الإدارة الذاتية تسوق نفسها للغرب بديلا موثوقا عن دمشق لاستقبال اللاجئين

قيادية كردية تقدم لألمانيا خطة إعادة إعمار تضمن عودة آمنة للاجئين.
الاثنين 2024/10/21
الإدارة الذاتية تقول إنها تريد دولة لامركزية

تحاول الإدارة الذاتية في شمال سوريا الحصول على اعتراف دولي وتسويق نفسها بديلا موثوقا عن الرئيس السوري بشار الأسد، عبر تقديم حل لأزمة اللاجئين التي تؤرق الغرب باستقبال المرحلين منهم في مناطق سيطرتها.

برلين - عرضت الإدارة الذاتية على ألمانيا استقبال اللاجئين السوريين المرحلين في مناطق سيطرتها شمال البلاد، بدلاً من التعاون مع دمشق في مسعى للحصول على اعتراف غربي ومساعدات تنموية وتمويلات لإعادة الإعمار ما يجعلها قوة ذات ثقل في سوريا التي تتنازعها عدة أطراف.

وقالت الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، إلهام أحمد في تصريحات لموقع “إن.تي.في”، “نحن مستعدون لاستقبالهم في منطقة الحكم الذاتي، بغض النظر عما إذا كانوا يأتون أصلاً من هذه المنطقة أو من جزء آخر من سوريا”. “الجميع مرحب بهم.”

ولم تستطع الإدارة الذاتية الحصول على اعتراف دولي، في ظل حالة الصراع المستمر مع تركيا، وفصائل المعارضة السورية، والضغوط من قبل الحكومة السورية، وهي تأمل من خلال إيجاد مخرج لأزمة اللاجئين التي تعاني منها الدول الغربية، أن تدفع هذه الدول للاعتراف بها.

ووفقاً لأحمد فإنه لكي تكون الإدارة الذاتية قادرة على قبول اللاجئين بأعداد أكبر، يجب أولاً إنشاء البنية التحتية وتحسين الوضع الاقتصادي. لأنه بسبب الصراعات الماضية، لا يتم استغلال الموارد بالكامل. وأضافت “لذلك إذا تحدثنا عن استقبال سوريين من ألمانيا، فنحن بالتأكيد مستعدون للقيام بذلك. ولكن في نفس الوقت علينا أيضًا أن نتحدث عن مساعدات إعادة الإعمار من أجل تأهيل المنطقة اقتصاديًا لذلك”.

إلهام أحمد: علينا أن نتحدث عن مساعدات إعادة الإعمار لتأهيل المنطقة
إلهام أحمد: علينا أن نتحدث عن مساعدات إعادة الإعمار لتأهيل المنطقة

وأشارت أن عرضها لبرلين يأتي كبديل للتعاون مع الرئيس بشار الأسد، الذي يدير “نظاماً قمعياً في مناطق سيطرته”، مضيفة إنها مهتمة بالمساعدات التنموية وإعادة الإعمار، لكنها تقدم أيضاً شيئاً في المقابل “الاستعداد غير المحدود” للتفاوض بشأن عودة اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ألمانيا إلى وطنهم.

وقدمت خطة لإقناع برلين بالتعاون، قائلة إنه يمكن البدء بوحدات صغيرة “على الفور”، ويجب أولاً إنشاء البنية التحتية اللازمة للوحدات الأكبر حجماً. “لكن هذا يمكن أن يحدث في غضون عام.” بالإضافة إلى ذلك، تستقبل حاليًا حوالي 20 ألف لاجئ سوري فروا من لبنان بسبب الهجوم الإسرائيلي.

وعادت قضية اللاجئين السوريين إلى الواجهة مؤخرا، إثر سلسلة من القرارات والإجراءات التي اتخذتها العديد من الحكومات الأوروبية في الآونة الأخيرة بهذا الشأن، فضلاً عن انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان على هذا الملف، والتي أجبرت آلاف السوريين على الهروب والعودة إلى وطنهم.

واتخذت القضية منحا قلقا بالنسبة للدول الأوروبية بسبب تداعيات الحرب الاسرائيلية على غزة والتهديدات بهجمات وعمليات إرهابية، حيث أجج هجوم لاجئ سوري أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص في مهرجان بمدينة سولينغن في الصيف، الجدل في ألمانيا حول ما إذا كان من الممكن ترحيل اللاجئين الذين ارتكبوا جرائم جنائية أو حتى الأشخاص الخطرين من سوريا إلى وطنهم وكيف يمكن ذلك.

واحتدم النقاش نهاية يوليو الماضي، عندما قضت المحكمة الإدارية العليا في مونستر في محاكمة بأنه لا يوجد في الوقت الحالي “تهديد فردي خطير” لحياة المدنيين في سوريا.

