الإخوان يزايدون على موقف الأردن في لحظة فارقة

تستثمر جماعة الإخوان المسلمين في حالة الغليان الشعبي التي يشهدها الأردن جراء الحرب الدائرة على غزة لتعزيز حضورها سياسيا وشعبيا، رغم أن الوضع لا يحتمل، وفق متابعين، أي مزايدات أو إرباكات قد تطال الجبهة الداخلية.
عمان - يمر الأردن بلحظة فارقة في ظل مخاوف كبيرة من احتمالات تمدد الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس واتساع نطاقه، وما قد يسفر عنه من نتائج تهدد كامل الشرق الأوسط ولن يكون الأردن بمنأى عنها.
وتبدو القيادة الأردنية كمن يمشي على الزجاج في التعاطي مع التحديات القائمة، في ظل عدم التعاون من بعض القوى في الداخل على غرار جماعة الإخوان المسلمين التي ما فتئت تزايد على الموقف الرسمي منذ اندلاع الصراع في السابع من أكتوبر الجاري، من قبيل طرح مطالب لا تخلو من شعبوية كإعادة تفعيل الجيش الشعبي.
وحرصت الحكومة الأردنية ممثلة في وزارة الداخلية على مدار الأيام الماضية على فتح قنوات تواصل مع قيادات الإخوان، من أجل وضعهم في صورة التحديات الراهنة، وضرورة التعاطي بحكمة لمرور العاصفة، لكن الجماعة لم تظهر أي تجاوب، وهي تعمل على استثمار الموقف سياسيا وشعبيا.
وتملك جماعة الإخوان التي ترتبط بصلات وثيقة مع حركة حماس، قاعدة شعبية وازنة في الأردن، وتعد الطرف السياسي الأكثر تأثيرا في الشارع، وهو الأمر الذي يجعل السلطات الأردنية حريصة على التواصل معها. وأعاد مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان عقب اجتماع عقده الأحد، المطالبة بقطع كافة العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير من عمّان وسحب السفير الأردني.
وطالب المجلس بإلغاء كافة الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة مع إسرائيل وعلى رأسها اتفاقية الغاز واتفاقية الماء مقابل الكهرباء وغيرها من الاتفاقيات. وحض مجلس شورى الحزب على تعبئة الجبهة الداخلية في "وجه مخططات الاحتلال التي تمس مصالح الأردن العليا وأمنه القومي وإعادة العمل بالجيش الشعبي وتسليح الشعب الأردني".
◙ الحكومة الأردنية ممثلة في وزارة الداخلية حرصت على مدار الأيام الماضية على فتح قنوات تواصل مع قيادات الإخوان
ويرى متابعون أن الإخوان يدركون أن مثل هذه المطالب غير مطروحة بالنسبة إلى القيادة الأردنية على الأقل على المدى المنظور، لأن من شأنها أن تزيد من تأجيج الوضع الملتهب بطبعه في المنطقة، كما أن المطالب ستجعل المملكة في مواجهة مع الحليف الأميركي الذي كان صدم بموقف عمّان مؤخرا حينما ألغت قمة إقليمية كانت ستعقد الأسبوع الماضي مع الرئيس جو بايدن.
ويشير المتابعون إلى أن جماعة الإخوان تعمل على رفع سقف المطالب عاليا على غرار دعوتها إلى إحياء الجيش الشعبي، وتسليح الأردنيين، بغاية زيادة الضغط على القيادة الأردنية، مستثمرة في ذلك حالة الغليان الشعبي، دون أن تهتم في ذلك بتوحيد الصف والتعاطي بروية مع وضع قابل للانفجار وقد يأخذ الأردن إلى منزلقات خطيرة. وتأسس الجيش الشعبي في الأردن في خمسينات القرن الماضي، وكان عبارة عن كتائب من المدنيين جرى تسليحها في القرى الحدودية مع إسرائيل. ومنذ توقيع اتفاق السلام في وادي عربة بين إسرائيل والأردن في العام 1994، لم يعد للجيش ضرورة.
ويقول المتابعون إن إعادة تفعيل الجيش الشعبي أمر غير وارد، وأن جماعة الإخوان تدرك ذلك لكنها فقط تريد إحراج القيادة أمام الشعب الأردني. وكانت قيادات من الجماعة وعلى رأسها المراقب العام عبدالحميد ذنيبات طرحت مطلب إعادة الجيش الشعبي خلال لقاء جمعها الأسبوع الماضي بوزير الداخلية مازن الفراية.
