تشكيلة الهيئة التشريعية، إلا أن الأخوة الأعداء ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما، ولذلك ليس بإمكانهما التأثير في المشهد ما دامت الأغلبية في حوزة أحزاب السلطة ووعاء المستقلين الموالي لها.

◄ طموح الإسلاميين تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة، ولم يعد يتعدى سقف كتلة نيابية محترمة وبعض المناصب في الحكومة

وتبقى عقدة الزعامة تؤرق القيادات الإسلامية، ولذلك لم يعد بوسعهم الدخول في تحالف رغم محاولات سابقة فاشلة في مزاحمة القوى القومية وحتى الديمقراطية، ولذلك جاء دخولهم للاستحقاق المقبل متفرقين وبأهداف ودوافع متباينة، فحركة البناء أعربت عن دعمها لمرشح السلطة المحتمل الرئيس عبدالمجيد تبون، وتناور في السر والعلن من أجل التفرد السياسي والحزبي بالرجل، بينما اختارت حمس المشاركة بمرشح عنها، في حين توزعت أحزاب أخرى بين معسكر بن قرينة، ومعسكر عبدالعالي حساني شريف.

ويبدو أن مقري كان يحمل طموحا عاليا، من خلال ما ذكره في مقاله بالقول “الحركة الإسلامية تسلمت رئاسة الحكومة في تونس والمغرب من قبل، ووصلت إلى رئاسة الجمهورية في مصر، والمجلس الرئاسي في اليمن، وفي كل هذه التجارب وصل الإسلاميون بالإرادة الشعبية وليس بالمنح السلطانية، بينما هذا أمر يستحيل أن يقبله النظام السياسي الجزائري إلى يوم الدين بعد أن انقلب على نتيجة الانتخابات التشريعية في يناير 1992 رغم إعلانه هو ذاته بأنها كانت حرة ونزيهة”.

وغاب عن الرجل النهايات التي آل إليها وضع الإسلاميين في مصر وتونس، وفشل نظرائه في الحفاظ على المكاسب التي حققوها تحت دفع موجة الربيع العربي التي أوصلتهم إلى السلطة، بينما تم امتصاصها في الجزائر بسبب يقظة السلطة الفعلية التي يمكن أن تتنازل عن أي شيء إلا عن تسليمها للإسلاميين، برأي ضالعين في كواليس النظام الحاكم.

ويذهب مقري إلى أن “العقلية والثقافة التي انقلبت على التجارب الناجحة في الأقطار الأخرى، أو أفسدتها، هي التي انقلبت على الانتخابات التشريعية في التسعينات في الجزائر وهي التي تحدد لهم السقف الذي لا يمكن أن يتجاوزوه، ما لم تتغير الموازين، وستبقى تفعل ذلك بالتزوير والتضييق والترويض الشرطي إلى أن يقبل الإسلاميون بأنهم ليسوا بديلا وأن يرضوا بما يمنح لهم، إلى أن يصبح ذلك هو حظهم الحقيقي أو أقل من ذلك في الإرادة الشعبية والحالة الاجتماعية، فيتحقق ما يسمى بالديمقراطية الآمنة التي يخسر فيها الإسلاميون بالصندوق دون الاضطرار إلى التزوير”.

4