وعزفت أحمد على هذه النقطة بتقديم حل “آمن” لترحيل اللاجئين يعفي الغرب من الانتقادات، وقالت إنهم تمكنوا خلال السنوات العشر الماضية من بناء نظام تعليمي ومستشفيات وجهاز إداري كامل “من الصفر تقريبًا”. ويضم جهاز الأمن الداخلي والخارجي الآن نحو 100 ألف عنصر. وتم بناء أكثر من 4500 مدرسة. بينما المساواة بين الجنسين وحرية الدين منصوص عليها في القانون. مضيفة أن المنطقة تعتبر بوتقة تنصهر فيها الأعراق المختلفة، ولهذا السبب يوجد بها ثلاث لغات رسمية: العربية والكردية والآشورية، بالإضافة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية كلغات أجنبية. بينما في السابق كان هناك اللغة العربية فقط، وفقا لأحمد.

وأضافت أن المنطقة تحتوي على نحو 70-80 في المئة من الموارد الطبيعية السورية، بما في ذلك النفط والغاز والقمح، لكنها تواجه تحديات من الهجمات التركية على المناطق الحدودية، مما يؤثر سلباً على البنية التحتية.

ولا تنظر دمشق إلى القوات الكردية بنفس نظرتها بالنسبة للفصائل السورية المعارضة التي تعتبر عدوا مشتركا للحكومة السورية والإدارة الذاتية في الشمال السوري. وتقول الإدارة الذاتية أنها تريد دولة لا مركزية تنتخب فيها المجتمعات المختلفة مجالس محلية يقودها الرجال والنساء على حد سواء بحيث تكون كل المجموعات العرقية والدينية ممثلة فيها.

وأعلنت في 13 ديسمبر 2023 عن “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، وهي خطوة متقدمة في إطار سعيها الحثيث لتعزيز سيطرتها على المنطقة.

واشتمل هذا العقد على نقاط عديدة، أبرزها استخدام مصطلح “أبناء وبنات وشعوب شمال شرقي سوريا” بدلا من “الجمهورية العربية السورية”، وعدم ذكر “كردستان” أو “غرب كردستان” ولا “الفيدرالية”، وإنما أشار إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية بـ”إقليم شمال وشرق سوريا”.

المنطقة لا تزال تواجه تحديات أمنية تتمثل بوجود أكثر من 10 آلاف عنصر محتجز من داعش محتجزين في سجون شمال شرقي سوريا، إلى جانب 55 ألف فرد من عائلاتهم في المخيمات

كما حدد العقد جغرافيا الإدارة الذاتية في 7 مقاطعات هي الجزيرة ودير الزور والرقة والفرات والطبقة ومنبج وعفرين والشهباء، وركز على قضايا المرأة والشباب، وأكد على تحرير ما سماها “الأراضي المحتلة”، في إشارة إلى عفرين وما حولها. كما أعلنت في يناير 2024 البدء بتشكيل محكمة لحماية العقد الاجتماعي تتألف من 8 إلى 10 أعضاء من القضاة وخبراء القانون.

ووفق تقرير لمجموعة الأزمات الدولية بعنوان “تعزيز التعافي الهش”، تدفع الإدارة الذاتية رواتب أعلى بـ10 مرات من تلك التي تدفعها الحكومة في دمشق، كما تمكنت من إعادة المياه والكهرباء إلى قرابة 70 بالمئة من المناطق التي تسيطر عليها، فضلا عن حالة الأمن النسبي وتفعيل المؤسسات، في ظل ضعفها الشديد بمناطق سيطرة الحكومة.

وبحسب التقرير، يستند هذا النجاح في الدرجة الأولى إلى الدعم الغربي عموما ودعم الولايات المتحدة خصوصا، إذ يوفر الوجود الأميركي للإدارة الذاتية الموارد والنفقات التشغيلية اللازمة لتشغيل دوائرها ومؤسساتها.

كما تقدم القوات الأميركية وحلفاؤها الإسناد الميداني والتدريب الأمني والعسكري لقوات سوريا الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي التابعة للإدارة الذاتية، فضلا عن الدعم السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية.

لكن في المقابل ينتشر الفلتان الأمني في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، وخروج مظاهرات تطالب بتحسين الوضع الخدمي، فضلاً عن إضراب الكثير من العائلات عن إرسال أطفالها للمدارس بسبب اعتراضهم على المناهج التعليمية.

وتُضاف إلى ذلك حملات الاعتقال التي تقوم بها “قوات سوريا الديمقراطية” لأسباب كثيرة، منها ملاحقة خلايا “داعش”، أو الأشخاص الذين يعارضون سياستها، أو بهدف التجنيد الإجباري في صفوفها.

لا تزال المنطقة تواجه تحديات أمنية تتمثل بوجود أكثر من 10 آلاف عنصر محتجز من داعش محتجزين في سجون شمال شرقي سوريا، إلى جانب 55 ألف فرد من عائلاتهم في المخيمات. وتعتبر “الإدارة الذاتية” أن دعم الاقتصاد المحلي سيضعف من قدرة تنظيم “داعش” على التجنيد والتوسع.

2