وقال الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة لوسائل إعلام محلية لقد “طلبنا من وزير الداخلية إعادة الجيش الشعبي استعدادا للتغييرات التي تشهدها المنطقة وخصوصا في غزة، وأبدينا تخوفنا من محاولة الاحتلال لتهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن وسكان غزة إلى مصر".
وأكد العضايلة “تمحور حديث وزير الداخلية مازن فراية على ضرورة التنسيق مع الجهات الرسمية لإقامة المسيرات وخصوصا المطالب الشعبية بإقامة مسيرة كبيرة على الحدود الأردنية مع الكيان الصهيوني". وردت قيادات الحركة بحسب العضايلة “سنبقى ننظم تلك المسيرات في المناطق التي نراها مناسبة لكي يسمع العالم صوتنا".
وكان من الواضح أن السلطات الأردنية راهنت على لعب جماعة الإخوان دورا في عدم تأجيج الوضع الحدودي من خلال المسيرات الشعبية، وكان ذلك أحد الأسباب التي قادت فراية إلى لقاء قياداتها، لكنه لم يجد أي تجاوب، ما أدى إلى اندلاع مواجهات بين قوات الأمن ومحتجين في المنطقة الحدودية وقرب السفارة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية، وتم خلالها اعتقال العشرات من النشطاء.
وأكدت لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان في حزب جبهة العمل الإسلامي، الأحد، أن جموع الشعب الأردني خرجت تعبر عن إرادتها التي كفل الدستور والقوانين حق التعبير عنها، وقالت اللجنة في بيان لها “شكلت هذه الجموع بموقفها المشرف وفعالياتها المتواصلة الموقف الأبرز الذي أسند الدولة في مواجهة التهديدات والضغوط التي تتعرض لها”.
وشدد بيان اللجنة على أن “واجب الحكومة تأمين كافة الفعاليات لا تقييدها أو منعها أو حصرها بأماكن دون أخرى، وهي مطالبة بالتخلي عن الخطاب التأزيمي والممارسات التي تنتهك حريات المواطنين وتخرق الدستور”. ودعت اللجنة الحكومة وأجهزتها إلى التعامل بمسؤولية عالية مع الجموع، فالأحداث في غزة جسام، والفعاليات بما عبرت عنه تشكل قوة للدولة في مواجهة خطط التهجير والوطن البديل.
وكانت وزارة الداخلية الأردنية حذرت مرارا من مغبة الاقتراب من الشريط الحدودي، ويرى متابعون أن بياني مجلس الشورى ولجنة الحريات للحزب يشيان بأن جماعة الإخوان ليست في وارد الإصغاء للتحذيرات، وأنها ستتجه نحو المزيد من التصعيد الشعبي الأمر الذي يضع القيادة الأردنية في مواقف صعب.
ويسعى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى إقناع المجتمع الدولي بضرورة التحرك من أجل احتواء التصعيد الجاري، محذرا من أن المسار الحالي يهدد كامل المنطقة، لكن لا يبدو أن تحذيراته تلقى أي تجاوب، وقد يكون الخيار الوحيد أمامه هو تمتين الجبهة الداخلية في مواجهة الأوضاع الطارئة، لكن عدم تعاون جماعة الإخوان يعمق الأزمة.
ودعا الملك عبدالله الثاني الأحد، إلى ضغط دولي على إسرائيل لوقف الحرب على غزة، وضرورة استدامة إيصال الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى القطاع “بشكل عاجل”. وجاء حديث العاهل الأردني خلال استقباله في العاصمة عمّان مسؤولا عسكريا بريطانيا، وأخرى من الأمم المتحدة، بحسب بيانين للديوان الملكي.
وتناول الملك عبدالله الثاني وكبير مستشاري رئيس أركان الدفاع البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الفريق جوي مارتن سامبسون “الأوضاع الخطيرة” في غزة. وشدد العاهل الأردني على “ضرورة تحرك المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف الحرب على غزة، وحماية المدنيين، وكسر الحصار، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى هناك".
وحذر من أن استمرار الحرب على غزة "قد يدفع إلى انفجار الأوضاع في المنطقة". وخلال لقائه المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين بحث الملك عبدالله الثاني ضرورة “استدامة إيصال الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة وبشكل عاجل”.
وتناول دور المنظمات الدولية مثل برنامج الأغذية العالمي في "دعوة المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لضمان إيصال الغذاء والمياه والدواء والوقود إلى غزة، والدعوة إلى حماية البنية التحتية الطبية والإغاثية في القطاع". فيما أكدت ماكين على "أهمية حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية في غزة، وضمان استمرار واستدامة وصول الغذاء والدواء والدعم الإغاثي إلى القطاع".