الإرث الثقافي العربي جزء لا يتجزأ من التراث الإنساني

فنون عربية من المشرق إلى المغرب تدخل قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
الجمعة 2021/12/17
التبوريدة حين يتحوّل الفرسان إلى فارس واحد

انضمت العديد من الفنون التراثية العربية إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، إثر إقرار ذلك عبر التصويت من قبل اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي. ويعتبر هذا اعترافا بثراء الإرث الثقافي العربي من المشرق إلى المغرب، وترسيخا للوعي الوطني والدولي بهذا الإرث الإنساني الذي يؤكد على أن الثقافة العربية جزء لا يتجزأ من الثقافة الإنسانية على مرّ التاريخ.

باريس – أقر الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقد عبر الإنترنت من الثالث عشر إلى الثامن عشر من ديسمبر الجاري برئاسة بونشي نيلام ميجاسوات من سريلانكا، إدراج عدد من العناصر التراثية والفنية العربية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

وأضيفت إلى القائمة فنون الخط العربي في ملف مشترك، وفن القدود الحلبية وفن التبوريدة المغربي، علاوة على فن التطريز الفلسطيني وفن الفجري الشعبي البحريني.

قائمة اليونسكو بما تضمّه من مفردات تراثية عربية تبين تضاعف الوعي العالمي بأهمية مفردات هذا التراث

وعي ذاتي وعالمي

 تزخر البلدان العربية بإرث ثقافي وفني عريق يمتد على المئات من السنين ويمثل تراثا إنسانيا هاما، وخير دليل على ذلك الإدراج المستمر لعناصر من هذا الإرث ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، في التفاتة غير مسبوقة لأهمية هذا الإرث وفي تذكير بثراء المنطقة بالمفردات التراثية.

وتمثل الملفات المشتركة التي باتت تقدمها الدول العربية على غرار ملف “الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات”، وهو ملف مشترك تاريخي بين 16 دولة عربية بتنسيق من السعودية، ترسيخا للوعي المشترك بضرورة العناية بالإرث الثقافي العربي على تنوعه من المحيط إلى الخليج.

ويساهم إدراج هذه العناصر التراثية في القائمة العالمية في صونها والحفاظ عليها وتثمينها، بما تمثله من ذاكرة حية وكنز حضاري يرسخ الهوية ويؤكد على التاريخ العريق الذي يمكن البناء عليه للمستقبل.

ومن جهة أخرى تبين قائمة اليونسكو بما تضمه من مفردات تراثية عربية تضاعف الوعي العالمي بأهمية مفردات هذا التراث، الذي يمثل جزءا لا يتجزأ من الإرث البشري ككل، وهو ما من شأنه أن يفنّد النظرة المغلوطة إلى العرب، ويبين مدى مساهماتهم الكبيرة في التاريخ البشري فنيا وفكريا وثقافيا.

القدود الحلبية

صباح فخري رمز للقدود الحلبية
صباح فخري رمز للقدود الحلبية

بعد أن ضمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الثلاثاء الملف التاريخي العربي المشترك “الخط العربي: المعارف والمهارات والممارسات”، قامت المنظمة أخيرا بضم فن القدود الحلبية إلى لائحة التراث الإنساني الثقافي.

وبعد أن أطربت العالم اعتلت القدود الحلبية المنصات العالمية بإدراجها في لائحة التراث الإنساني.

واعتبرت وزارة الثقافة السورية أن هذا الإعلان يضيف إلى التراث الإنساني العالمي جزءا من ثقافة وتراث المجتمع السوري العريق وأنه خطوة إضافية لحماية وصون الهوية الوطنية، وقالت في بيان لها “القدود الحلبية مرآة لعمق وأصالة الهوية الفنية السورية”.

وباركت وزيرة الثقافة السورية الدكتورة لبانة مشوح إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، معتبرة أن “إدراج القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يؤكد اعتراف العالم بأننا بناة حضارة”.

وقالت مشوح خلال مؤتمر صحافي “بذلنا جهودا كبيرة لإدراج منظمة اليونسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني”. ولفتت إلى أن “إدراج اليونسكو القدود الحلبية على لائحة التراث الإنساني يؤكد أن العالم يعترف بأننا بناة حضارة، وأن ثقافتنا التي بنيناها وتوارثناها عبر الأجيال معترف بها عالميا”.

تسجيل القدود الحلبية على قائمة التراث الإنساني جاء نتيجة إخلاص المطربين والموسيقيين في مدينة حلب لهذا الفن

ولا يقتصر هذا الفن على سوريا بل هو جزء من التراث اللامادي الإنساني كونه حاملا للتراث المشرقي وثقافاته المتنوعة، ويحظى بجماهيرية في الأوساط الشعبية والمثقفة وله تأثير بالغ في المجتمع، كما يتصف بالغنى على الصعيدين الفكري والإبداعي إضافة إلى قدرته على حمل هموم الناس ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم.

