الإدارة السورية الجديدة ترفض احتفاظ قسد بهيكلها العسكري

سجال بين الإدارة الجديدة في دمشق والأكراد حول وضع تحالف قوات سوريا الديمقراطية داخل المؤسسة العسكرية، ويرى مراقبون أن حسم الأمر مرتبط بما سيجري من تفاهمات بين تركيا والولايات المتحدة.
دمشق - رفضت الإدارة السورية الجديدة احتفاظ قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي، بهيكلتها العسكرية. ويأتي هذا الموقف بعد تصريحات لقيادة قسد أكدت فيها اعتراضها على أي طروحات لضم قواتها بشكل فردي إلى المؤسسة العسكرية السورية التي يجري بحث إعادة تشكيلها.
وقال وزير الدفاع السوري مرهف أبوقصرة الأحد إنه لن يكون من الصحيح أن يبقى المسلحون الأكراد كتلة عسكرية داخل القوات المسلحة السورية. وأوضح أبوقصرة في لقاء مع رويترز بوزارة الدفاع في دمشق أن قيادة الجماعة المسلحة الكردية تماطل في تعاملها مع المسألة. وتجري قوات سوريا الديمقراطية، والتي أقامت منطقة شبه مستقلة خلال 14 عاما من الحرب الأهلية، محادثات مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد إطاحتها بالرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من ديسمبر.
وفي مقابلة مع قناة الشرق الإخبارية السعودية نُشرت الأسبوع الماضي قال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إن أحد مطالبهم الأساسية هو الإدارة اللامركزية، مشيرا إلى انفتاحه على “ربط قوات سوريا الديمقراطية بوزارة الدفاع السورية… على شكل كتلة عسكرية موجودة وتعمل حسب القوانين وحسب الضوابط التي تضعها وزارة الدفاع السورية، وليس الانضمام إلى وزارة الدفاع والجيش السوري على شكل أفراد.”
وفي مقارنة مع التجربة العراقية بشأن إقليم كردستان العراق، أوضح قائد قسد أن “لا تشابه بين التجربة التي نطمح لها في شمال شرق سوريا وإقليم كردستان العراق، فالوضع مغاير تماما”، معتبرا أن “الوضع مختلف، لأن العراق دولة فيدرالية وإقليم كردستان كذلك، بينما نحن لا نطالب في الوقت الحالي بالفيدرالية.” وأشار عبدي إلى أن اللامركزية التي يطالبون بها هي “لا مركزية جغرافية، وليست لا مركزية على أساس قومي”، موضحا أنهم “لا يطالبون ببرلمان وحكومة منفصلة.”
وقال وزير الدفاع السوري الذي تولى مهامه في الحادي والعشرين من ديسمبر الماضي “في ما يخص أنه يكونوا داخل وزارة الدفاع، هذا الكلام لا يستقيم. نحنا بنقول يدخلوا على وزارة الدفاع ضمن هيكلية وزارة الدفاع ويتم توزيعهم بطريقة عسكرية، هذا ما في أي مانع. لكن يبقوا كتلة عسكرية داخل وزارة الدفاع، هذا كتلة داخل مؤسسة كبيرة وهذا الشيء غير صحيح.” ووضع أبوقصرة منذ توليه منصبه مسألة دمج الفصائل المناهضة للأسد في سوريا في هيكل موحد ضمن أولوياته، لكن الخطة تواجه صعوبة في دمج قوات سوريا الديمقراطية.
وتعتبر الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية حليفا رئيسيا في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن تركيا المجاورة لسوريا تعتبرها تهديدا لأمنها القومي. وقال أبوقصرة “صار لقاء مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية ولكن في شيء من المماطلة بيتعاملوا فيه.” وأضاف “الشروط اللي انحطت هي شروط تحقق خلينا نقول اندماج كل المناطق تحت الإدارة الجديدة. وهذا حق للدولة السورية.”
