الإسقاطات الفنية للذكاء الاصطناعي تنعش الدراما المصرية

كسر مسلسل “في بيتنا روبوت” نموذج الدراما التقليدية، فجعل من بعض أبطاله على هيئة روبوتات تتحرك وتمثل، فتقترب أكثر من الأجيال الناشئة التي كبرت على التطور التكنولوجي المتسارع وصارت لها نظرة وتقييم مختلفان للدراما. وكان المسلسل نقطة انطلاق نحو التجديد في الطرح الفني، ولمَ لا تمهيد الروبوت الآلي مستقبلا ليكون ممثلا رئيسيا يمتلك مساحته الخاصة في العمل الدرامي لإبراز مواهبه وقدرته على منافسة الإنسان في التشخيص والتمثيل.
القاهرة- تجاوزت الدراما المصرية مرحلة الاستعانة بالتكنولوجيا والمؤثرات الحداثية المختلفة لتحسين جودتها ودخلت مرحلة طرق أبواب الذكاء الاصطناعي وتوظيف إسقاطاته الفنية، حيث لعبت الروبوتات البشرية “لذيذ” و”زومبا” و”متين”، أدوارا مهمة في مسلسل “في بيتنا روبوت” الذي عرض الجزء الثاني منه في موسم رمضان الماضي وتقوم قناة “سي.بي.سي” المصرية حاليا بإعادة عرضه.
وحظي العمل بنسبة مشاهدة عالية في العرضين الأول والثاني، ونجح في حفر مكانة جيدة وسط منافسة شديدة بين مسلسلات عديدة تتراوح بين الكوميديا والتراجيديا، لأنه عزف على فكرة خيالية جذابة وغير نمطية.
واستغل منتجو المسلسل نجاح الجزء الأول الذي عرض في رمضان قبل الماضي، ويقوم على تصوّر مبتكر يعتمد على قيام المهندس يوسف الذي أدى دوره الفنان هشام جمال، باختراع اثنين من الروبوتات، أحدهما اسمه “لذيذ” وقام بدوره الفنان عمرو وهبة، والآخر “زومبا” وقامت بدورها الفنانة شيماء سيف، يعيشان معه في منزله ويقومان بمساعدته وزوجته في قضاء الكثير من الحاجات في العمل والمنزل.
ويستكمل الجزء الثاني ما بدأه الأول في هذه المسألة، وجرى تطويره من خلال دخول الروبوتين “لذيذ” و”زومبا” مسابقات مع روبوت آخر يدعى “متين”، قام بدوره الفنان مادي، واخترعه المهندس سامح، وأدى دوره الفنان إياد أمين.
إسقاطات فنية
استغرق الحديث عن مسابقة صانعي الروبوتات حيزا كبيرا من المشاهد الحافلة بالسخرية التي حملت إسقاطات في بعض القضايا تتجاوز العملية الفنية، وتصل إلى حد سعي سامح لسرقة أسرار اختراع يوسف لكل من “لذيذ” و”زومبا”.
كشفت مطاردة سامح ليوسف عن الطبيعة البشرية التي تميل إلى أسهل الطرق في السطو كي يفوز في المسابقة ويحرم منافسه من التفوق، ومع أنه مهندس كمبيوتر نجح في اختراع روبوت، لكن الصورة التي خرج بها وتشير إلى الغباء في التصرفات بدت كأنها تعكس مستوى ذكاء صاحبه دون أن تلغي اجتهاده بطرق ملتوية.

◙ ليلى زاهر حافظت على وتيرة نجاحها في الجزء الثاني بعد أن أتقنت دورها وتخلصت من الافتعال الذي يصاحب أحيانا الوجوه الجديدة
◙ الفنان طه دسوقي حفر مكانا جيدا في مقدمة ممثلي جيله في مجال الكوميديا
كان الحكم في المسابقة بين يوسف وسامح يدعى “بكاري” وقام بدوره الفنان سليمان عيد صاحب البشرة السمراء، وكان منحازا لصاحب الروبوت “متين”، واختير اسم بكاري في إشارة إلى الحكم الدولي الغامبي بكاري غاساما، وهو صاحب سمعة سيئة مع الأندية المصرية في منافسات كرة القدم ومتهم بالانحياز ضدها في المسابقات القارية.
جمع المسلسل مجموعة كبيرة من الوجوه الشابة التي ينتظرُ بعضها مستقبل واعد، أبرزهم ليلي أحمد زاهر التي قامت بدور سارة زوجة يوسف، وارتفعت المناكفات بينهما في الجزء الثاني، في محاولة لتوسيع مساحة دورها ومنحها الفرصة لإظهار موهبتها التي تفجرت في الجزء الأول.
حافظت ليلى زاهر على وتيرة نجاحها في الجزء الثاني بعد أن أتقنت دورها وتخلصت من الافتعال الذي يصاحب أحيانا الوجوه الجديدة، وأكدت أن موهبتها وليس نجومية والدها الفنان أحمد زاهر هي التي دفعتها إلى اختيار التمثيل كحرفة.