والقدود الحلبية نوع من الفنون الموسيقية السورية التي اشتهرت بها مدينة حلب منذ القدم، وهي عبارة عن منظومات غنائية بنيت على ما يعرف بالقد.

والقد هو لحن من التراث أخذ من الغناء الديني أو الموشح أو الفولكلور وغيره، ووضع عليه لحن وكلام على قده، ثم تطور إلى أغان متداولة في الأوساط الشعبية.

وفي تصريح له قال نقيب الفنانين في حلب عبدالحليم حريري إن تسجيل القدود الحلبية على قائمة اليونسكو للتراث الإنساني هو “تأكيد على إبداع وأصالة هذا التراث الذي ولد في سوريا ويسهم في ديمومتها على مرّ الزمن”.

وأعرب الفنان أحمد خيري عن فخره بهذه الخطوة موجها التحية لروح المطرب السوري الراحل صباح فخري “الذي يعد علامة فارقة وقيمة فنية كبيرة أطّرت الغناء العربي والقوالب الغنائية من القدود والموشحات والأدوار، وأعطاها الحالة العالمية وحافظ عليها من الاندثار من خلال ما قدمه من كلمات ومؤلفات صدّرت اللون الحلبي للعالم”.

وقال الفنان السوري فؤاد ماهر إن تسجيل القدود الحلبية على قائمة التراث الإنساني جاء “نتيجة إخلاص المطربين والموسيقيين في مدينة حلب الذين طوروا بعض الكلمات في القدود وساهموا في نشر هذا التراث والفلكلور السوري حول العالم مع المحافظة على القالب اللحني للقد”.

أما الناقد الموسيقي طارق بصمه جي فقال “حلب تحوي موروثا ثقافيا لا ينضب ولاسيما أن أوابد حلب التاريخية دخلت قائمة اليونسكو عام 1986، وها هو تراثها اللامادي يدخل اليوم ضمن التصنيف العالمي، لترسم به طيفا ثقافيا جديدا ينير مسيرة بريقها الفكري والأدبي”.

وتنتشر في حلب معاهد ذات صلة بهذا النوع من الغناء والإنشاد، وتشهد إقبالا كثيفا، وفيها يتبارز الطلاب لإثبات قدرتهم على أداء الأعمال الفنية الصعبة من الموشحات والقدود والأغاني الشعبية والمواويل والثنائيات.

وينتشر هذا النوع من الفنون في حلب المدينة التي لم تنقطع عن استقطاب التلاميذ من مختلف الأعمار، حتى في زمن ارتفاع إيقاع الحرب واشتداد وتيرته وقطعه ما تبقى من أوتار فنية.

وتنتشر القدود الحلبية في العديد من المدن السورية، وحلب هي موطنها الأصلي.

التطريز والتبوريدا

تسجيل التطريز الفلسطيني والتبوريدة المغربية وفن الفجري البحريني جاء من بين 48 ترشيحا من كل أنحاء العالم
تسجيل التطريز الفلسطيني والتبوريدة المغربية وفن الفجري البحريني جاء من بين 48 ترشيحا من كل أنحاء العالم

أدرجت اللجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي في اجتماعها الذي يختتم السبت، كلا من فن التطريز الفلسطيني، و”تبوريدا” (فن فروسية تقليدي بالمغرب العربي)، على قوائمها للتراث الثقافي العالمي.

وحسب بيان وزارة الثقافة الفلسطينية، أعلن الوزير عاطف أبوسيف إدراج فن “التطريز الفلسطيني”، بشكل رسمي ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني العالمي لدى “اليونسكو”.

وتم الإدراج خلال اجتماع عقد عبر تقنية الزووم، جرى التصويت خلاله من قبل اللجنة التمثيلية للتراث الثقافي الإنساني العالمي (إحدى لجان اليونسكو) على تسجيل فن “التطريز الفلسطيني” ضمن قائمتها.

وفن التطريز هو “تزيين الأثواب بالغرز باستخدام إبرة الخياطة والخيط”. وقال أبوسيف، إن “تسجيل التطريز على القائمة التمثيلية انتصار للرواية الفلسطينية القائمة على حق الشعب الفلسطيني في أرضه”.

وأضاف “تراثنا الفلسطيني الذي نعيشه ويعيش معنا في كل لحظة وفي كل حلم، متواجد في حياتنا اليوميّة، وهو ركن صلب وحجر زاوية متين، اعتاد التحدي والصمود بوجه كل عواصف الغزوات التي عبرت واندحرت واندثرت، وظلّت فلسطين شاهدة وشامخة”.

تسجيل التطريز الفلسطيني والتبوريدة المغربية وفن الفجري البحريني جاء من بين 48 ترشيحا من كل أنحاء العالم

وطالب أبوسيف المنظمات الدولية بـ”الوقوف أمام مسؤولياتها في احترام القرارات الدولية وعدم التعاطي مع بطش الاحتلال ومحاولاته سرقة التراث الفلسطيني”. ويقول فلسطينيون، إن الاحتلال الإسرائيلي يسرق تراثهم بما فيه الثوب الفلسطيني وفن التطريز وينسبه إليه.