وكان وفد من قسد التقى في ديسمبر الماضي بقائد الإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع، في رسالة إيجابية شددت على دعم الأكراد للتحول الجاري، وحرصهم على وحدة سوريا. ويرى مراقبون أن موقف دمشق لجهة رفض انضمام قسد إلى الجيش السوري ككتلة عسكرية، هو انعكاس في واقع الأمر للموقف التركي، الذي سبق وأن طالب بحل قوات سوريا الديمقراطية وبأن يلقي المقاتلون الأكراد بأسلحتهم وإلا “سيدفنون معها”.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب التي تقود قسد الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، الذي تقاتله منذ عقود. ويقول المراقبون إن حسم السجال الدائر حاليا بشأن انضمام قوات قسد إلى الجيس السوري، يبقى رهين المفاوضات بين تركيا والإدارة الأميركية المقبلة.
ويشير هؤلاء إلى أن إدارة جو بايدن المنتهية ولايتها، عمدت إلى إحراج موقف الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب، من خلال تعزيز الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا في الأسابيع الأخيرة، لافتين إلى أن مواقف إدارة بايدن أعادت الأمل للأكراد في إمكان استمرار الغطاء الأميركي.
وكان ترامب أبدى خلال ولايته الرئاسية الأولى رغبة في التخلي عن الأكراد، والانسحاب العسكري من الساحة السورية، لكنه اضطر تحت الضغوط إلى التراجع عن ذلك، ولا يعرف ما إذا كان سيد البيت الأبيض العائد سينفذ رغبته هذه المرة.
ويعتقد المراقبون أن الأمر يبقى رهين الصفقة التي ستعرضها تركيا على ترامب، الذي سبق وأشاد بها، وبما أظهرته من دهاء في الإطاحة بالرئيس الأسد، دون إراقة دماء. وكانت تركيا استغلت الظرف الإقليمي، ورتبت لعملية الإطاحة بالأسد عبر هيئة تحرير الشام، التي كانت في السابق تنتمي إلى تنظيم القاعدة، بأقل الخسائر والتكاليف.
واضطر اللاعبون الرئيسيون في سوريا مثل روسيا وإيران، إلى القبول بالأمر الواقع، ورفع اليد عن نظام الأسد، لتصبح أنقرة اليوم اللاعب رقم واحد في المسرح السوري. ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة تدرك أن التفاهم مع تركيا أمر ضروري للحفاظ على مصالحها هناك، لكنها قد تكون مناصرة لفكرة إقامة لامركزية في سوريا، وستعمل على الدفع بها.
وفي المقابل يرى المراقبون أن الإدارة السورية الجديدة، ومن خلفها تركيا، ستقاوم تطبيق هذا النموذج، لكن يبقى التوصل إلى حل وسط الخيار الأمثل بالنسبة للولايات المتحدة وتركيا العضوين في حلف شمال الأطلسي. وقال وزير الدفاع السوري إنه يأمل في الانتهاء من عملية دمج التنظيمات المسلحة في سوريا وتعيين بعض كبار الشخصيات العسكرية بحلول الأول من مارس، عندما تنتهي فترة الحكومة الانتقالية في السلطة، لكن الكثيرين يتشككون في امكانية الالتزام بالموعد.
وردا على سؤال حول انتقادات تقول إن الحكومة الانتقالية لا يحق لها اتخاذ قرارات جذرية منها ما يخص هيكل الجيش، قال إن “الأمور الأمنية” دفعت الإدارة الجديدة إلى إعطاء الأولوية لهذه المسألة. وأضاف “نحنا في سباق مع الزمن، نحنا اليوم عم يفرق معنا.”
وتعرضت الإدارة الجديدة لانتقادات بسبب قرارها منح بعض الأجانب، ومن بينهم مصريون وأردنيون، رتبا في الجيش الجديد. وأقر أبوقصرة بأن القرار أثار انتقادات واسعة لكنه قال إنه لا علم له بأي طلبات لتسليم أي من المقاتلين الأجانب. وتولى وزير الدفاع في الإدارة السورية الجديدة مهامه بعد نحو أسبوعين على الإطاحة بالأسد في هجوم بقيادة هيئة تحرير الشام التي ينتمي إليها.