وحفر الفنان طه دسوقي مكانا جيدا في مقدمة ممثلي جيله في مجال الكوميديا، وجاء أداؤه لدور المهندس علاء زميل يوسف في الشركة التي يمتلكها الأخير ليعزز قدرته على تنويع حركته وخصوصيته الفنية، خاصة أن خفة ظله ساعدت على زيادة جرعة الكوميديا، ففي غالبية المشاهد التي ظهر فيها كان يفجر بركانا من الضحك بتلقائية.
أجاد الفنان عمرو وهبة الذي كتب سيناريو وحوار الجزء الثاني من المسلسل في دور الروبوت “لذيذ”، وأظهر قدرة فائقة على تقمصه، وحاول أن يكون منسجما مع الطبيعة التي يستوجبها الأداء العام لمثل هذه الآلات بقدرته على التحكم في حركته بصورة معينة لفترة طويلة إلى الدرجة التي تشعر المشاهد كأنه آلة وليس إنسانا.
جيل مختلف
مضت الفنانة شيماء سيف أو الروبوت النسائي “زومبا” على منواله مستفيدة بشكل فكاهي من تكوينها الجسماني الممتلئ في الضحك، والاعتماد على المفارقات غير المباشرة بينها وبين “لذيذ”، ثم وقوع “متين” في غرامها، بما يوحي أن الروبوتات في المستقبل يمكن أن تتشابه مع الإنسان في الحب والزواج.
ومع أن هذه الصفة تمثل قفزة نوعية، غير أن وجودها في السياق الفني بدا سلسا، ووفر للعمل المزيد من السخرية والضحك في بعض المواقف، وجاءت كوسيلة لزيادة عدد الحلقات والتفاصيل التي تتناولها، فلم يكن العمل أصلا مقدرا له أن يصبح ثلاثين حلقة، ولم يكن أيضا من المتوقع إنتاج جزء ثان منه.
وأغرى النجاح الذي تحقق في الجزء الأول الشركة المنتجة “رزوناما” ويمتلكها الفنان هشام جمال لتقديم الجزء الثاني، إلا أن النصف الأخير منه لم يكن على المستوى المطلوب، حيث دخل في مساحة المط والتطويل التي تؤثر على جودة العمل، وتحرمه من الحفاظ على تماسكه، وهو ما يقلل من فرص تقديم جزء ثالث إلا إذا وجد المؤلفان أحمد يحيى وأحمد المحمدي، والسيناريست عمرو وهبة، والمخرج أسامة عرابي، قماشة فنية جديدة للعزف عليها، كأن تتم الاستعانة هذه المرة بروبوتات فعلية، وبالتالي يحسب لهم التأسيس لحالة فنية جديدة على الدراما المصرية.
روبوتات حقيقية
منح الجزء الثاني من مسلسل “في بيتنا روبوت” المجال للتوسع في الأعمال التي تستخدم التكنولوجيا بشتى أنواعها، فهذا العمل استخدم شخصيات بشرية لتمثيل أدوار الروبوتات (لذيذ وزومبا ومتين) وجميعهم أجادوا تقمص أدوارهم بصورة تشعر الجمهور أحيانا بأنهم أمام روبوتات تتحرك بطريقة آلية، وربما في أعمال قادمة تتم الاستعاضة عنهم بأخرى حقيقية، فمع التطورات الكبيرة التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناعي يمكن رؤيتها تقوم بأدوار تمثيلية.
ووظفت السينما والدراما التطورات التكنولوجية وجرى استخدامها في أفلام الحركة (الأكشن) وجعلت العديد من الأعمال تتمتع بمساحة جيدة من الزخم الفني ومقتضياته الحديثة، ولا يزال هذا المجال محدودا في مصر وربما يفتح مسلسل “في بيتنا روبوت” الباب لعرض أفكار تعتمد على ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي من تقدم مذهل.
ويجد المشاهد لهذا العمل نفسه في مواجهة بانوراما حافلة بالسخرية، ومع أن جرعة التراجيديا كانت حاضرة في مشاهد خطف يوسف وسارة وعلاء ولذيذ من قبل عصابة يقودها الفنان محمود الليثي، إلا أنها لم تخل من الضحك الذي وجد المؤلفان يحيى والمحمدي لديهما قدرة عالية على توسيع هامشه بصورة جعلته عنوانا رئيسيا في غالبية حلقات الجزء الثاني من العمل.
وتحتاج الكوميديا إلى تنويع يتناسب مع التطورات التكنولوجية، لأن الطريقة التقليدية التي حجزت مكانها لعقود طويلة في الدراما لا تناسب الجيل الذي تربى بصورة مختلفة، من أهم ملامحها السرعة في الإيقاع، ويحتاج هذا الجيل إلى ابتكارات تتواءم مع قاموس العصر وطقوسه، وعند تسخيرها فنيا من الضروري أن تأتي متسقة مع طريقة تفكيره، ما يفتح المجال لشباب الفنانين للتعبير عن مواهبهم وإطلاق العنان لطاقاتهم المختلفة.