وقال وزير الخارجية والمغتربين رياض المالكي، في تصريح لإذاعة صوت فلسطين الرسمية، إن هذا الإدراج فيه “حماية للإرث الفلسطيني من محاولات السرقة وخاصة من قبل إسرائيل”. وأضاف المالكي “بعد الآن ليس بإمكان أي دولة أن تدّعي بأن التطريز والثوب الفلسطيني من تراثها”.

وقال إن إسرائيل حاولت خلال مسابقة ملكة جمال العالم التي نظمتها الأسبوع الماضي، الادعاء بأن “التطريز الفلسطيني جزء من الثقافة والإرث الإسرائيلي”.

وأضاف “بالتالي كان لا بد لنا من حسم هذا الموضوع بشكل مطلق من خلال تقديم طلب فلسطيني رسمي لإدراج فن التطريز على كل المستويات في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية”.

ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية، عدة مرات في السنوات الأخيرة، صورا لعارضات إسرائيليات، ومضيفات بشركة الطيران الإسرائيلية (إلعال)، يرتدين الزي الفلسطيني، على أنه يهودي.

بدورها، أفادت وزارة الشباب والثقافة المغربية في بيان لها، أن “تبوريدا” سجلت كتراث إنساني ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى “اليونسكو”.

وكتب الوفد المغربي الدائم لدى اليونسكو في تغريدة “إنه اعتراف بتراث حضاري عربي – أمازيغي (بربري) فريد من نوعه في العالم”.

وكان المغرب قدم رسميا في العام 2019 طلبا لإدراج “تبوريدة”، واسمه في اللغة العربية مشتق من كلمة بارود، على قائمة التراث غير المادي للبشرية لليونسكو.

والـ”تبوريدة” فن فروسية تقليدي معروف بدول المغرب العربي، وهو استعراض للفرسان، يحاكي معارك التحرير واحتفالات الانتصار، حيث تنطلق الخيول في سباق نحو 100 متر، ينتهي بإطلاق النار في نفس الوقت، وذلك لسماع دوي طلقة واحدة. ويمارس هذا الفن بشكل كبير في الأرياف، للاحتفال بالأعياد الوطنية والدينية، ويشكل عنصرا من الهوية الثقافية للمغرب.

ويحضر الآلاف من المتفرجين المتحمسين كل عام هذه العروض المذهلة خلال عرض الخيل في الجديدة (غرب البلاد)، وهو أهم مهرجان للفروسية في البلاد.

يعود تاريخ تقليد الفروسية هذا إلى القرن الثالث عشر. والفرسان المشاركون متحدون ضمن قوات يطلق عليها “سورباس”. وللمدن والقرى قوات “سورباس” وبطولات خاصة بها. وأوضح البيان أنه بعد هذا التصنيف، يرتفع رصيد المغرب إلى 12 عنصرا تراثيا مسجلا على لوائح اليونسكو.

فن الفجري

الفجري فن المثابرة والمهارة
الفجري فن المثابرة والمهارة

وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” إدراج فن الفجري الشعبي في البحرين، الذي يحيي تاريخ صيد اللؤلؤ في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.

وكانت المملكة الخليجية التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.5 مليون نسمة قد تقدمت بهذا الترشيح للمنظمة الأممية، التي أعلنت الإدراج الجديد على حسابها في تويتر.

وفن الفجري كان ضمن 48 ترشيحا من كل أنحاء العالم تم النظر في إدراجها في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية خلال اجتماع سنوي برئاسة “اليونسكو”.

وقالت المنظمة الأممية على موقعها إن تاريخ الفجري “يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، وكان يؤديه تقليديا غواصو وطواقم صيد اللؤلؤ للتعبير عن المشقات التي يواجهونها في البحر”.

وأضافت أن “المؤدين يجلسون على شكل دائرة ويغنون ويعزفون على أنواع مختلفة من الطبول والصنوج المعدنية الصغيرة في الأصابع وآلة الجحل، وهي عبارة عن وعاء من الفخار يستخدم كآلة موسيقية”. وتابعت “يحتل وسط الدائرة الراقصون والمغني الرئيسي المسؤول عن ضبط إيقاع العرض”.

كما كانت البحرين من بين 16 دولة ذات غالبية مسلمة رشحت أيضا الخط العربي، الذي أدرج في قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية خلال اجتماع هذا الأسبوع.

وفن الفجري الذي ظهر في جزيرة المحرق البحرينية يُؤدى في مهرجانات في كل أنحاء البلاد.

وقالت اليونسكو إن الفن “بات الآن معروفا في كل أنحاء البلاد ويُنظر إليه على أنه وسيلة للتعبير عن الصلة بين الشعب البحريني والبحر”. وأضافت أن “الكلمات والإيقاعات والأدوات الموسيقية تستخدم لنقل قيم المثابرة والقوة والمهارة”.

13